واضح أن بعض وزراء الحكومة الحالية لايعرفون المثل الشعبي اللي بيقول:' اللي يحتاجه البيت يحرم علي الجامع'.. ومعناه أن هناك ضرورات في حياة الانسان يجب أن يراعيها وأن تكون لها أولوية عما عداها..! فالعديد من الوزراء غرقوا حتي أذنيهم في الملف السياسي; وتركوا هموم الاقتصاد ومشاكل الاقتصاد; وكأنهم غير معنيين بها; علي اعتبار أن هناك وزراء آخرين من دول أخري سيحلون مشاكلنا نيابة عنا, أو أن الدولة تعاقدت علي استيراد' شحنة' وزراء من الصين, علي غرار فوانيس رمضان بتنور وتطفي وتغمض وتفتح, لحل مشاكل الاقتصاد المتلتلة والهم اللي ما يتلم..! وقد سمعت ورأيت بعيناي, اللي ها ياكلهم الدود, أحد الوزراء البارزين في حكومة الدكتور الببلاوي وهو يقول مستنكرا لأحد المذيعين في حوار معه علي إحدي الفضائيات: هي الناس فاهمة إن الحكومة لازم تحل كل حاجة..دا مستحيل..!! وقال بانفعال كلاما كثيرا فهمت منه أنه, أي الوزير, يستنكر أن يضع الشعب كل هذه الآمال الطويلة العريضة علي الحكومة; لإنها حكومة في مهمة محددة بتوقيت; يعني حكومة مؤقتة..!! والمصيبة السودا أن هذا الوزير بالذات مسئول عن أخطر ملف اقتصادي اجتماعي يتعلق بمصائر عشرات الملايين من أبناء الشعب, ولاأبالغ إن قلت بل انه يهم الشعب كله..! أما النموذج الابرز لانشغال الوزراء بالملف السياسي علي حساب الملف الاقتصادي فهو نموذج الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية; والذي كنا نعلق عليه آمالا كبيرة في أن يعمل علي تخفيف وطأة الاوضاع الاقتصاديةالراهنة المتردية; لكنه للأسف ترك الاقتصاد وبهرته أضواء السياسة فانجذب اليها..!! وأنا شخصيا كانت صدمتي في بهاء الدين كبيرة.. فقد تفاءلت خيرا عندما اختاروه نائبا لرئيس الوزراء للشئون الاقتصادية; لإنه كان صاحب تجربة رائدة في تنشيط الاستثمارات عندما كان رئيسا لهيئة الاستثمار, خاصة في الصعيد, حيث اتخذ العديد من القرارات والاجراءات للتيسير علي المستثمرين..واستحدث نظام الشباك الواحد..كما افتتح مكاتب للاستثمار لأول مرة في بعض محافظات الصعيد; وكان يتابع بصورة دورية أحوال الاستثمار والمستثمرين في هذه المحافظات, خاصة محافظة أسيوطمسقط رأسه..! وقد كنت أتوقع أن يواصل بهاء الدين تجربته ويتوسع فيها, بعد أن أصبح الآمر الناهي في القطاع الاقتصادي; لكن للأسف فوجئت, كما فوجيء الشعب كله بتراجع اداء بهاء الدين, واهتمامه بالملف السياسي علي حساب الملف الاقتصادي.. وبدلا من أن يهتم بالمصالحة بين الحكومة وبين المستثمرين ورجال الاعمال وجدناه يهتم بالمصالحة مع جماعة الاخوان المسلمين; الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء..! وبدلا من أن يهتم باستكمال البنية التشريعية اللازمة لتوفير المزيد من الضمانات للمستثمرين و اغرائهم بالمزيد من حوافز الاستثمار..وجدناه بدلا من ذلك يهتم بقانون التظاهر, وضمانات المتظاهرين..!! وبدلا من أن يعقد بهاء الدين اجتماعات مكثفة لبحث سبل إعادة المصانع المغلقة, وحل مشاكل المستثمرين المتعثرين.. وجدنا أن أهم أزمة تؤرق المجموعة الاقتصادية في الحكومة الحالية هي أزمة صناعة السينما..!! ولايعني هذا طبعا أنني أقلل من أهمية أزمة صناعة السينما كقوة ناعمة لمصر;لكنني اري أنها لاتتقدم في الاولويات علي أزمة المصانع المغلقة..كما أنني, وبنفس القدر, لاأقلل من أهمية الملف السياسي وخطورته في المرحلة الراهنة..لكنه لايجب أن تكون له الاولوية لدي نائب رئيس الوزراء للشئون' الاقتصادية'.. خاصة أن الحكومة تضم نائبا لرئيس الوزراء للشئون السياسية..والملف السياسي هو من مهام مسئولياته الاصيلة..! أنني لاأقصد من كل هذا الكلام أن نجلد الحكومة; لإنها في تقديري تعمل في ظل ظروف بالغة الصعوبة وفي مرحلة فارقة في تاريخنا; لكنني فقط أذكر بعض وزرائها وكبار مسئوليها أن يحددوا بدقة أولوياتهم والمطلوب منهم في هذه المرحلة الدقيقة; التي لانملك فيها ترف خلط الملفات والأولويات..! يعني بالمختصر المفيد' اللي يحتاجه الاقتصاد يحرم علي السياسة'..!