"المصنعون يريدون أسعار الطاقة بالمجان، ومع ذلك يبيعون المنتج للمستهلك بأغلى من السعر العالمي"، هو تعليق نخبة من خبراء مواد البناء والمصنعين والمستوردين بمصر، بشأن استغلال مصنعي الحديد والأسمنت إعلان الحكومة لأسعار الطاقة الجديدة وافتعالهم أزمة لأجل رفع سعر المنتج على المستهلك، وهو ما اعتبروه تعدي غير مقبول على المستهلك، مؤكدين أن الزيادة في أسعار الطاقة تتراوح بين 55 إلى 60 جنيهًا على طن الحديد، وهي نسبة لا تذكر مقارنة بهامش الربح الكبير الذي يتعدى الألف جنيه في طن الحديد ببعض الأوقات، وبالنسبة لمصانع الأسمنت فأسعار الطاقة لن تؤثر فيها بشكل كبير؛ لأن 90% منها أصبح يعمل بالفحم. خالد البوريني، أحد أكبر مستوردى الحديد وأول من أدخل الحديد التركى إلى السوق، عرض علينا خطة أسعار الحديد مقارنة بسعر خام البليت، وحجم هامش ربح المصنع، قائلاً: القيمة الفعلية لطن الحديد هي 5500 جنيهًا مقسمة إلى (320 دولار أي ما يعادل "4080" سعر خام البليت، 600 جنيه مصروفات جمركية، 800 جنيه تكاليف إنتاج)، ويباع طن الحديد على أرض المصنع بسعر 5800 جنيه، أي يحقق المصنع هامش ربح صافي 300 جنيه، وفي المقابل يباع الحديد المستورد بسعر 5600 جنيهًا سواء كان التركي أو الأوكراني، رغم فرض رسوم حماية عليه بنسبة 8% أي ما يعادل 300 جنيه على الطن، ورغم أيضًا ارتفاع قيمة أسعار الطاقة في بلد التصنيع بما يتراوح بين 35 إلى 45% مقارنة بمصر، ومع ذلك يباع الحديد المستورد أرخص من مصر، ولو حذفت رسوم الحماية من عليه أصبح سعره 5300 جنيهًا فقط بأقل 600 جنيهاً عن الحديد المصري. وأضاف البوريني، أن الحكومة لا تدعم المستهلك بقدر ما تدعم المصنعين، فحاليًا السوق يعاني أزمة نقص الدولار، وبالتالي توقفت حركة الاستيراد، رغم أن الحديد المستورد كان العنصر الأساسي لضبط الأسعار بالسوق، وفي المقابل البنوك توفر الدولار للمصانع لشراء خام البليت، فيحصلون على طن البليت بسعر 2880 جنيهًا فقط، ليصبح سعر طن الحديد بعد إضافة أسعار جميع مدخلات الإنتاج هو 4280 جنيهًا فقط، ليباع بسعر 4600 جنيه هي القيمة العادلة لسعر طن الحديد الآن. وتعجب البوريني قائلًا: إذا كانت شركات الحديد تخسر، فلماذا تنفق من 50 إلى 100 مليون جنيه على الدعاية الإعلانية سنويًا؟، مطالبًا بضرورة تدخل الجيش لضبط حركة أسعار الحديد مثلما فعل مع شركات الأسمنت وتعاقد مؤخرًا مع 6 شركات صينية لإنتاج الأسمنت، علمًا بأن السوق يحتاج سنويًا 6 ملايين طن حديد على أقل تقدير. "كانوا يحصلون على الطاقة مدعمة، ولا توجد أزمة دولار، ومع ذلك في عام 2008 باعوا طن الحديد بعشرة آلاف جنيه، والأسمنت وصل سعره ل 800 جنيهًا للطن"، بهذه العبارة أكد أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء باتحاد الغرف التجارية، أن المصنعين في مصر يستغلون الأسعار الجديدة للطاقة كورقة ضغط على الحكومة؛ لأجل زيادة الأسعار، رغم أن الزيادة تقدر ب 55 جنيهًا على كل طن حديد، ليصبح إجمالي تكلفة الطاقة على الطن 250 جنيهًا فقط، علمًا بأنهم استغلوا نقص الدولار وزودوا أسعار الحديد 600 جنيه، وحتى الآن لم تعود الأسعار لطبيعتها رغم بوادر انقضاء الأزمة. وقال الزيني، أنه طالب المهندس إبراهيم محلب، عندما كان رئيسًا للوزراء، بضرورة رفع الدعم كليًا عن المصانع كثيفة الإنتاج؛ لأنهم يحصلون على دعم كبير ومع ذلك يبيعون المنتج أغلى من السعر العالمي، فنحن نبيع طن الحديد المحلي بزيادة في الأسعار عن المستورد تقدر ب 50%، وكذلك في الأسمنت سعره العالمي من 40 إلى 50 دولار للطن، ولكن في مصر يباع بسعر يتراوح بين 600 إلى 620 جنيه للطن، رغم أن لدينا فائض من الأسمنت بعدما تمكن الجيش من دخول المجال بمصنعه في العريش الذي ينتج حاليًا 3.5 مليون طن مستهدفًا زيادة الإنتاج إلى 7 ملايين طن خلال العام المقبل، وينوي حاليًا افتتاح مصنع جديد في بني سويف. وعن انضباط أسعار الأسمنت، أرجع الزيني ذلك إلى ارتفاع عدد المصانع من 12 إلى 22 مصنعًا، خصوصًا بعد اتفاق الجيش مع 6 شركات صينية للاستثمار في السوق المصري، بجانب مصنعي الجيش في العريس وبني سويف، وكذلك تحويل 90% من طاقة مصانع الأسمنت إلى الفحم بدلاً من المازوت والغاز والسولار. وأشار الزيني، إلى دراسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إنشاء مصنع للحديد ينتج نحو 2 ملايين طن سنويًا، لخدمة المشروعات الجديدة، ولكن لم يتم اتخاذ قرار البدء حتى الآن، علمًا بأن الاحتياج الفعلي للمشروعات القومية من الحديد هو 4 ملايين طن سنويًا، لذلك قرر السيسي أن ينتج الجيش 2 مليون طن، ويوفر القطاع الخاص ل 2 مليون طن الآخرين. ودعا الزيني إلى ضرورة الاستفادة من مصنع الحديد والصلب في حلوان، والعمالة التي به وتتجاوز 17 ألف عامل، تنفق مصر عليهم 100 مليون جنيه سنويًا، رغم توقف جميع خطوط إنتاجه، مطالبًا الدولة بضرورة التدخل والاستفادة من امكانياتها المتاحة. وعن حجم إنتاج مصر من الأسمنت سنويًا، قال الزيني إننا نحتاج 60 مليون طن سنويًا، ولكن ما ننتجه هو 58 مليون طن فقط، وفي عام 2017/2018 يصل احتياجنا من الأسمنت إلى 75 مليون طن سنويًا. وفيما يتعلق بالحديد، يحتاج السوق المصري، 11 ملايين طن سنويًا، ولكن المصانع تنتج 7 ملايين فقط، رغم ادعائها المستمر بقدرتها على توفير 10 ملايين طن سنويًا، مطالبًا الدولة بضرورة إتاحة رخص الحديد للمستثمرين بواقع 10 رخص على الأقل، مشيرًا إلى دولة تركيا التي تصدر نحو 28 مليون طن حديد سنويًا، رغم عدم امتلاكها خام الحديد من الأساس. ودعا الزيني إلى ضرورة توفير حافز للمستثمرين الجدد، يتمثل في منح الأرض بنظام حق الانتفاع وبسعر رمزي، وكذلك منح مميزات ضريبية لمن أثبت جديته وبدأ في الإنتاج، ومميزات أكبر لمن بدأ في التصدير. وشدد الزيني على ضرورة تشديد الرقابة على مصانع الدولة، لافتاً إلى سعي الشركة الألمانية والإيطالية لتدمير مصنع أسمنت طرة، الذي تستحوذ الدولة على نسبة 45% منه، لتشريد العمال وبيع الأرض، مؤكدًا أن إدارة المصنع تتعمد إظهار الميزانيات خاسرة لتتمكن من بيع أرض المصنع، وهو نفس الحال مع مصنع الحديد والصلب بحلوان، الذي يعاني التوقف التام بدون أي أسباب منطقية. ومن جانبه أكد صلاح أبو بكر، رئيس رابطة مصانع الطوب، أن جميع المصانع تعاني الخسارة وأغلبها غير النشاط، كما لجأ عدد من أصحاب المصانع إلي إغلاقها وإيقاف الانتاج، اعتراضًا علي ارتفاع الاسعار وبشكل مفاجئ. وتابع أبو بكر إنه بعد ارتفاع سعر المازوت والغاز، قام أصحاب المصانع برفع سعر الطوب من 190 جنيهًا إلي 240 جنيهًا للألف طوبة، موضحًا أن ارتفاع أسعار المازوت والغاز، أثر بالسلب على السوق، حيث أدى إلى ركود في حالة البيع والشراء، الأمر ينذر بكارثة حال تسريح العمال. ولفت أبو بكر، إلي ارتفاع الأسعار بعد القرار الجديد، رغم أن الألف طوبة تباع بنحو 300 جنيه، وهناك مصانع تعمل بالأساس حتى لا يتم تسريح عمالها ولكن في النهاية "الموضوع مش جايب همه"، علي حد تعبيره.