عندما يحتدم السباق, يتصدر الاقوياء المشهد ويتساقط الضعفاء, وهذا هو حال النظام المصرفي الأوروبي حاليا. علي مدار السنوات القليلة الماضية تفكك النظام المصرفي العابر للحدود الي مجموعة من الاسماء الوطنية كان هناك خفض هائل, بمقدار2.2 تريليون دولار, في الإقراض عبر الحدود داخل منطقة اليورو. تكاليف الاقتراض في البلدان الطرفية- التي تعاني من أزمة مالية- قفزت مدفوعة, الي حد كبير, بزيادة في اسعار الفائدة التي يجب ان تدفعها دول مثل ايطاليا واسبانيا واقترب الفارق بين تكاليف الاقتراض بين الشركات الألمانية والأسبانية من1.5 نقطة مئوية مقارنة بمجرد بضع نقاط اساس او اجزاء مئوية قبل عامين. ومثلما كان الحال مع دول اوروبا, ظهرت فجوة ايضا بين البنوك الكبيرة والصغيرة, فبنوك مثل سانتاندر وBBVA وانتيسا سان باولو ويوني كريدي قادرة علي الحصول علي تمويل ذاتي في اسواق الجملة وعن طريق الودائع, أما البنوك الاصغر حجما والبلدان الطرفية فلا تزال تجد صعوبة بالغة في العثور علي تمويل. وتقدر تكلفة التأمين علي ديون البنوك الايطالية بحوالي330 نقطة اساس في المتوسط او330 الف دولار للتأمين علي دين بقيمة عشرة ملايين دولار لمدة خمس سنوات, ولكن هذا الرقم يخفي تباينا واسعا بين البنوك الكبيرة والصغيرة داخل ايطاليا فأسعار مبادلة مخاطر الائتمان(CDSS) علي ديون انتيسا سان باولو- أكبر بنك ايطالي حسب حصته في السوق المحلي- تقدر ب195 نقطة اساس, في حين انها708 نقاط اساس لبنك صغير منافس مثل مونتي راي باتش الذي يعاني من مشاكل ملحوظة. وفي اسبانيا تباين مماثل, حتي ان كان اقل حدة, اسعار مبادلة مخاطر الائتمان لسانتاندر, أكبر بنك اسباني,260 نقطة اساس مقابل329 للمنافس الأصغر بانكينتر( من المعروف ان انخفاض اسعار مبادلة مخاطر الائتمان يدعم زيادة حجم الائتمان في البنوك). وبصفة عامة, هناك عاملان يحددان تكاليف تمويل البنوك, بصرف النظر عن البلد الذي ينتمي إليه البنك, الأول يتعلق برسملة البنك وقد اشارت ورقة بحثية لصندوق النقد الدولي الي وجود علاقة بين قوة الميزانية العمومية للبنوك الايطالية وبين تكاليف الاقتراض بالنسبة لها والثاني هو حجم البنك ومدي تنوع نشاطه, فالبنوك التي تعتبر اكبر من ان تفشل يبدو انها تتمتع بثقة المستثمرين فيها في اسواق السندات, وكذلك بنوك مثل سانتاندر او يوني كريدي الذي يساعدها تنوع نشاطها المصرفي في الصمود في اوقات الركود في اسواقها المحلية. فالبنوك الصغيرة تتجه الي تركيز قاعدة اصولها مما يجعلها عرضة للصدمات وهذا التباين بين البنوك الكبيرة والصغيرة هو أمر واقع في معظم اوروبا لكنه جاد بشكل خاص في البلدان التي تضررت من ازمة اليورو. الفجوة في تكاليف التمويل تمتد ايضا لتشمل ودائع التجزئة في ظل قدرة البنوك الأوروبية والكبيرة علي زيادة حصتها في السوق علي حساب البنوك المنافسة الصغيرة وعلي سبيل المثال, تمكن سانتاندر بنك خلال العام الماضي من زيادة الودائع الأسبانية بنسبة19% أماBBVA فقد زادت الودائع لديه بنسبة27% وفي المقابل ودائع بانكيا, البنك الاسباني الذي حصل علي حزمة انقاذ حكومي, انخفضت بما يزيد عن الربع علي مدار الثمانية عشر شهرا الماضية. وخسارة جزء من الودائع ترفع تكاليف التمويل لأي بنك نظرا لأن الودائع عادة ماتكون تكلفتها اقل من الاقتراض من اسواق رأس المال, كما ان انخفاض الودائع يؤدي الي ارتفاع نسبة القروض الي الودائع وهو مؤشر علي التعرض لشح التمويل, الأمر الذي يهدد في النهاية بحلقة مفرغة من المشاكل, فالبنوك التي تجد ضعوبة في الحصول علي تمويل تضطر الي دفع مبالغ اعلي من اجل الحصول علي تمويل والذي يؤدي بدوره الي انخفاض ربحيتها ويضر بقدرتها علي جمع رأس المال وتجنيب المخصصات, مما يحد من امكانية العثور علي تمويل ويضطرها الي خفض ميزانيتها. ويري الخبراء ان الاقتراح الأخير للمفوضية الأوروبية ب الانقاذ الداخلي للبنوك المتعثرة سوف يزيد قلق المستثمرين ازاء شراء سندات البنوك الضعيفة. من المرجح ان يكون لمشاكل البنوك الأوروبية الصغيرة في البلدان الطرفية تأثيران كبيران, الأول علي حجم المعروض من الائتمان للشركات الصغيرة والمتوسطة والذي يعتمد عدد كبير منها علي البنوك الاقليمية وليس العالمية الكبيرة, فالبنوك الصغيرة تخصص حصة أكبر من البنوك الكبيرة لمنح قروض الي الشركات الصغيرة والمتوسطة. من ناحية أخري, كثير من البنوك الأوروبية الصغيرة غير قادرة علي جمع رأس مال لأنها من نوعية صناديق التأمين التبادلي او البنوك التعاونية, وبالتالي لاتستطيع إصدار اسهم من اجل تلبية المعايير التنطيمية الجديدة وهناك بنوك أخري ستكافح بضراوة من اجل اقناع المستثمرين بملاءتها وبجدوي الاستثمار في اسهمها ومن المرجح انها ستضطر الي تقليص ميزانياتها بدلا من ذلك. وقد تعهدت بعض البنوك الكبري بسد الثغرة التمويلية المترتبة علي خفض البنوك الصغيرة لقروض الشركات الصغيرة والمتوسطة, ولكن انتقال المقترضين من بنك الي آخر يستغرق بعض الوقت خاصة اذا كان هناك اختلاف بينهما في تحديد معايير المخاطر, كما ان البنوك الكبيرة الشاملة قد تمتنع ايضا عن زيادة انكشافها علي اسواقها المحلية المضطربة. أما التأثير الثاني لمشاكل البنوك الأوروبيةالصغيرة سيكون غالبا حدوث المزيد من عمليات الاندماج او الاستحواذ وبحسب محلل في مورجان ستانلي, فإن اسبانيا كان لديها53 بنكا في عام2009, ولكن بحلول نهاية العام الماضي كان عددهم قد انخفض الي اثني عشر بنكا فقط, وعمليات دمج مماثلة قد تحدث في ايطاليا التي يوجد بها700 بنك. كما هو الحال في الغابات الافريقية, عندما يسقط الصغار, ينقض الاقوياء علي الفرائس.