تسود حالة من الترقب والحذر تسيطر على المتعاملين فى سوق المال نتيجة تكرار التفجيرات التى تشهدها مصر فى الفترة الأخيرة سواء التى تحدث فى سيناء وتستهدف أفراد الأمن أو ما تشهده فى الأماكن العامة وأمام المنشآت الحيوية، فى انتظار رد فعل القيادة السياسة على تطورات الوضع الراهن. ورأى خبراء أسواق المال أن البورصة المصرية كانت مهيأة لكسر مستويات هامة، خاصة بعد صدور تقارير تحسن تصنيف مصر الائتماني، وتحسن العديد من المؤشرات الاستثمارية، والفرص الاستثمارية العديدة التى تعتزم الحكومة طرحها فى مؤتمر اقتصادى ضخم فبراير المقبل، لكن تكرار التفجيرات الأخيرة فى سيناء كشف عن مؤامرة لوقف الزحف نحو الخروج من نفق التعثر الاقتصادى بتشويه الصورة الأمنية لإعاقة خطوات الإصلاح السياسى والاقتصادى. وكانت وكالة موديز انفستورز سرفيس للتصنيفات الائتمانية، قد أصدرت تقريرا مؤخرا، أكدت فيه تغيير نظرتها المستقبلية لمصر من سلبية إلى مستقرة، كما قامت بتعديل تصنيف 5 بنوك مصرية من سلبية إلى مستقرة. وأكد الخبراء ل»الأهرام الاقتصادى« أهمية تحقيق الاستقرار الأمنى فى سيناء، على تطورات الأوضاع الاقتصادية بصفة عامة وأسواق المال بصفة خاصة، حيث أشاروا إلى أن الانفلات الأمنى فى سيناء قد يضر بالبورصة بنسبة أكبر من تأثرها بعد ثورة 25 يناير. وتعد شبه جزيرة سيناء منطقة صحراوية وهى الجزء الشرقى من مصر، وتمثل 6٪ من المساحة الاجمالية لمصر، ويسكنها مليون وأربعمائة ألف نسمة، وهى الرابط بين إفريقيا وآسيا عبر الحد المشترك مع فلسطين شرقا، وتعتبر من أهم المقاصد السياحية فى مصر لما تمتاز به من خصائص طبيعية ودينية وحضارية فريدة وتساهم بنسبة كبيرة فى الدخل القومى المصرى . وعن تأثير هذه التفجيرات على البورصة قال أحمد زينهم محلل أسواق المال: إن التفجيرات التى شهدتها مصر منذ 30 يونيو الماضى، لم تؤثر فى أسواق المال بشكل يثير القلق، مع التطور التدريجى على المستويين الاقتصادى والسياسي، لكن حادث سيناء الأخير دق ناقوس الخطر فى أسواق المال، فى الوقت الذى يشهد فيه عدد من البلدان العربية اضطرابات أمنية، وتخوض حروبا ضد الجماعات المتطرفة بشكل يومي، مما أحدث حالة من المخاوف أن يمتد ذلك إلى مصر. وأضاف أنه بشكل عام، فإن مؤشرات البورصة المصرية عكست تأثرا ملموسا بالتطورات التى شهدتها الساحة السياسية بعد ثورة 30 يونيو الماضى، والتى تأثرت بالإيجاب على التعاملات خلال الستة أشهر الأولى من العام الحالي، وارتفع المؤشر الرئيسى للسوق بنسبة 21.5٪ منذ بداية العام مقارنة بشهر مايو من العام السابق. وأشار إلى أن مؤشر البورصة الرئيسى كان مرشحا بقوة لتخطى مستويات ال9000-9200 نقطة قبل نهاية العام الحالى بدعم من جهود خطة الإصلاح الاقتصادى التى أدت إلى رفع تصنيف مصر الائتمانى من سلبى إلى مستقر، لكن توسيع قاعدة التفجيرات فى الفترة الأخيرة حدَّ من سير المؤشر فى هذا الاتجاه بشكل سريع. ويقول إسلام عبد العاطى عضو الجمعية المصرية للتمويل، إن استقرار الأوضاع السياسية وما يترتب عليه من تحسن فى البناء الاقتصادى هو ما سيدعم قدرة البورصة المصرية على التعافي، والوصول لمستويات متقدمة بين الدول، فجميع الأحداث السياسية والاقتصادية الحالية تؤثر فى اتخاذ القرار للمستثمر فى الشراء والبيع. واقتربت خسائر البورصة المصرية من ال38 مليار جنيه عقب الانهيارات التى شهدتها الأسواق العالمية، بينما ربحت خلال تعاملات الأسبوع الماضى نحو 9.3 مليار جنيه، عقب رفع تصنيف مصر الائتمانى. وأضاف أن المؤشرات منذ بداية العام مازالت تعكس أن نسبة الاستثمار متوسطة وطويلة الأجل عند مستويات إيجابية نتيجة مشتريات المؤسسات، حيث تواجد شريحة من المستثمرين يستهدفون الاحتفاظ بأسهمهم وليس المضاربة اليومية، الأمر الذى يعتبر إيجابيًا للبورصة التى تحتاج إلى مثل هذه النوعية من المستثمرين، بهدف تمكين مؤشراتها من التماسك، لكنه فى ظل تعدد التفجيرات داخل البلاد فإن من شأن المستثمر الأجنبى والعربى أن يأخذ انطباعا سلبيا عن الأمور الداخلية للبلاد، وسيقلق المستثمر المصرى بشأن تراجع السوق. وأشار إلى أنه خلال الفترة القادمة سترتبط سلوكيات المستثمرين فى الأساس بالتطورات المتوقعة فى ظل الوضع السياسى والاقتصادى، وستحدد مدى قدرة القيادة السياسية على مواجهة تطورات الأوضاع فى سيناء، حيث سيستمر السوق فى اجتذاب سيولة لكن إذا ما حدثت أى ضغوط استثنائية عليه فإن المؤشرات قد تتعرض لموجة هبوط حادة. ومن جانبه قال سيف عونى، نائب رئيس شعبة الأوراق المالية باتحاد الغرف التجارية إن هناك حاجة لتوسيع قاعدة المستثمرين فى سوق المال المصرى، من أجل دفع عجلة التقدم والتطوير لسوق المال المصرى حتى يأخذ مكانته المرجوة فى مصاف الأسواق العالمية. وأشار إلى أن ذلك يقع على عاتق مسئولى الجانب الاقتصادى، بينما على القيادة السياسية، أن تواصل تحكمها فى الجانب الامنى، الذى يعد أساس استمرار تدفق الاستثمارات الخارجية، مما يؤثر فى الاحتياطى النقدى للبلاد، ونمو الأسواق المالية غير المصرفية. وأشار إلى أن المستثمر يعى جيدا المخاطر الناجمة عن الاضطرابات السياسية، وأحداث العنف على تطورات المؤشرات الاقتصادية، ومن ثم فإنه من الضرورى زيادة فاعلية آليات السوق من المخاطر غير التجارية. وأضاف أنه فى ضوء الأوضاع الحالية فقد أصبح من الضرورى زيادة عدد الحالات التى يتم فيها تعويض المستثمرين، خاصة فى الأوقات التى يتعرض لها سوق المال نتيجة عوامل طارئة، تؤثر بشدة على عمليات التداول وتكبد المستثمرين خسائر لا دخل لهم فيها. ورأى الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية، أنه لن تتم أى استثمارات فى مصر إلا مع وجود الأمن والأمان فى المنطقة كلها وعلى رأسها سيناء. وقال الخبير الاقتصادى إن سيناء هى بوابة مصر الشرقية، لذا يجب تنميتها عن طريق التوطين وإعمارها بالبشر قبل الزراعة والصناعة والتعدين والسياحة، مشيرا إلى أنها غنية بالعديد من الموارد الطبيعية، وتعميرها هو صمام الأمان لأمن مصر القومي. وأضاف أن كل النظم السياسية السابقة ظلمت هذا المنطقة، لكن الاتجاه تغير بعد ثورتى يناير ويوليو، وأصبح هناك اهتمام بالمنطقة من جانب الهيئة العامة للاستثمار، التى تسعى لتشجيع الاستثمار، حيث تدرس طرح حوافز استثمارية لأبناء سيناء على رأسها السماح لهم بتملك الأراضي، مطالبا بوجود سجل عينى لأراضى سيناء. وأوضح عبده أنه لولا حدوث تغيرات ملحوظة على الوضع الاقتصادى، وحدوث تلك المذبحة الأخيرة، لتأثرت البورصة بشدة، لكن الجميع يعلم مدى قوة السلطات المصرية، وقدرتها على السيطرة على مجريات الأمور فى سيناء. ومن جانبه أكد نادى عزام المحلل المالى، أن الرئيس وحكومته أطلقوا عددا من المشروعات تكفى لصعود السوق لآلاف من النقاط الخضراء وتكفى للاستثمار فى مصر عشرات السنين وتكفى لانتعاش الاقتصاد المصرى حقبه من الزمان. وتابع.. تلك المشروعات لو تم إطلاقها فى بلد غير مصر لكان مؤشرات أسواق ظلت لفترة طويلة، ومن هنا، يكمن الخطر والسبب الرئيسي، وراء تلك التفجيرات لتشكك فى اقتصادها وفى سوقها المالي. وأضاف أن تلك التفجيرات تأتى كمحاولة لإجهاض جهود الدولة الرامية إلى تعزيز قيم الديمقراطية وإرساء بناء اقتصادى قوى يعتمد على زيادة الإنتاج وتنوع التدفقات الاستثمارية، حيث بدا بوضوح أن بعض التيارات تسعى لإعاقة جهات الدولة المختلفة، وإضعاف الروح الوطنية وقيم الانتماء التى أفرزتها الثورة لدى المواطنين، وقد أثر ذلك كله على جميع الأنشطة بالبلاد، فتراجع النشاط السياحي، وتأرجحت مؤشرات البورصة المصرية. وطالب بسرعة تفعيل قانون مكافحة الإرهاب، لتشديد العقوبة على جريمة الإرهاب والجرائم المرتبطة بها مثل جريمة تمويل العمليات الإرهابية، لعقاب كل من استخدم القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، بهدف الإخلال الجسيم بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر. وأشار إلى أن الاقتصاد المصرى تغيرت ملامحه فى غضون أشهر قليلة لم يتم تحقيقها فى سنوات قبل ثورة 25 يناير رغم أهميتها، حيث أطلقت الحكومة العديد من الإصلاحات المالية والاقتصادية بدأت بتعديل أسعار الوقود، وتم التحول من ضريبة السلع والخدمات الحالية إلى نظام الضريبة على القيمة المضافة، وتم تقليص عجز الموازنة بنحو 40 مليار جنيه من وفورات تقليص الدعم، وتستهدف هذه المبادرات لخفض العجز 10٪ من الناتج المحلى الإجمالي، مقارنة مع 12.8٪ حسب تقديرات وزارة المالية فى السنة المالية 2014 . وأضاف أن المستثمرين المحليين أظهروا الثقة فى الانتعاش الاقتصادى فى مصر، وقد تمثل ذلك مؤخرا فى إصدار شهادات الاستثمار لقناة السويس للمستثمرين من الأفراد التى حققت ما يعادل 8.5 مليار دولار فى غضون أسبوع واحد، حيث إن توسيع القناة وتطوير المنطقة المحيطة سيكون عامل دعم مركزيا للنمو الاقتصادى والعمالة على مدى السنوات الخمس المقبلة على الأقل. وأضاف أنه رغم كل تلك المخاطر فإن الالتزام بالدعم من الحكومات الخليجية لا يزال قويا وسوف يستمر فى المستقبل.