أصبحت مشكلة الفساد مشكلة عالمية مزمنة لما لها من تأثير مباشر وغير مباشر اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. وقد أخذت هذه المشكلة تشكل عامل قلق رئيسيا للعديد من دول العالم وخاصة حكومات الدول النامية التي تسعي لتطوير نظمها الاقتصادية وتسعي لوضع حزمة من الترتيبات والإجراءات المؤسسية لمواجهة أوجه الفساد. تقول دعاء سالمان عبده استاذ الاقتصاد المساعد بجامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والفنون: لقد عرف البنك الدولي الفساد بأنه' سوء استخدام السلطة أو الوظيفة الحكومية أو المنصب العام بغرض تحقيق مكاسب خاصة'. كما قام أيضا بالتمييز بين الفساد الكبير والفساد الصغير حيث قام بتعريف الفساد الكبير علي أنه' العمولات أو أعمال السمسرة غير المشروعة التي يقوم بها القادة السياسيون والبيروقراطيون الكبار بغرض الحصول علي دفعات مالية كبيرة'. بينما يعريف الفساد الصغير علي أنه' المكاسب المادية التي يحصل عليها الموظف الحكومي بغرض إنجاز بعض المهام والخدمات للمواطنين'. وتضيف د. عاء انه لم يتوقف الاهتمام بالفساد علي الحكومات, ولكنه امتد الي المؤسسات الدولية المعنية بمكافحة الفساد وتحقيق التنمية. وتتمثل أشكال الفساد الرئيسية في: الرشوةBribery والإختلاسEmbezzlement والاحتيالFraud والابتزازExtortion, الوساطةIntervention, المحسوبيةFavoritism, المحاباة للأقاربNepotism, وتتميز هذه الأشكال فيما بينها بالتداخل وأنها قابلة للتبادل بعضها مع البعض. وكذلك هناك العديد من أشكال الفساد ولكنها لا تتضمن مخالفة للقوانين ولا تبادلا مباشرا للنقود, من هذه الأشكال: المحسوبية واستخلاص المغانم. ويثار تساؤل عن الآثار الاقتصادية الناتجة عن انتشار ظاهرة الفساد, وآليات مجابهته. ولقد حيث قام عدد كبير من الباحثين بدراسة آثار الفساد علي النمو الاقتصادي, وتم التوصل إلي ان الفساد يؤدي الي إضعاف النمو الاقتصادي ويعوق خفض أعداد الفقراء, لانه ينمو ويزدهر في ظل وجود سياسات اقتصادية سيئة التصميم, وفي ظل غياب التنافس وضعف المساءلة في المؤسسات العامة. - كما يؤثر علي الميزانية, من خلال تأثيره علي الحصيلة الضريبية, وفي حالة التهرب من الضرائب أو إساءة استخدام الإعفاءات الضريبية. ويري العديد من الباحثين أن الفساد اكثر تكلفة من الضرائب لانه يخلق حالة من عدم التأكد, بالإضافة الي العبء المالي المصاحب له ولما يسهم به تفشي حالات التهرب الضريبي. -كما تؤدي الوساطة والمحسوبية عند تخصيص عقود التوريدات العمومية إلي تدني البنية الأساسية والخدمات العمومية, فمثلا قد يسمح البيراقراطيون الفاسدون باستخدام مواد رخيصة دون المعايير المحددة في تشييد المباني أو الجسور, فدافعو الرشوة الفائزون بالعقود الحكومية غالبا ما يريدون استرداد تكاليف الرشوة من خلال عدة طرق: تضخيم قيمة الفواتير للعمليات التي قاموا بها بما يحمل أعباء علي الانفاق الحكومي, او استخدام نوعيات رديئة من المدخلات والمواد الخام للعمليات التي يقومون بها. - كما يؤثر الفساد علي بنية الإنفاق الحكومي من خلال توجيه الموارد العامة النادرة إلي المشاريع غير الكفؤة وغير المربحة بدلا من توجيهها الي المدارس والمستشفيات والطرق أو مشروعات الصرف الصحي وتوفير المياه النقية إلي المناطق الريفية النائية. ايضا يعرض الفساد الدول لحدوث ازمات مالية وازمات عملة, مثلما حدث في دول شرق اسيا, ودول امريكا اللاتينية. كما ينتج عن الفساد تأثير سلبي علي مناخ الاستثمار وذلك من خلال جذب الانشطة الساعية الي الريع أو التربحRentSeeking, فالفساد المصاحب لمناخ الاستثمار يعمل كعنصر جذب للساعين للحصول علي ريع من قبل الشركات والموظفين الرسميين وأصحاب المصالح الاخري. كذلك من الآثار المدمرة للفساد تفشي الرشوة في المجتمع- والقول بأنها تؤدي إلي إعادة توزيع الدخل هو قول خاطئ- فهي تؤدي الي العديد من الآثار الضارة السيئة علي الاقتصاد القومي وخاصة فيما يتعلق بتكلفة المعاملات, وزيادة تكاليف السلعة أو الخدمة المقدمة الي المواطن ومن ثم زيادة اسعارها بما ينعكس علي معدلات التضخم, نظرا لرغبة دافعها من المنتجين الي نقل عبء الرشوة الي المستهلك النهائي. بينما تؤدي الرشوة- من قبل المتلقي- الي زيادة استهلاكه, وخاصة الاستهلاك الكمالي أو الترفي من السلع والخدمات وإقباله علي شراء الاراضي والعقارات, بما ينعكس مرة أخري علي زيادة الأسعار وخاصة في ظل عدم مرونة جهاز الإنتاج وعرض السلع والخدمات. ويثار تساؤل حول سبل مواجهة الفساد في العديد من الدول؟ ولمواجهة الفساد نجد أن سبل المواجهة تختلف من دولة لاخري ولكن هناك أطرا رئيسية, تتمثل فيما يلي: * علي مستوي الاطر المؤسسية والقانونية, يقترح انشاء كيان قومي لمكافحة الفساد, وانشاء خط ساخن للابلاغ عن جرائم الفساد, مع اصدار تشريعات للقوانين مشددة ضد جرائم الفساد. * العمل علي خلق فرص عمل وتحسين مستوي المعيشة للمواطنين. ويقترح زيادة اجور ومرتبات الموظفين في الحكومة وخاصة صغار الموظفين مع ربطها بالانتاجية, بالاضافة الي تفعيل معايير الكفاءة والشفافية عند الاعلان عن الوظائف الشاغرة في الجهات الحكومية المختلفة. * علي مستوي ادارة المال العام والخاص, يجب زيادة الشفافية في عمليات الخصخصة وبيع الاصول الحكومية, ونشر المعلومات الكاملة عن تعاملات الحكومة المالية والعقود والمناقصات, ومعرفة مصادر تدفقات الاموال, ووضع ضوابط لتحرير رءوس الأموال. * علي المستوي الاعلامي, يجب منح الصحافة حرية أكثر للكشف عن جرائم الفساد, وتصميم حملات إعلامية متواصلة لرفع الوعي العام تجاه قضية الفساد. * علي مستوي النهوض بالاخلاق الرفيعة في المجتمع( النزاهة- الاستقامة) يجب العناية بضرورة تركيز المؤسسات التعليمية علي غرس القيم الأخلاقية الاصيلة لدي الطلبة, وبذل جهود من قبل المؤسسة الدينية ورجال الدين للترويج للقيم الأخلاقية في الحياة اليومية.