إن أحد أسباب عجز الموازنة العامة للدولة هو انخفاض حصيلة الضرائب عما ينبغى ان يسدد فى ظل ما يولده الاقتصاد المصرى من انتاج ودخول. ويرجع ذلك جزئيا الى ان من يسدد الضرائب هم اساسا الموظفون والشرفاء من رجال الاعمال، ويسعى النظام الضريبى الى التغيير المستمر فى محاولة لتحصيل الضرائب الشاملة، وما يطرح على الساحة المالية الآن هو التحول الى الضريبة على القيمة المضافة بدلا من الضرائب على الاستهلاك او المبيعات. فما هى هذه الضريبة؟ وكيف تحسب؟ وهل فيها العلاج الملائم لحصيلة الضرائب وكبر عجز الموازنة العامة للدولة؟ من المعروف ان القيمة المضافة هى الفرق بين مستلزمات الانتاج وقيمة الانتاج. بمعنى آخر فهى الفرق بين مشتريات المنتج من السلع والخدمات التى تدخل فى عملياته الانتاجية وقيمة ما يبيعه من المنتجات. وبالنظر الى تتابع العمليات الانتاجية فان القيمة المضافة فى مرحلة ما هى ما تضيفه هذه المرحلة من قيمة الى ما استخدمته من المواد الاولية، فاذا اخذنا مثالا صناعة الملابس الجاهزة المنتجة من القطن فان اول العملية الانتاجية هى زراعة القطن الذى يباع الى المغازل. وتستخدم صناعة النسيج هذا الغزل التى تحوله الى نسيج او قماش قبل صبغه وتصنيعه فى مصانع الملابس الجاهزة وعلى افتراض ان مستلزمات المزارع صفر تقريبا، وان قيمة انتاج القطن 100 الف جنيه فان قيمة الانتاج تساوى القيمة المضافة فى هذه المرحلة. فاذا بيع القطن الى المغازل، التى باعت ما غزلته بقيمة 120 الف جنيه فإن القيمة المضافة فى مرحلة الغزل تكون 20 الف جنيه، وهذا الغزل بيع الى مصانع النسيج التى باعته كانتاج كامل بمبلغ 200 الف جنيه لمصانع الملابس الجاهزة التى بلغت مبيعاتها 300 الف جنيه فتكون القيمة المضافة 80 و100 الف جنيه لمرحلتى النسيج وتصنيع الملابس الجاهزة على التوالى. فاذا فرضت ضريبة على القيمة المضافة فى كل مرحلة من مراحل الانتاج بواقع 10٪ من القيمة المضافة، فان الجدول المرفق يبين قيمة الانتاج ومستلزماته والقيمة المضافة والضريبة المستحقة عليها فى كل مرحلة. ويلاحظ ان المنتج النهائى هو الملابس الجاهزة التى بلغت قيمة مبيعاتها 300 الف جنيه جنيه فاذا فرضت الضريبة عليها فسوف تكون حصيلتها هى مجموع الضريبة المفروضة للقروض على مراحل التصنيع المختلفة اى 300*10 وحساب الضريبة بهذه الطريقة فيه تبسيط شديد لعدة مسائل منها: اولا: كيفية معالجة مشتريات الشركات من الاصول الرأسمالية عند حساب القيمة المضافة ففى بعض الدول تحتسب القيمة الاستثمارية بأكملها كمستلزمات انتاج على الرغم من انها انفاق استثمارى وليست انفاقا جاريا. وفى هذا تشجيع على الاستثمار الا انه يخفض حصيلة الضريبة فى سنوات شراء هذه الاصول ففى مثالنا السابق اذا اشترى منتج الملابس الجاهزة آلات قيمتها 50 الف جنيه تصبح قيمة مستلزمات الانتاج 250 الف جنيه بدلا من 200 الف جنيه وتكون القيمة المضافة خمسين الف جنيه بدلا من خمسة آلاف جنيه. وتعرف الضريبة فى هذه الحالة باسم الضريبة المضافة بنمط الاستهلاك، اما فى بعض البلدان الاخرى فلا يحتسب ضمن مستلزمات الانتاج سوى اهلاك الاصول الرأسمالية المشتراة على عدد سنين عمرها وفى هذا تدريج الضريبة المسحقة. ثانيا: طريقة تحصيل الضريبة. من الممكن تحصيل ضريبة القيمة المضافة بطريقتين: الاولى عند كل مرحلة من مراحل التصنيع والاخرى ان تفرض الضريبة على المرحلة النهائية للانتاج مرة واحدة، ففى مثالنا السابق يخضع كل منتج للضريبة على اساس اجمالى مبيعاته، ويستطيع فى هذه الحالة المطالبة بخصم الضرائب التى دفعها المنتجون الاخرون على اعتبار انها »ائتمان« فى مقابل خصم من الخصوم، وفى الجدول المرفق يستطيع منتج النسيج ان يطالب بخصم الضرائب التى دفعت من قبل المنتجين السابقين عليه اى المزارع والمغازل. وكى توافق السلطات الضريبية على ذلك، فإنها تشترط فى بعض الدول ان يكون لدى هذا المنتج »فواتير« شراء تبرهن ذلك ويكون هذا الاجراء بمثابة حافز للمنتجين على رقابة انفسهم، وتجنب التهرب من اداء الضريبة، ويشجع المنتجين على التعامل مع من يحرر فواتير شراء. وهذه مشكلة نعانى منها فى مصر حيث لا يصر البائعون او المشترون على الحصول على فواتير لتجنب دفع الضريبة على المبيعات. ورغم ضرورة اصدار فاتورة الا انها قد تكون بأقل من قيمتها »اى فاتورة مضروبة« وهذا تواطؤ بين الجميع منتجين ومستهلكين لسداد ضرائب اقل عن المستحق. غير انه يتوقع ان يكون التهرب من اداء الضريبة فى حالة القيمة المضافة اقل عنها فى حالة الضريبة العامة على المبيعات. ثالثا: هيكل اسعار الضريبة. ويثور السؤال فى مجال تطبيق ضريبة القيمة المضافة: هل يكون سعر الضريبة موحدا على جميع الانشطة ام يختلف من نشاط الى اخر؟ وفى مثالنا السباق كان سعر الضريبة موحدا الا انه يمكن تطبيق اسعار مختلفة على الانشطة المختلفة، حيث يكون منخفضا على بعض السلع الغذائية مثلا 5٪ ومرتفعا على بعض السلع الاخرى، السجائر مثلا 25٪ للحفاظ على البيئة والصحة العامة للمواطنين. وفى بعض الدول التى تطبق هذه الضريبة تعفى الشركات الصغيرة جدا من اداء هذه الضريبة لاعتبارات تخفيف الاعباء الضريبية وهذه نقطة هامة فى مصر حيث يطالب البعض بملاحقة الباعة الجائلين لتحصيل الضريبة عليهم فى حين ان رقم اعمالهم صغير جدا، اما من يستحقون الملاحقة فهم فى القطاع غير النظامى ممن يحصلون على دخول كبيرة وتعاملاتهم تصل الى الملايين مثل المقاولين والمهنيين الذين يحررون ايصالات عن عملياتهم وغيرهم. وفى بعض الدول التى طبقت الضريبة على القيمة المضافة تتهرب بعض البنوك وشركات التمويل الكبرى من أداء هذه الضريبة عن طريق تقديم خدماتها نوعا أو عينا و»ليس قيمة« ويصبح حساب القيمة المضافة متعذرا. وكذلك فإن استهلاك الخدمات التى يحصل عليها شاغلو المساكن التى يملكونها تعفى من هذه الضريبة لنفس الأسباب التى يعفون منها فى الضرائب على الدخل، وفى حالة عدم توحيد سعر الضريبة، تولد تعقيدات ادارية كبيرة خاصة عند نتائج الشركة اكثر من منتج واحد بعضها معفى من الضريبة والآخر خاضع لها، وكذلك فى حالة اختلاف نسبة مستلزمات الانتاج على كل منها. إذن تبين مما سبق ان الضريبة على القيمة المضافة ليست حلا خاليا من المشكلات التى تعانى منها الضريبة على المبيعات وربما نتساءل عن خصائصها من زاويتى الكفاءة والآثار التوزيعية، فإذا كانت الضريبة مصممة بطريقة جيدة وأخذت هذه الاعتبارات فى الحسبان فإن الضريبتين لن تختلفا اختلافا جذريا بعضهما عن البعض. وختاما فإن انخفاض حصيلة الضرائب كنسبة من الناتج المحلى الاجمالى لا يتم علاجها عن طريق الانتقال من الضريبة على المبيعات الى الضريبة على القيمة المضافة. ولكن يتم عن طريق - كما ذكرنا مرارا وتكرارا - عن طريق توعية الممولين بأهمية أداء الضرائب وزيادة الثقة بين الممولين ومصلحة الضرائب او تنمية شعور دافعى الضرائب بأن ما يدفعونه من ضرائب يعود بالخير على المجتمع كله وليس فئة قليلة منه وان يشاهدوا بعينى رءوسهم تحسن الخدمات العامة التى تقدمها الحكومة، وكذلك تغليظ العقوبة على التهرب بعد ذلك من الضرائب للحد الذى يتعدى الحبس الى سحب الجنسية عن كبار المتهربين.