مع استمرار اضطرابات سوق الصرف على خلفية عمليات مضاربة واسعة النطاق لاتعكس القيمة الحقيقية للعملة، ومع التوجه الحكومى بخفض قيمة الجنيه -سواء عبر عملية تعويم كامل أو تعويم مدار -فى اطار الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، يزداد الحديث فى الأيام الجارية حول مستقبل اسعار الفائدة واتجاهاتها في المرحلة القادمة. هذا الحديث الذى يمتد من دوائر الاعمال الي الأوساط المصرفية يطرح العديد من التساؤلات حول ضرورات وجدوى رفع سعر الفائدة على الودائع بالبنوك وتأثيرات ذلك سواء سلبا أو إيجابا علي حركة النشاط الاقتصادى بصفة عامة، وهل هذا هو التوقيت المناسب لإتمام هذه الخطوة؟ كما تمتد التساؤلات لتشمل المستوى السعرى الذى يمكن أن تصل إليه أسعار الفائدة وهل سوف تكون عملية الرفع شاملة كافة انواع الأوعية الادخارية أم سوف تقتصر على الإيداعات طويلة الأجل لتشجيع الادخار بالعملة المحلية؟ بداية فقد شهدت أسعار الفائدة في البنوك المصرية عمليات رفع متتالية فى الشهور الأخيرة وذلك فى إطار لجوء السلطة النقدية ممثلة بالبنك المركزى لاستخدام أدواتها في مكافحة التضخم والحفاظ على جاذبية الجنيه كعملة ادخار الي جانب الحيلولة دون جعل سعر الفائدة عنصرا طاردا للاستثمار . من هنا لجأ البنك المركزى لرفع سعر الفائدة منذ مطلع ابريل الماضى، حيث جرى تعديل سعرى الإيداع والاقراض من 8.75 بالمئة الي 10.75 بالمئة للايداع، ومن 9.75 بالمئة الى 11.75 بالمئة للإقراض، في المقابل قفز سعر إعادة الخصم من 9.25 بالمئة فى 25 يونيو 2015 الي 11.25 بالمئة في ابريل 2016. وترتب علي تلك الخطوة إقدام معظم البنوك العاملة في السوق علي رفع اسعار الفائدة علي الودائع خاصة طويلة الأجل مثل الشهادات الثلاثية والخماسية لتتراوح حاليا بين 12.5 و13 بالمئة . ورغم ان هذا المعدل من اسعار الفائدة يعد مرتفعا إلى حد ما مقارنة بمستويات سعرية متدنية في السابق، إلا أن الارتفاع الكبير فى معدل التضخم والذى بلغ 15.3 بالمئة حسب جهاز التعبئة العامة والإحصاء يجعل الفائدة سلبية، الأمر الذى يدعو - من وجهة نظر العديد من الخبراء - إلي ضرورة إعادة النظر في أسعار الفائدة حتى تتواكب مع معدلات التضخم السارية. - مواجهة التضخم في مقدمة هؤلاء الخبراء سهر الدماطى نائب العضو المنتدب لبنك الإمارات دبى التي ترى أن هناك موجة كبيرة من التضخم فى الوقت الراهن وهناك موجة أخرى متوقعة قادمة عما قريب لاسيما إذا تم خفض الجنيه وبالتالى فإن الفائدة السارية هي فائدة سلبية، لأن التضخم أكبر منها وإذا أضفنا التأثيرات المتوقعة القادمة من التضخم يصبح رفع اسعار الفائدة أمرا لابد منه، كما تشير إلى أن ثمة قرارا منتظرا آخر سوف يلعب دورا فى تغذية التضخم وهو قرار خفض دعم الوقود -حسبما تشير المعلومات الخاصة بالاتفاق مع صندوق النقد -وبالتالى سوف تكون اسعار الفائدة إحدى أدوات التعامل مع الموجة التضخمية القادمة . وحول التوقيت الملائم لاتخاذ قرار رفع سعر الفائدة قالت الدماطى ان هذا يعود بالدرجة الأساسية إلى برنامج الحكومة واتفاقها مع صندوق النقد وان نسبة الرفع الآمنة لأسعار الفائدة يجب أن تكون متوائمة مع معدلات التضخم السارية والمتوقعة أو حسب نسبة خفض الدعم، لأنه اذا لم تتحول الفائدة الي فائدة إيجابية نصبح أمام مشكلة . أما عن تأثيرات قرار رفع سعر الفائدة على تكلفة التمويل فتؤكد نائب العضو المنتدب لبنك الإمارات دبى انه من الطبيعى ان ترتفع تكلفة التمويل فى هذه الحالة ولكن هنا علينا ان نفرق بين تكلفة تمويل عملية انتاجية وتكلفة تمويل عملية استهلاكية، ذلك لأن التوجه العام للدولة المصرية في المرحلة الراهنة هو الدعوة الى العودة للإنتاج والاقتصاد الحقيقى ودعم كل ماهو منتج والعمل على تخفيف والحد من الاستهلاك عبر تشجيع الصناعات التى تستخدم مكونات انتاج محلية وبالتالى فإن البنوك عادة تمول 5 دورات انتاجية علي مستوي 25 قطاعا اقتصاديا في العام الواحد واذا افترضنا ان رفع سعر الفائدة سوف يكون في حدود 5 نقاط - على سبيل المثال - وهذا قد يكون رفعا كبيرا، فإن تأثير ذلك علي تكلفة تمويل الدورة الانتاجية الواحدة لايزيد على واحد بالمئة ، لكن علينا الانتباه أن بعض القطاعات والأنشطة سوف ترتفع تكلفة تمويلها كثيرا وفي مقدمة هذا القطاعات القطاع العقارى خاصة من يحصلون علي تمويل عقارى مباشر أى خارج نطاق مبادرة البنك المركزى - التي تتميز بانخفاض تكلفة تمويلها -ومن ثم فإن مستوي الفائدة السارى على القروض العقارية والذى يتراوح بين 16و17 بالمئة سنويا سوف يرتفع كثيرا، لكن ربما يعوض هؤلاء المقترضون استمرار ارتفاع اسعار العقارات فى مصر بصفة عامة، أما التمويل الاستهلاكى فسوف ترتفع تكلفته كثيرا خاصة تمويل السيارات وغيرها وهذا في اعتقادى - والكلام لايزال لسهر الدماطى - مطلوب وبشدة فى المرحلة الحالية، حيث من المهم خفض معدلات الاستهلاك السارية حاليا لأنها مرتفعة للغاية ولا تتلاءم مع ظروف الاقتصاد المصرى سواء فيما يتعلق بالسيارات أو غيرها من السلع الاستهلاكية الاخرى لأن استمرار هذا المستوى المرتفع من الاستهلاك دون أن يقابله انتاج حقيقى ومع زيادة السكان سوف نستمر ندور فى دائرة مغلقة من التضخم وارتفاع الاسعار والتى تحول دون تحسن حياة المواطنين وتحسن الخدمات المقدمة لهم. - توقيت غير مناسب فى مقابل هذه الرؤية تطرح الدكتورة فائقة الرفاعى وكيل محافظ البنك المركزى الاسبق رؤية مغايرة حول قضية اسعار الفائدة بصفة عامة، حيث تشير الي أن التوقيت غير مناسب من جهة وأن رفع الفائدة سوف تكون اضراره أكثر من منافعه من جهة ثانية. وتقول إن اسعار الفائدة تم رفعها بشكل كبير فى السنة الاخيرة وأن رفعها مرة أخرى لم يسفر عن نتائج ايجابية ولن يجدى بل إن مساوىء مثل هذا القرار سوف تكون سريعة الظهور والتأثير السلبي علي الاستثمار رغم حاجتنا اليه، مشيرة الي أنه من المفروض أن نتبنى استراتيجية تسهم فى تكامل وتلاحم الاستثمار الاجنبى المباشر مع الاستثمار المحلي، هذا التلاحم المنشود سوف يتأثر سلبا برفع اسعار الفائدة أى أننا سنجد طلبا منخفضا علي الاستثمار وفى نفس الوقت لن يجدي قرار رفع اسعار الفائدة كثيرا فى مجابهة التضخم، وتؤكد الدكتورة فائقة الرفاعى أنه حتى لو تم خفض الجنيه فلن يجدي رفع الفائدة لاسيما أننا نواجه عمليات مضاربة وتربص بالاقتصاد الوطنى وقد يعطى التعويم الكامل للجنيه هؤلاء المتربصين والمضاربين فرصة ذهبية لضرب الاقتصاد القومى ومن ثم فهى تفضل التعويم المدار. وتشير الي أن رفع سعر الفائدة مع عدم التوصل الي اتفاق نهائى مع صندوق النقد لن يجدى واذا كنا نتعلل بالتضخم فإن للتضخم اسبابا كثيرة وهناك آليات أخرى للتعامل مع هذا التضخم منها السيطرة علي عجز الموازنة وهذه النقطة ربما يكون تأثيرها أكبر من تأثير رفع سعر الفائدة واذا كان الهدف من رفع سعر الفائدة هو اجتذاب المدخرين بالجنيه بدلا من الدولار أى مواجهة عمليات الدولرة التى تجرى الآن، فإن هذا الهدف لن يتحقق بالمستوى المرجو لأن ذلك يعنى رفع سعر الفائدة الي مستويات قياسية لن يتحملها الاقتصاد الكلى وحركة الانتاج بصفة عامة. وتشير وكيل محافظ البنك المركزى السابق الي أن عملية التعويم المدار للجنيه اذا تمت سوف تؤدى الى استقرار سعر العملة المحلية ومن ثم لن نحتاج أن نلجأ الي أداة رفع سعر الفائدة لتشجيع الادخار بالجنيه، لأنه فى هذه الحالة سوف تعود كافة الأمور الي أوضاعها الطبيعية. - أبعاد اجتماعية للدكتور سلطان أبو علي وزير الاقتصاد الاسبق جملة شهيرة حول قضية اسعار الفائدة وهى أن هناك عاطلين بالفوائد ويقصد بهؤلاء الذين يضعون أموالهم فى البنوك للحصول علي عائد آمن مستقر بدلا من استثمار هذه الاموال فى أنشطة إنتاجية و بالتالى يفضل هؤلاء الحصول علي العوائد البنكية دون عمل ومن ثم لايفضل الدكتور سلطان أبو على كثيرا اللجوء لرفع سعر الفائدة. لكن لرفع اسعار الفائدة أبعاد اجتماعية كما يقول الدكتور حسن أبوسعدة الخبير الاقتصادى ورئيس حكومة الوفد الموازية السابق الذى يشير الي أهمية عدم اغفال الابعاد الاجتماعية لهذه القضية الاقتصادية ونقصد بذلك اصحاب المعاشات الذين يعتمدون فى تدبير شئون حياتهم علي عوائد مناسبة علي مدخراتهم بالبنوك والتى تمثل لهم فى هذه المرحلة العمرية أهمية كبيرة. وقال إن مكافحة التضخم تستلزم خطة متكاملة وليس رفع اسعار الفائدة فقط وفى مقدمة هذه الخطة العمل علي مواجهة العجز المتزايد فى الموازنة العامة عبر زيادة موارد الدولة وضبط المنظومة الضريبية ودعم العملية الانتاجية علي حساب الاستهلاك المتزايد.