اليوم| الأهلي يتسلم درع الدوري عقب مواجهة جورماهيا    ألافيس يحسن مركزه في الليجا على حساب إشبيلية    حبس متهم مفصول من الطريقة التيجانية بعد اتهامه بالتحرش بسيدة    رسميا.. رابط الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية ل الصف الثاني الابتدائي    فيلم «السرب» يتصدر الأعلى مشاهدة في مصر بعد طرحه بساعات على «watch it»    مقتل 3 وإصابة العشرات بقصف أوكراني على دونيتسك    فلسطين.. شهيد وعدة إصابات جراء قصف الاحتلال لمنزل في خان يونس    ضبط 12شخصا من بينهم 3 مصابين في مشاجرتين بالبلينا وجهينة بسوهاج    مدحت العدل يوجه رسالة لجماهير الزمالك.. ماذا قال؟    هل يؤثر خفض الفائدة الأمريكية على أسعار الذهب في مصر؟    فصل التيار الكهرباء عن ديرب نجم بالشرقية لأعمال الصيانة    رياضة ½ الليل| مواعيد الإنتركونتينتال.. فوز الزمالك.. تصنيف القطبين.. وإيهاب جلال الغائب الحاضر    النيابة تأمر بإخلاء سبيل خديجة خالد ووالدتها بعد حبس صلاح التيجاني    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    مندوب سوريا يطالب مجلس الأمن بإدانة الهجمات الإسرائيلية على لبنان    درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى بالقاهرة 34    أرباح أكثر.. أدوات جديدة من يوتيوب لصناع المحتوى    عمرو أديب: بعض مشايخ الصوفية غير أسوياء و ليس لهم علاقة بالدين    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    هاني فرحات: جمهور البحرين ذواق للطرب الأصيل.. وأنغام في قمة العطاء الفني    وفاة والدة اللواء محمود توفيق وزير الداخلية    عاجل - رياح وسحب كثيفة تضرب عدة محافظات في العراق وسط تساؤلات حول تأجيل الدراسة    موعد إجازة 6 أكتوبر 2024 للموظفين والمدارس (9 أيام عطلات رسمية الشهر المقبل)    "حزب الله" يستهدف مرتفع أبو دجاج الإسرائيلي بقذائف المدفعية ويدمر دبابة ميركافا    وزير الخارجية: الجهد المصري مع قطر والولايات المتحدة لن يتوقف ونعمل على حقن دماء الفلسطينيين    محامي يكشف مفاجآت في قضية اتهام صلاح التيجاني بالتحرش    صرف فروقات الرواتب للعسكريين 2024 بأمر ملكي احتفاءً باليوم الوطني السعودي 94    مواصفات فورد برونكو سبورت 2025    في احتفالية كبرى.. نادي الفيوم يكرم 150 من المتفوقين الأوائل| صور    عبد المنعم على دكة البدلاء| نيس يحقق فوزا كاسحًا على سانت إيتيان ب8 أهداف نظيفة    مواصفات هاتف Realme P2 Pro الجديد ببطارية كبيرة 5200 مللي أمبير وسعر مميز    ملف يلا كورة.. تأهل الزمالك.. رمز فرعوني بدرع الدوري.. وإنتركونتيننتال في قطر    معسكر مغلق لمنتخب الشاطئية استعدادًا لخوض كأس الأمم الإفريقية    الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تعزى وزير الداخلية فى وفاة والدته    نائب محافظ المركزي المصري يعقد لقاءات مع أكثر من 35 مؤسسة مالية عالمية لاستعراض نجاحات السياسة النقدية.. فيديو وصور    حفل للأطفال الأيتام بقرية طحانوب| الأمهات: أطفالنا ينتظرونه بفارغ الصبر.. ويؤكدون: بهجة لقلوب صغيرة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    وصلت بطعنات نافذة.. إنقاذ مريضة من الموت المحقق بمستشفى جامعة القناة    بدائل متاحة «على أد الإيد»| «ساندوتش المدرسة».. بسعر أقل وفائدة أكثر    ضائقة مادية.. توقعات برج الحمل اليوم 21 سبتمبر 2024    وزير الثقافة بافتتاح ملتقى «أولادنا» لفنون ذوي القدرات الخاصة: سندعم المبدعين    أول ظهور لأحمد سعد وعلياء بسيوني معًا من حفل زفاف نجل بسمة وهبة    إسرائيل تغتال الأبرياء بسلاح التجويع.. مستقبل «مقبض» للقضية الفلسطينية    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على وحدة السودان وسلامته الإقليمية    بعد قرار الفيدرالي الأمريكي.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    راجعين.. أول رد من شوبير على تعاقده مع قناة الأهلي    مستشفى قنا العام تسجل "صفر" فى قوائم انتظار القسطرة القلبية لأول مرة    عمرو أديب يطالب الحكومة بالكشف عن أسباب المرض الغامض في أسوان    حريق يلتهم 4 منازل بساقلتة في سوهاج    انقطاع الكهرباء عن مدينة جمصة 5 ساعات بسبب أعمال صيانه اليوم    تعليم الإسكندرية يشارك في حفل تخرج الدفعة 54 بكلية التربية    تعليم الفيوم ينهي استعداداته لاستقبال رياض أطفال المحافظة.. صور    أخبار × 24 ساعة.. انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    أكثر شيوعًا لدى كبار السن، أسباب وأعراض إعتام عدسة العين    أوقاف الفيوم تفتتح أربعة مساجد اليوم الجمعة بعد الإحلال والتجديد    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    الإفتاء: مشاهدة مقاطع قراءة القرآن الكريم مصحوبة بالموسيقى أو الترويج لها محرم شرعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تدخل الجامعات المصرية المنافسة مع الجامعات الأمريكية والأوروبية

* البحث العلمي الأصيل هو الذي يبحث في موضوعات نابعة من صميم الواقع مهما بلغت هذه المشكلات في نظر البعض من البساطة
* مشكلة مصر أن المسئولين يعهدون بالأبحاث والدراسات إلي شركات أجنبية تتقاضي أموالا خيالية من خزينة الدولة, وتفوح منها رائحة الصفقات والسمسرة
* قامت سنغافورة باختصار مناهجها التعليمية بنسبة30% من أجل السماح بإدخال قدر معين من المهارات العقلية والروح الابتكارية والإبداعية في المناهج
* ضرورة الاندماج في تكتلات اقتصادية كمجوعة البريكس. وكذلك الاستفادة من مجموعة' تي9' حيث مصر عضو فيها بجانب كل من بنجلاديش والبرازيل والصين والهند وإندونيسيا والمكسيك ونيجيريا وباكستان من خلال استغلال فرص التعاون الدولي, التي تجسدت في ممارسة التعليم المتبادل في إطار تلك المجموعة
-------
بات واضحا أن نجاح أي دولة اقتصاديا يعتمد علي التعليم والمهارات وصحة السكان. فعندما يكون شبابها أصحاء وحاصلين علي تعليم جيد, يصبح بوسعهم الالتحاق بوظائف مجزية, واكتساب حياة كريمة, والنجاح في التأقلم مع تقلبات سوق العمل العالمية. فضلا عن ذلك فإن الشركات تزيد من استثماراتها عندما تكون علي يقين من أن العاملين لديها منتجون. ورغم هذا فإن العديد من المجتمعات في مختلف أنحاء العالم لا تتصدي للتحدي المتمثل في ضمان الصحة الأساسية والتعليم اللائق لكل جيل من الأبناء. ومنذ أن كشف الاقتصاديون عن مدي مساهمة الجامعات في النمو الاقتصادي, أبدي السياسيون المزيد من الاهتمام بالتعليم العالي ولكن الذي حصل انه في الغالب كان لديهم تصور خاطئ عن دور الجامعات مما أدي الي تقويض سياساتهم, لقد ركز المسئولون عن التعليم في مصر مرارا وتكرارا علي زيادة نسبة المصريين الشباب الحاصلين علي شهادات جامعية وهذا بالطبع هدف مفيد يمكن ان يساهم في الازدهار الوطني ويساعد الشباب علي تحقيق الحلم المصري في التنمية, ولكن الاقتصاديين الذين درسوا العلاقة بين التعليم والنمو الاقتصادي يؤكدون ما يوحي به المنطق وهو أن عدد الشهادات الجامعية ليس بأهمية كيفية تمكن الطلاب من تطوير مهارات معرفية مثل التفكير النقدي والقدرة علي حل المشكلات. فالجامعات المصرية, في مجموعها, تواجه إخفاقا واضحا في توفير الطاقة الفكرية والإبداعية المطلوبة من أجل تحسين الأداء الاقتصادي الضعيف. لكن الخطورة تبدو أكثر وضوحا مع تنامي خطر الصراع الديني الدي يحل محل الصراعات الإيديولوجية التي شهدها القرن الماضي وبأشكال لا تقل تدميرا. وهذا هو السبب الذي يجعلنا في احتياج إلي التفكير في التعليم باعتباره قضية أمنية.
إن بداية رسم الخريطة العلمية والتكنولوجية يبدأ بالوقوف علي حال الجامعات والصناعة المصرية. فحال الجامعات المصرية خلال العقود الستة الماضية لا يسر أحدا لأنها لم تكن مجالا للبحث العلمي قط. فقد انهمكت بعد حصولنا علي الاستقلال في تكوين الأطر من أطباء وحقوقيين ومدرسين ورجال إدارة; ليحلوا محل الأطر الاستعمارية, واستمرت هذه الوضعية ردحا من الزمن, ثم دخلنا بعد ذلك فيما يسمي بالتقويم الهيكلي الاقتصادي الذي أملاه علينا صندوق النقد الدولي, فقلت الاعتمادات المالية والنفقات الاستثمارية في التعليم وفي سائر القطاعات. فبدأت ظاهرة بطالة الخريجين التي مازلنا نعاني منها. كما أن جامعاتنا لا تقر سياسات للبحث العلمي, ولا تحدد أهدافا إستراتيجية علي المدي القصير ولا علي المدي الطويل ولا المتوسط, ولا تضم البرامج السنوية للجامعات برامج بحوث بالمفهوم العالمي إلا نادرا, وغالبا ما تكون مشروعات البحوث المنجزة من تلقاء مبادرة فردية أو مجموعات بحث صغيرة.
إن التعليم العالي اليوم يجد نفسه في حالة من عدم اليقين العميق. فماذا ينبغي أن يكون التركيز الأساسي للجامعات المصرية الآن البحوث, أم التدريب المهني, أم الإدماج الاجتماعي؟ وهل ينبغي للحكومات أن تستثمر المزيد في التعليم العالي من أجل تعزيز النمو الاقتصادي الطويل الأمد؟ وهل ينبغي للجامعات أن تترك لحالها لتتنافس علي البقاء أو لمواكبة سوق التعليم العالمية؟
من الواضح أن وجهات النظر هذه تولد عواقب بالغة الاختلاف تؤثر علي مستقبل الجامعات. تقليديا, كانت الجامعات تتولي البحث وتوفير التعليم المهني, وتعرض علي الشباب في البلاد أساسا ثقافيا يدخلون به المجتمع الواقعي. واليوم يبدو أن كل هذه الأهداف لم تعد مؤمنة. والواقع أن الخطر الأعظم الذي يهدد الجامعات المصرية يتلخص في الفترة المطولة من الارتباك والحيرة حول أهدافها النهائية. ولكن ليس كل الجامعات المصرية تعتبر نفسها مؤسسات بحثية في الأساس. فالعديد منها تفضل التركيز علي إعداد طلابها لعالم العمل. ورغم هذا فإن المهارات المطلوبة الآن خارج الأوساط الأكاديمية تتغير بسرعة كبيرة حتي إن الجامعات قد تجد صعوبة كبيرة في إقران المهارات المعرفية العامة التي تدرس في حجرات الدرس مثل التفكير الانتقادي والتحليلي وحل المشاكل والكتابة بالخبرات المهنية المطلوبة علي نحو متزايد في سوق العمل. وإذا لم تترجم سنوات الدراسة إلي مهارات معرفية أكبر فإن هذا يعني انهيار الكثير من المبررات الاقتصادية للاستثمار في التعليم العالي.
وأدركت الحكومات المتعاقبة أن وظيفتها الرئيسية تتركز في تحقيق الرخاء الاقتصادي, فتنظر إلي التعليم باعتباره أداة ضرورية ويعول عليها من أجل بلوغ هذه الغاية. ولكن هل التعليم حقا كذلك؟ لقد قيل لنا إن الدولة في' اقتصاد المعرفة' تحتاج دوما إلي الخريجين والمؤهلات الرسمية لكي تتمكن من الإبقاء علي قدرتها التنافسية. لكن التعليم ببساطة لا يوفر النمو الاقتصادي علي النحو الذي يتصوره أهل السياسة ورجال الأعمال: فإن إدخال المزيد من التعليم لا يعني الخروج بالمزيد من النمو. بل الأسوأ من هذا أن السياسات التعليمية الناشئة عن المعتقدات الحالية لها عواقب سلبية خطيرة علي حجم الفرص المتاحة أمام الشباب وعلي جودة التعليم ذاته.
ولكن مع كل ذلك, فهل يشكل هذا أي أهمية؟ من المؤكد أن للتعليم فضائل أخري علاوة علي دوره الاقتصادي. إذا فلربما كان علينا أن نكف عن توجيه الانتقادات وأن نشرع في امتداح حماس الحكومات المتعاقبة نحو المزيد من الإنفاق علي التعليم. لكننا بهذا نتجاهل الجانب المظلم غير المنظور من العملية التعليمية لدينا. وذلك حيث إننا بإنشاء المزيد من وظائف الخريجين نثبت فقط أن شيوع المؤهلات الوظيفية يجعلها أكثر أهمية. وعلاوة علي هذا, ففي الماضي كان بوسع من يترك المدرسة, دون اكتساب المؤهلات الملائمة, أن يحرز النجاح باكتساب الخبرة من خلال الممارسة العملية, أو من خلال التدرج في العمل من الصفر. أما اليوم فقد صار هذا مستحيلا. فمع شيوع التعليم الجامعي, أصبح عدد أقل من الشباب القادرين يلتحقون بالتدريب المهني. لكن اقتصادنا مازال في حاجة ماسة إلي العمالة الحرفية الماهرة أكثر من احتياجه إلي دفعة أخري من خريجي الآداب. بالإضافة إلي هذا, فإن التوسع السريع في التعليم الجامعي كثيرا ما يأتي علي حساب الجودة التعليمية. فالتعليم مكلف لأنه يستخدم القدرات البشرية. ولقد ظلت الرواتب النسبية للمدرسين تنخفض مع تزايد أعدادهم الكلية, الأمر الذي يؤثر علي جودة المدرس. كما أصبحت قاعات المحاضرات في الجامعة أكبر حجما وأكثر استيعابا للطلاب, مما أدي إلي تناقص كفاءة التعليم الذي يتلقاه الطلاب. وعلاوة علي هذا فقد بات من الصعب الحفاظ علي جودة البحوث العلمية علي المستوي الجامعي بسبب استهلاك الميزانية المخصصة للتعليم علي المطالب التي تمليها جوانب أخري من العملية التعليمية.
وتركزت الأبحاث العلمية في مشكلات بعيدة عن واقعنا, كأن يبحث مثلا في موضوعات مأخوذة من مشكلات تعاني منها دول أو صناعات أخري, ولا تمت إلي احتياجاتنا الوطنية بصلة, بالإضافة إلي أن موضوعات البحث العلمي في بلادنا تختلف عن تلك في الدول المتقدمة من حيث الموضوع والهدف. فموضوعات البحث العلمي في الدول المتقدمة تدور حول موضوعات تطوير تقانات متقدمة, لكن في حالتنا تعاني من مشكلات أخري, تتعلق بأسلوب التعامل مع التقانات المستوردة, أو تكييف هذه التقانات وفقا للظروف المحلية أو تطويرها بأساليب تراعي إمكاناتنا واحتياجاتنا. ومن ثم كان هذا تبذيرا في العلم وتوجها خاطئا. فالبحث العلمي الأصيل هو الذي يبحث في موضوعات نابعة من صميم الواقع مهما بلغت هذه المشكلات- في نظر البعض من البساطة. من جهة أخري كانت علاقة الجامعة بدورة الإنتاج الاقتصادي شبه معدومة, فالأبحاث المفترضة الصادرة عن الجامعة التي تريدها المؤسسات الصناعية والإنتاجية وتقدم التمويل اللازم لها كانت ضعيفة. وبدلا من تكليف المسئولين في المواقع المختلفة الجامعة بالقيام بالدراسات اللازمة للمشروعات الكبري في بلادنا- وهي أهل كفاءة لذلك- نراهم يعهدون بهذه الأبحاث والدراسات إلي شركات أجنبية تتقاضي أموالا خيالية من خزينة الدولة, وتفوح منها رائحة الصفقات والسمسرة علي نحو يثير الريبة.
لا أريد بهذا أن أقول إن العلماء لابد أن يهيمنوا علي عملية اتخاذ القرار في الحكومة. إذ إنها مهمة الساسة وليس العلماء أن يحسبوا التكاليف والفوائد النسبية المترتبة علي الاختيارات المتاحة أمامهم, ووزن هذه الخيارات علي النحو الذي يرونه مناسبا في التوصل إلي النتائج المرجوة. إلا أن العديد من القرارات السياسية سوف تكون سيئة إن لم تعتمد علي مدخلات علمية فعالة.
لذلك فإن الدور الذي يمكن أن تؤديه الجامعات بتعاونها مع المؤسسات الصناعية يمكن أن يمثل وفرا اقتصاديا لتلك المؤسسات, بتقديم الحلول المثلي للمشكلات المعروضة, كما يمثل من جهة أخري تطويرا نوعيا لهذه الجامعات في تطوير خططها التعليمية والبحوث الجارية فيها, وربطا للجامعة بالمجتمع بكل إيجابياته. ومن ثم يجب تأكيد ضرورة توظيف البحث العلمي الجامعي لخدمة قطاعات التنمية متمثلة هنا القطاع الصناعي ومؤسساته من خلال تعميق التعاون بينهم, هذا التعاون تفرضه الحاجة الملحة والضرورة الاقتصادية. وأنه الطريق الوحيد الصحيح للتطور السليم والسريع, الذي بواسطته نتفادي الأخطاء ونتخطي العثرات ونعالج المشكلات, ونتخلص من استغلال الشركات الأجنبية, بل وقد نمنع ما يشبه الكوارث.
والحروب الاقتصادية الآن تقوم رحاها علي البحث العلمي, فهي حروب اقتصادية في الظاهر وعلمية في الباطن. ولذلك, فإن الدول الأوروبية والأمريكية والآسيوية لا تتردد في خوض حروب اقتصادية ضروس من أجل احتلال مواقع أو تثبيت قدم في منطقة هي في نظرهم مجرد سوق من الأسواق التي يتوجب غزوها بأي شكل من الأشكال. واستعدادا لهذه المنافسة/ الحرب الشرسة, أخذت أوروبا النموذج الأمريكي بالجمع بين البحث العلمي والتجديد أو الاختراع, الصناعي وتعزيز العلاقة بين مراكز البحث والصناعة. وليس غريبا في هذا الإطار أن تخرج المظاهرات تطالب ب'إنقاذ البحث', ففي فرنسا, مثلا, تطرح مسألة التفاعل بين البحث العلمي غير الهادف ومصالح البلد الإستراتيجية في هذه الحرب. من ثم نجد أن البحث الأكاديمي الصرف دخل في متاهات السياسة, وأصبحت كل دولة تريد توجيه مؤسسات الأبحاث فيها في قنوات مصالحها العامة التي تهدف من ورائها إلي تقوية أو تكريس نفوذها. ومن هنا نفهم المعارك الاقتصادية( بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية) التي ترمي إلي فرض مزيد من الحماية علي المنتجات سواء كانت مادية أو فكرية, إن طابع صنع في.. لابد أن يفرض نفسه بقوة الإنتاج وكذا بجودته وتفوقه علي سائر المنتجات الأخري في بلاد أخري.
ومن ثم يطرح الواقع الحالي سؤالا عما يجب فعله للنهوض بجامعاتنا ونجعلها تلحق بركب الجامعات المتقدمة وباحتلال موقع متقدم في الاقتصادات المتقدمة؟ ومن خلال البحث في مسيرة تقدم الدول الكبري وجدنا أنها تنحصر في أربعة عوامل حاسمة يجب أن نضعها في اعتبارنا لكي نضمن التواجد بين الدول المتقدمة ذات الاقتصادات القائمة علي العلم والمعرفة, وهذه العوامل هي إيجاد بيئة مشجعة لروح الإبداع والابتكار, محاربة الأمية, تكوين أسس قوية للعلم والتكنولوجيا, والمقدرة علي نشر المعرفة. فيجب أن يكون هناك وقت كاف لتفجير الطاقات الإبداعية لدي الشباب, وهدا يتم عبر آليات كثيرة, فالعملية التعليمية بوجه عام تشتهر بتدريس الأساسيات في كل العلوم, ولكن الشيء الذي ينبغي فعله والتركيز عليه في الفترة المقبلة هو السماح بقدر أكبر من الروح الإبداعية في عمليات التدريس من خلال إعادة النظر في المناهج التعليمية وكيفية تقليصها لإعطاء الفرص لإطلاق الروح الإبداعية هكذا فعلت معظم دول العالم المتقدم في محاولتها اللحاق بركب الدول المتقدمة. فقامت سنغافورة مثلا باختصار مناهجها التعليمية بنسبة10 إلي30% من أجل السماح بإدخال قدر معين من المهارات العقلية والروح الابتكارية والإبداعية في المناهج وطرق وضع الاختبارات. فمثلما هو الوضع في كوريا وتايوان, ستقوم سنغافورة بوضع نظام جديد للالتحاق بالتعليم الجامعي, لا يعتمد علي نتائج الاختبارات في المدارس فقط ولكن يعتمد أيضا علي اختبارات معينة لقياس القدرات العقلية, ومدي امتلاك مهارات معينة تناسب الكلية المراد الالتحاق بها.
فهل آن الأوان بأن نسير علي هدي المنهج الأمريكي في التعليم الجامعي؟ حيث توجد هيئة يطلق عليها هيئة الأكاديميات الوطنية, تخدم حكومة الولايات المتحدة, التي تقوم علي ثلاث منظمات تطوعية تتألف من مجموعة من أبرز العلماء والمهندسين والعاملين في مجال الصحة( الأكاديمية الوطنية للعلوم, والأكاديمية الوطنية للهندسة, ومعهد الطب, علي التوالي). وتصدر هذه المنظمة غير الحكومية المستقلة ما يزيد علي مائتي تقرير سنويا, أغلبها للرد علي طلبات محددة من جانب حكومة الولايات المتحدة. وبدلا من إعادة اختراع العجلة, وعقد المؤتمرات والندوات للبحث في رفع أداء الجامعات والعملية التعليمية برمتها وكيفية معالجة المشكلات التي يواجهها أي مجتمع يمكن الاستعانة بتقارير الهيئات العلمية الغربية المحترمة في هذا الصدد. تعد الهيئة التي تتألف من مائة أكاديمية علمية, من بين أهم الجهات المتعاملة مع تقارير المجلس بين الأكاديمي. وتتحمل كل من هذه الأكاديميات مسئولية خاصة تتلخص في نشر توصيات هذه التقارير في الدولة التي تنتمي إليها, وهذا من شأنه أن يعزز بصورة واضحة من فاعلية هذه الأكاديمية في التأثير في السياسات الوطنية. ويشكل هذا التعاون الوثيق تجربة جديدة علي قدر عظيم من الأهمية في تقديم المشورة العلمية الدولية وهي التجربة التي بدأت للتو في إظهار مدي فاعليتها في نشر فوائد العلم والتكنولوجيا علي النحو الذي يحقق المنفعة لكل البشر.. ويستطيع أي شخص من أي دولة أن يطلع علي النص الكامل لحوالي ثلاثة آلاف تقرير صادر عن هيئة الأكاديميات بزيارة الموقع الإلكتروني التالي:www.nap.edu. وهذا يعني أن هذا التقرير الصادر في الولايات المتحدة من الممكن أن يساعد الناس في مختلف أنحاء العالم. كما قدم التقرير دليلا إرشاديا تفصيليا للحكومات والمنظمات الدولية حول كيفية بناء القدرات المؤسسية اللازمة للعلوم والتكنولوجيا في كل من الدول النامية والدول الصناعية. ويقدم آخر تقرير صادر عن المجلس تحت عنوان' إنارة الطريق: نحو مستقبل طاقة مستدام', أجندة طموحة قائمة علي العلم للوفاء بمتطلبات الطاقة علي مستوي العالم, وهي المسألة التي تشكل تحديا هائلا للعالم أجمع. علينا أن ننهج نهج المتقدمين من خلال تعميق علاقات التعاون مع الدول المتقدمة, فهناك علاقات التعاون والشراكة ممتدة ومنتشرة بين البحث الأكاديمي والمصالح الخاصة, وكما في أمريكا وأوروبا, فإن توثيق هذه العلاقات بين الطرفين أصبح ضرورة, إن لم نقل واجبا, في هذا العصر وأن ننهج نهج الدول المتقدمة في إنشاء هيئات متخصصة لمراجعة البحوث التي تهم الدولة لتوفير التمويل اللازم لها كما تضمن عدم تكرار البحوث المتشابهة مثل هيئة المراجعة النزيهة في الولايات المتحدة التي نجحت في استخدام المراجعة النزيهة في تقييم المقترحات وتخصيص الدعم المالي للبحث العلمي. وتلك هي المشكلة الكبري التي تواجه الدول النامية في اختيار الأبحاث التي يتم تمويلها, فالدول الأصغر حجما تواجه المصاعب في ضمان بقاء اسم الباحث مجهولا: حيث قد يكون عدد العلماء المؤهلين في مجال علمي ما ضئيلا إلي حد يستطيع معه الباحثون بسهولة أن يخمنوا من سيتولي مراجعة أي المقترحات, كما قد تلجأ الشخصيات ذات النفوذ إلي الانتقام إذا جاءت نتائج تقييم أبحاثها غير الواعدة سلبية. لكن الحال مختلف مع الدول الكبري إد دخل البحث الأكاديمي الصرف في متاهات السياسة, وأصبحت كل دولة تريد توجيه مؤسسات الأبحاث فيها في قنوات مصالحها العامة التي تهدف من ورائها إلي تقوية أو تكريس نفوذها. ومن هنا نفهم المعارك الاقتصادية بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية التي ترمي إلي فرض مزيد من الحماية علي المنتجات سواء كانت مادية أو فكرية.
وإذا كان لمصر أن تنجح وتمضي قدما نحو الازدهار, فهي في حاجة ماسة إلي إصلاح نظامها التعليمي. ذلك أن النمو الاقتصادي المستدام, الذي من شأنه أن يؤدي إلي تقليص الفقر والتفاوت, ليس من الممكن أن يتحقق إلا علي يد قوة عاملة ماهرة وقادرة علي الإبداع.
علينا أن ننهج نهج الدول التي تريد تحقيق التقدم من خلال الاندماج في تكتلات اقتصادية كمجوعة البريكس التي تشكلت من الهند والبرازيل والصين وروسيا وجنوب إفريقيا. وكذلك محاولة الاستفادة من مجموعة' تي9' حيث مصر عضو فيها بجانب كل من بنجلاديش والبرازيل والصين والهند وإندونيسيا والمكسيك ونيجيريا وباكستان من خلال استغلال فرص التعاون الدولي, التي تجسدت في ممارسة التعليم المتبادل في إطار تلك المجموعة.
وهناك أسباب كثيرة لتعزيز البحث والتطوير والنشاط الابتكاري: أولا: بالنظر الي أن الموارد الحكومية لتمويل معاهد البحث والتطوير في البلدان النامية والبلدان التي تمر بمرحلة انتقال هي موارد محدودة ولا تتسم بالمرونة, سيتعين علي مؤسسات الأعمال بالضرورة أن تمارس دورا متزايدا في رفع مستويات الإنفاق الحالية علي البحث والتطوير, ثانيا: إن قيام مؤسسات الأعمال نفسها بأعمال البحث والتطوير من شأنه أن يزيد من ترجيح استجابة البحث والتطوير لاحتياجاتها كما تحددها السوق وفضلا عن ذلك فإن التقابل بين البحث والتطوير والنشاط الإنتاجي يتطلب قدرات داخل الموقع, مما يمكن مؤسسات الأعمال من الاستجابة بسرعة لأحوال الطلب المتغيرة. والحاجة الي تشجيع أنشطة البحث والتطوير في قطاع مؤسسات الأعمال من خلال استخدام تدابير عامة ومحددة في مجال السياسة العامة. وتشمل التدابير العامة: الحوافز الضريبية والائتمانية, والرسوم, والإعانات مثل القروض, والخدمات أو المدخلات المعانة في مجال البحث والتطوير, ومنح إعفاءات من الرسوم الجمركية للمعدات المستوردة وسائر المدخلات المستخدمة في نشاط البحث والتطوير, والمعاملة التفضيلية لمؤسسات الأعمال المحلية في منح العقود والحصول علي إعفاءات تعريفية. كما يمكن للحكومات أن تؤدي دورا حفازا بتوفير زمالات البحث للموظفين العلميين والهندسيين في الصناعات وتوفير سائر الفرص البحثية للموظفين العلميين, كالدراسة والعمل في الخارج. أما التدابير الانتقائية لتشجيع البحث والتطوير القائمين علي مؤسسات الأعمال فتشمل توجيه أهداف صناعات محددة, بل شركات داخل الصناعات, تود الحكومة تشجيعها. ويمكن أن تشمل هذه التدابير, أنواعا أخري من المعاملة التفضيلية لشركات أو صناعات بعينها تحمل إمكانات النمو الطويل الأجل. ومع ذلك, فلكي تطبق هذه التدابير بفاعلية, ستكون هناك حاجة إلي نظام تقييم مستمر للسياسة العامة. ومن مزايا التدابير الانتقائية تركيز الموارد علي تلك الصناعات التي يتبين أنها تبشر كثيرا بإمكانات النمو والقدرة علي البقاء والقدرة علي المنافسة. وتتصل عيوبها بتكاليف وأوجه القصور الناجمة عن نقص المعرفة والكفاءة الإدارية اللازمين لاتخاذ قرارات سليمة. إن الاعتراف بأن البحث العلمي يشكل عنصرا أصليا في تكوين الثروة, لأنه يجلب زيادة في إنتاجية العمل ورأس المال مما يؤدي في الوقت نفسه الي تنوع السلع والخدمات المتاحة ذات النوعية العالية بالتالي يجب أن يعامل البحث العلمي علي انه نشاط ذو أهمية بالغة في تكوين الثروة القومية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.