بعد أقل من ثلاثة أيام تقريبا يتجه الناخبون الأتراك يوم الأحد المقبل إلى مراكز الاقتراع للتصويت في الاستفتاء الشعبي على تعديل الدستور لتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية. في الوقت نفسه تواجه تركيا مجموعة من التحديات ذات الطبيعة الاقتصادية بدءا من معدل البطالة المرتفع وصولا إلى انخفاض الانتاجية وتدهور قيمة العملة. ورغم احتفاظ الاقتصاد التركي بشكل عام بقوة دفعه، فإن الهجمات الإرهابية المتكررة تضر بالسياحة والروح المعنوية للشعب التركي بقوة. خلال العام الماضي مع تراجع الاقتصاد وصل معدل البطالة في تركيا إلى 7ر12% وهو أعلى مستوى له منذ 7 سنوات. وتزداد مشكلة البطالة حدة بالنسبة للشباب حيث أن واحدا من بين كل أربعة شباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما عاطل عن العمل. وتحتاج تركيا إلى نمو اقتصادي بمعدل 5% سنويا تقريبا لضمان توفير وظائف جديدة للباحثين عن عمل، لكن معدل النمو في العام الماضي لم يتجاوز 9ر2% من إجمالي الناتج المحلي. وكان معدل النمو خلال سنوات الازدهار الاقتصادي قد وصل إلى 9ر6% سنويا. وقد ساعدت سنوات الازدهار الاقتصادي في تنامي شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تولى رئاسة الوزراء لأول مرة منذ 11 عاما، ثم أصبح رئيسا للبلاد منذ 2014 ويستعد الآن أردوغان للاستفتاء على التعديلات الدستورية التي تعزز صلاحيات رئيس الجمهورية. أما الآن فقد خفضت مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية الثلاث الرئيسية "فيتش" و"ستاندرد أند بورز" و"موديز" تصنيف الديون السيادية التركية إلى درجة "عالي المخاطر". كما تباطأ الناتج الصناعي لتركيا خلال فبراير الماضي، في حين وصل معدل التضخم السنوي خلال مارس إلى أعلى مستوى له منذ 2008 و تعاني تركيا من تداعيات تراجع قيمة الليرة التركية التي فقدت حوالي 50% من قيمتها خلال السنوات القليلة الماضي، إلى جانب تنامي العجز في ميزان الحساب الجاري للبلاد. وقد أدى انخفاض قيمة العملة إلى صعوبة شديدة في سداد الشركات التركية لديونها المقومة بالدولار أو اليورو. من ناحيته تبنى البنك المركزي التركي ما يعرف باسم "إجراءات وقف اتساع الفجوة" لمساعدة الشركات في مواجهة التزاماتها. وكانت محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة ضد أردوغان في صيف العام الماضي قد جاءت في ظل أصعب الأوقات التي تمر بها تركيا. واتهمت الحكومة التركية جماعة رجل الدين المقيم في الولاياتالمتحدة فتح لله جولن بالمسئولية عن المحاولة، قبل أن توقف أكثر من 100 ألف موظف حكومي عن العمل وتقبض على حوالي 47 ألف شخص بتهمة الانتماء إلى هذه الجماعة. ويعاني قطاع السياحة التركي بشدة من الهجمات الإرهابية سواء تلك التي ينفذها تنظيم داعش الإرهابي أو حزب العمال الكردستاني الذي تجدد صراعه مع الحكومة في أعقاب انهيار عملية السلام بين الجانبين في 2015 وتراجعت إيرادات قطاع السياحة خلال العام الماضي بنسبة 30% تقريبا. في حين تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 47% سنويا خلال يناير الماضي. حالة الاقتصاد والقمع السياسي جعلت حتى الشباب الذي يعمل يشعر بالقلق من المستقبل. وبحسب استطلاع أخير للرأي أجرته مؤسسة "مترو بول"، فإن 46% من الأتراك ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما أي ما يصل إلى مليوني ناخب لا يعتزمون التصويت في الاستفتاء. يقول المحلل الاقتصادي "أوزكان قاضي أوغلو" إن تركيا تحتاج إلى توفير مليون وظيفة جديدة سنويا على الأقل لوقف تنامي البطالة، وعلى الحكومة معالجة البطالة بين الشباب التي وصفها بأنها"مشكلة هيكلية". وتأمل الحكومة في توفير 500 ألف وظيفة جديدة سنويا من خلال برنامج جديد بدأ تطبيقه خلال العام الحالي. ورغم أن هذا البرنامج حقق بعض النجاح، فمن غير المحتمل أن يكون كافيا بدون إصلاحات مطلوبة على المدى الطويل بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء. يقول المحلل الاقتصادي عطا الله يسيلادا إنه إذا حصل أردوغان على المزيد من الصلاحيات نتيجة الاستفتاء فإن توغله في الاقتصاد سيزداد. ويدعو "يسيلادا" الشعب التركي إلى التصويت ب "لا" في استفتاء الأحد المقبل، محذرا من أن التعديلات الدستورية ستؤدي إلى المزيد من تركيز السلطة في يد الرئيس وغياب المحاسبة للسلطة التنفيذية. وأضاف يسيلادا في تصريحاته "لا نعرف كيف نجذب التدفقات النقدية في ظل بيئة سياسية متقلبة واقتصاد متعثر". أما "سيفتين جورسل" مدير مركز الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية في جامعة "باهسيشير" فيقول "من غير المحتمل دخول أصحاب الاستثمارات طويلة المدى إلى تركيا بسرعة، ولكن من المؤكد أن محفظة الاستثمارات ستتراجع" مشيرا إلى خفض مؤسسات التصنيف الائتماني الدولي لتصنيف تركيا. في الوقت نفسه فإن المستثمرين أصحاب الاستثمارات قصيرة المدى في أسواق المال التركية يراهنون على التصويت ب "نعم" في الاستفتاء لأنهم يريدون الاستقرار. ورغم المخاوف الحالية، أثبت الاقتصاد التركي مرونة وقوة في الماضي، وبعض الخبراء يعتقدون أنه قد يتمكن من تجاوز أزمته الراهنة. يقول "تيموثي آش" خبير السندات السيادية في مؤسسة "بلو باي إميرجنج ماركتس" إن وتيرة نمو الاقتصاد التركي ستتراجع خلال العام الحالي. لكن يمكن أن نفاجأ بمدى قوة الاقتصاد التركي" وقدرته على تجاوز أزمته.