فى المؤتمر الذى عقده المركز المصرى لدراسات السياسات العامة بعنوان الحلول الممكنة للبرلمان المصرى القادم اكد المشاركون ان هناك امراضا فى الجهاز الادارى للدولة تمثل تحديا للبرلمان من اهمها ترهل جهاز الدولة وتدهور ادائه، وتعدد التشريعات والقوانين، وبطء الاجراءات. واشاروا الى ان الموازنة العامة للدولة تعانى من اختلالات هيكلىة تتلخص فى استحواذ ثلاثة بنود للانفاق على ما يقرب من 80% من اجمالى الاستخدامات العامة وهى: الاجور وفوائد الديون واقساطها، والدعم، وكشف الباحث الاقتصادى ايمن هدهود عن ان انتاج النفط المصرى وصل الى نحو مليون برميل يوميا عام 1995، ثم بدأ فى الانخفاض حتى وصل حاليا الى اكثر قليلا من 70 الف برميل يوميا. وقد طرح حلمى الراوى مدير مرصد الموازنة العامة وحقوق الانسان إشكاليات الوضع الراهن للموازنة العامة حيث يعانى نظام الموازنة من اختلالات هيكلية مزمنة كاملة فى بنية ذلك النظام المعروف بنظام موازنة البنود والاعتمادات او موازنة الرقابة، تأتى هذه الاختلالات كنتيجة مباشرة لعدد من سلبيات النظام يمكن تلخيصها على النحو التالى: - صعوبة التعرف على برامج العمل والمشروعات التى تنوى الحكومة القيام بها او تطويرها وكذلك صعوبة قياس كفاءة الوحدات الحكومية المختلفة، حيث تقتصر موازنة الرقابة على توزيع الاعتمادات المالية على مختلف الاجهزة الحكومية ثم تقوم بالرقابة عليها لتحديد مسئوليتها عن أى انحراف او تجاوز فى تنفيذ الاعمال دون الاهتمام بالاعمال التى تنجزها وكأن تنفيذ الموازنة يستهدف صرف كميات مالية على بنود محددة فى قطاعات الدولة المختلفة بغض النظر عن مخرجات او منجزات ذلك الانفاق. - اعداد تقديرات الموازنة على اساس متوسط تقديرات عدد من السنوات المالية وفى ضوء الانفاق الفعلى للسنة المالية السابقة، فلا تعبر هذه التقديرات عن الاحتياجات الفعلية او الانتاجية المرجوة من الإنفاق او الإطار الزمنى لهذه الانتاجية وعلى ذلك تمثل اعتمادات المصروفات العامة قيدا على حرية الجهات بعدم تجاوز المدرج فى الموازنة وإلا تعرضت للمساءلة. - تقتصر الرقابة فى ظل هذا النوع من الموازنات على الرقابة الحسابية التى تهدف الى التأكد من عدم تجاوز الاعتمادات مع تلك الواردة بالموازنة دون الاهتمام بالأهداف والغايات لتلك الاعتمادات. - تفتقر هذه الموازنة الى وسائل لمتابعة تنفيذ الاعمال والمشروعات وتكلفتها ومدى تحقيق أهداف الإنفاق إذ إن الموازنة غالبا ما تنفصل عن خطة التنمية، حيث لا يضمن ذلك النوع وجود آلية لضمان ربط أجهزة الموازنة بأهداف التخطيط مع وجود معايير لقياس الأداء وتحليل التكاليف والعوائد عند توزيع الاعتمادات بين أوجه الانفاق الحكومى. - إن أسلوب موازنة الرقابة يعيق تقدير الإنفاق الكلى لأغلب وظائف وخدمات قطاعات الدولة، حيث لا يمكن معرفة حجم الإنفاق الكلى على مشروع واحد تشترك فى تنفيذه جهات متعددة لكل منها اعتماداتها وهو ما ينتج عنه تزايد تقديرات الانفاق العام من سنة لأخرى بما يمثل إهدارا مستمرا لموارد الدولة. - اختلاف الوحدة التنظيمية التى تعد كلا من الخطة والموازنة وعدم مراعاة السياسة المالية لأهداف الخطة وبذلك تفشل الموازنة بعد تنفيذها فى إنجاز هذه الأهداف. - عدم القدرة على توضيح العلاقة بين الخطة والموازنة وغياب آليات التواصل بينهما وعدم تعبير التبويب التقليدى للموازنة عن مدى تنفيذ مشروعات الخطة. إزاء هذه المشكلات التى يعانى منها نظام موازنة الرقابة البنود والاعتمادات كان لابد من التفكير فى التحول الى نظام آخر يكفل الاستخدام الأمثل لموارد المجتمع المتاحة بما يحقق فاعلية الإنفاق العام وبلوغ أهدافه. حاولت الحكومة المصرية مبكرا، منذ منتصف ستينيات القرن العشرين، التحول الى ما يعرف بنظام موازنة البرامج والأداء وربما حالت الظروف السياسية التى كان يمر بها ذلك النظام الوليد من انجاز ذلك التحول. طرح الباحث الاقتصادى أيمن هدهود شروط إلغاء الدعم عن الطاقة ومدى تأثيره على الاقتصاد، حيث اشار إلى ان مصر تعانى من ظاهرة الذروة النفطية، حيث تصل قدرة الانتاج لإجمالى حقول البترول والغاز إلى ذروة انتاجية فى أحد الأعوام ثم تبدأ بعدها بالانخفاض التدريجى ولا تعود لمستوى الذروة مرة أخرى. وأضاف أيمن هدهود أنه لكى تنجح استراتيجية التحول الى سوق الطاقة الحر وانهاء الدعم الحكومى لمنتجات الطاقة لابد ان تتضمن هذه الاستراتيجية مجموعة متكاملة من السياسات والاجراءات التى تقلل من آثارها السلبية وتحقق النتائج المرجوة من هذا التحول. - الإفصاح والشفافية: لابد ان توفر الحكومة كل المعلومات والبيانات التى تخص قطاع الطاقة من حيث الانتاج والاستهلاك والاستيراد والاطراف المستفيدة والاطراف المتضررة. الخ. والصراحة والصدق مع الشعب من الامور الضرورية لاكتساب تأييد جماهيرى واسع او على الاقل صبر على تلك القرارات التى يراها الجمهور تؤثر بشكل صريح على مستوى دخلهم ومعيشتهم. - التمهيد الإعلامي: لابد ان يسبق دخول قرارات الاسعار تمهيد إعلامي كاف حتى يعلم كل طرف مقدار استفادته او تضرره من هذه القرارات ولا يشعر ان الحكومة تفاجئه بقرارات صادمة. - التفاعل مع الأطراف المتضررة: يعنى مثلا اصحاب التاكسى سيتضررون بشكل مباشر من رفع سعر الغاز المضغوط ومن ثم لابد ان تستبق الحكومة ردود افعالهم وتنظر فى تحريك تعريفة الركوب بشكل يحقق مصلحة متوازنة لاصحاب التاكسى والركاب فى نفس الوقت. يسرى الحال على اصحاب سيارات النقل، والمزارعين، وغيرهم. ينتج عن هذا التفاعل بصفة عامة اكتشاف المناطق المتاحة للدعم الفعلى من الحكومة فى اطار برامج الدعم الاجتماعى (مثلا: الدعم على المواصلات العامة، دعم البوتاجاز للمنازل بنظام الكوبونات، وهكذا). - التخلى عن محاباة الصناعات الرابحة: وهذا احد اهم مشاكل الزيادات فى اسعار الوقود. فقد شعر اغلبية المواطنين ان الحكومة تتعامل بمحاباة واضحة مع مصانع الاسمنت التى تحقق ارباحا ضخمة تفوق المصانع الاقليمية (تركيا مثلا) وهو ما يسبب حالة سخط وغضب تجعل الحكومة دائما فى خانة المتهم ويزيد من صعوبة تقبل الاجراءات. - التخلى عن الصناعات غير الاقتصادية: بناء على مبدأ كفاءة الاستغلال الموضح سابقا، لابد ان ينتقى الاقتصاد الوطنى المجالات والصناعات التى تحقق اعلى عائد باقل قدر من الموارد وبالذات الطاقة. ليس من الضرورى ان يكون فى مصر صناعات صهر الحديد او انتاج حديد التسليح او الاسمنت التى تستهلك قدرا ضخما من الطاقة، وأن يستبدل بذلك صناعات متوسطة وصغيرة تستهدف التصدير وزيادة التدفقات الاجنبية. الصين وشرق اسيا نموذج واضح لذلك. بالاضافة الى ذلك لابد ان تكثف الحكومة من برامج تحديث الصناعة ونقل التكنولوجيا لرفع الانتاجية للصناعات القائمة ومن ثم تحقيق ارباح بموارد اقل. - تغيير أكواد البناء والتحول للبناء البيئى: الاستفادة من تقنيات البناء الحديثة التى ظهرت فى العشرين سنة الماضية ستسهم بشكل كبير جدا فى الحد من الاعتماد على الاسمنت وحديد التسليح فى عمليات البناء كما ستقلل من استهلاك الابنية المنشأة من استهلاك الطاقة خاصة للتبريد او التدفئة. - الإجراءات المتوازية: تخفيض الجمارك على جميع السيارات الى 5 10% مقابل الرفع التام للدعم عن البنزين. الجمارك على السيارات حصيلتها السنوية 3 مليارات جنيه مقابل حوالى 20 مليارا لدعم البنزين. لكن انخفاض الجمارك يشعر المستهلك بانه تم تعويض جزء كبير من زيادة تكلفة الوقود بتقليل سعر السيارة وفى هذا مصلحة الجميع. تناول المهندس عبدالمعطى لطفى الامين العام لاتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية البيروقراطية ودرها فى الاصلاح الادارى وتحسين مناخ الاستثمار حيث اشار ان هناك امراضا فى الجهاز الادارى للدولة وهى تمثل تحديا للبرلمان القادم من اهمها ترهل جهاز الدولة وتدهور ادائه وتعدد التشريعات والقوانين وغموضها مع محاولات الاصلاح المتتالية، بالاضافة الى التعقيدات الادارية وبطء الاجراءات وحتى يكون لدينا دولة قوية علينا ان نحارب مشاكل الجهاز الادارى فى الدولة.