منذ بضعة أيام انتهت اجتماعات الربيع لكل من صندوق النقد ومجموعة البنك الدوليين التى انعقدت فى العاصمة الامريكية، واشنطن، خلال الفترة من 21 إلى 23 ابريل من عام 2017. كانت تصريحات السيدة/ كريستين لاجارد مدير عام الصندوق والسيد/ جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط ووسط آسيا، وكذلك السيد/ كرس جارفيز المسئول عن ملف مصر بالصندوق، تشير الى القلق الشديد من تسارع معدلات التضخم التى جاوزت نسبته 30% سنويا والتوصية باهمية أن تتخذ الحكومة والبنك المركزى مزيدا من التدابير والسياسات الاقتصادية لخفض موجة الغلاء التى من بينها الاستمرار فى رفع سعر الفائدة لامتصاص مزيد من فائض السيولة ولكن مع ضرورة اتخاذ تدابير احترازية لمواجهة الآثار السلبية لهذا الرفع على تكلفة الدين العام والاستثمار وسوق المال. هذا فضلا عن اهمية احتواء فاتورة دعم المنتجات البترولية بالعمل على توصيله لمستحقيه. هذه التوصيات تاتى فى اطار تطبيق مصر لبرنامجها الوطنى للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى الذى يتضمن ثلاثة محاور أساسية: المحور الأول، الذى يتمثل فى علاج الاختلالات المالية فى الموازنة العامة والدين العام وميزان المدفوعات وسعر الصرف والسيولة النقدية، والمحور الثانى يتناول إصلاح الهياكل والمنظومات الاقتصادية والإدارية والتشريعية المشوهة. اما المحور الثالث فيركز على اهمية تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية لحماية الطبقات غير المقتدرة (الفقراء وشريحة عريضة من الطبقة المتوسطة) على مدار ثلاث سنوات (2016/2017 - 2018/2019). هذا الاحساس بالقلق لم يكن مقتصرا على المؤسسات المالية الدولية ولكنه شعور بالقلق لدى كل المصريين، أفرادا ومسئولين، لذا فإن الأمر يتطلب أن يقوم خبراء مصر الاقتصاديون بعمل تقييم عاجل لأداء الاقتصاد المصرى بعد مرور 6 أشهر منذ تطبيق هذا البرنامج الاصلاحى. وفى هذا الإطار تمكن الإشارة إلى عدد من الملاحظات المهمة فى هذا الشأن: 1- إن الاصلاح جاء متأخرا وبشكل غير مبرر، بسبب التردد والخوف من رد فعل الشارع المصرى، ما ترتب عليه تفاقم حدة الاختلالات المالية بشكل اضعف فاعلية السياسات والإجراءات التى اتخذتها السلطات المصرية وقدرتها على تحقيق أهداف البرنامج. 2- عدم تحديد اولويات الاصلاح بشكل واضح، فضلا عن عدم الاتساق فى الالتزام بالتسلسل والتتابع الزمنى عند تطبيق تلك السياسات الاقتصادية. 3- بروز حاجة ماسة لمايسترو جديد على رأس حكومة جديدة تشمل احداث تغييرات مهمة وملحة يسودها روح الفريق المتناغم بين اعضائها. 4- المدى الزمنى غير كافٍ، حيث إن التدرج مطلوب وعلى فترة 5 سنوات على الاقل تبدأ بعلاج الاختلالات المالية خلال عامين، الحالى والقادم، ثم بعدها تبدأ مرحلة اصلاح الهياكل والمنظومات الاقتصادية والإدارية والتشريعية المشوهة على مدار ثلاث سنوات تالية. 5- ضرورة مواجهة الانفلات السكانى وتلجيم الزيادة السكانية التى أصبحت تلتهم كل ثمار النمو أولا بأول دون ترك فائض كاف لتحسن مستوى معيشة المواطن، لذا فعلى الحكومة أن تعمل على لجم الزيادة السكانية وكذلك تطبيق سياسات مالية تربط الدعم بعدد أفراد الأسرة المصرية. 6- إن هناك بطئا وعدم كفاءة فى تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية اللازمة لتخفيف الآثار الضارة لعملية الاصلاح ومواجهة غول الغلاء (اين استهداف دعم المنتجات البترولية والكهرباء؟) والاكتفاء بمحاولة خفض الدعم فى الموازنة بزيادة أسعار المنتجات البترولية دون استهداف الفئات المستحقة. 7- إن السياسات المضمنة فى البرنامج الاصلاحى أدت الى تكميش الطلب الكلى من خلال تكميش مكون الاستهلاك الكلى دون زيادة فى مكون الطلب الاستثمارى والانفاق الحكومى المنتج وتقليص فجوة العجز فى الحساب الجارى، الأمر الذى اثر سلبا على معدلات النمو الاقتصادى المستهدفة. 8- البطء فى المناولة التشريعية بين المطبخ الحكومى والبرلمان (مجلس النواب) فى مجال الإسراع بسن القوانين، فمثلا قوانين الخدمة المدنية والقيمة المضافة والاستثمار والإفلاس والتصفية والعمل والتأمينات الاجتماعية والتأمين الصحى وغيرها أخذت مددا زمنية طويلة بشكل غير مبرر عند مناقشتها وإقرارها. 9- عدم القدرة على الالتزام بالضبط المالى بدليل الانحراف المستمر بين عجز الموازنة الفعلى والمشاهد بشكل لافت للنظر. 10- كذلك اخذت السياسة النقدية للبنك المركزى المصرى بعدا يغلب عليه البعد المصرفى اكثر منه بعدا اقتصاديا ومن ثم عدم القدرة على تفعيل دور المجلس التنسيقى للسياسات الاقتصادية والمالية. 11- إن رفع أسعار الكهرباء والمياه ثلاث مرات منذ موازنة 2014/2015 وحتى الآن، وللمرة الرابعة فى موازنة العام المالى القادم 2017/2018، ورغم اتخاذ الحكومة تدابير من شأنها مراعاة التيسير على الفقراء إلا أن العبء الاكبر لتلك الزيادات يتحملها المستهلكون ومن بينهم الفقراء بسبب أن معظم استهلاك الكهرباء والمياه لدى الجهات الحكومية بها هدر شديد فضلا عن عدم سدادها لتكلفتها الفعلية بشكل ادى الى تزايد متأخراتها ومن ثم مديونياتها لشركات الكهرباء الحكومية التى حملتها هى الأخرى على الهيئة العامة للبترول. ورغم ذلك، فإن هناك جوانب إيجابية تتمثل فى الجهد المبذول للالتزام بما جاء فى الدستور برفع نسب الإنفاق على الصحة والتعليم. كذلك أن الافتراضات التى وضعت لتقدير كل من الإيرادات الضريبية وغير الضريبية والانفاق العام بموازنة العام القادم 2017/2018 (سعر برميل البترول 55 دولارا وسعر للصرف يعادل 16 جنيها/دولار) تعد أكثر واقعية مما كانت عليه فى موازنة هذا العام 2016/2017.