فلفل وشرشر لمن لا يعرف من شبابنا هما كلب وأرنب كانا بطلي كتاب المطالعة الرشيدة الذي كنا ندرسه في أولي ابتدائي منذ اكثر من نصف قرن, وقد اصبح بعد ذلك مثلا يضرب في القدم والسذاجة والسطحية في التفكير.. فكان يقال مثلا: إن فلانا عايش في زمن' فحت البحر' فمازال يفكر بطريقة فلفل وشرشر.. وشرشر نط عند البط..! وأذكر أنني انتقدت حكومة الدكتور احمد نظيف رئيس الوزراء الاسبق وحكومته, وتحديدا نظيف نفسه والمهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة الاسبق, عندما كانا في السلطة, وقلت إنهم مازالوا يروجون للاستثمار علي طريقة فلفل وشرشر; لأنهم يركزون في خطابهم للمستثمرين علي المناخ المعتدل لمصر وموقعها الذي يتوسط العالم; دون أن يهتموا بالمزايا الحقيقية التي سيجنيها المستثمر اذا ما استثمر في مصر; لان أي مستثمر لا يتخذ قراره بالاستثمار في أي دولة الا بعد دراسة جدوي اقتصادية' ماتخرش الميه' وبعد أن يحسبها بالورقة والقلم, ويحسب أرباحه المتوقعة بالمليم والسحتوت.. وارجوكم لا تسألوني عن ما هو المليم, علي اعتبار انكم بالتأكيد تعرفون ما هو السحتوت..! وحتي لا اظلم نظيف ورشيد.. فان كل الحكومات بلا استثناء, السابقة والحالية, انتهجت وتنتهج نفس النهج في الترويج للاستثمار.. نهج فلفل وشرشر.. فالمستثمر, أي مستثمر, يهمه أن يستثمر امواله في بيئة مستقرة تشريعيا, بحيث يعرف بالتحديد حقوقه وواجباته, ويضمن, وهذا هو الاهم, سهولة خروج أمواله كما دخلت, ولا أبالغ ان قلت إن الاستقرار التشريعي أهم عند المستثمر من الاستقرار السياسي.. وأفضل نموذج لذلك.. العراق الذي يشهد تكالبا من المستثمرين من مختلف أنحاء العالم, حتي من مصر, للاستثمار فيها رغم افتقارها للاستقرار السياسي بل حتي والامني.. ونفس الامر في ليبيا التي يتقاتل المستثمرون علي الاستثمار فيها والفوز بجزء من كعكة مشروعات الاعمار. وبالتأكيد.. هؤلاء المستثمرون ليسوا بسذج أو مجانين حتي يتكالبوا علي الاستثمار في مثل تلك الاسواق المحفوفة بكل أنواع المخاطر.. لكنهم بكل بساطة يدركون تماما ان هذه المخاطر لها تقييم ولها ثمن, المهم أن يكون الاستثمار في النهاية ايجابيا ومجزيا ويترجم الي عوائد تصب في صالح المستثمر. وتعالوا نسأل أنفسنا سؤالا مباشرا: ايهما أكثر استقرارا وأمنا.. العراق أم مصر..؟ أعتقد ان اجابة مثل هذا السؤال واضحة وضوح الشمس.. فعلي الرغم من كل ما تعانيه مصر من عدم استقرار أمني وسياسي.. فإنها بالتأكيد ليست كالعراق.. وبالتالي لا يمكن لأي مستثمر أن يتغاضي عن ايجابيات الاستثمار في السوق المصرية.. بشرط توافر الضمانات اللازمة.. ويأتي في مقدمة هذه الضمانات.. تحصين الاستثمارات ضد المصادرة أو التأميم أو فرض الحراسة عليها.. أو الحجز علي أموال الشركات والمستثمرين.. ومن الضروري أيضا عدم فرض تسعيرة جبرية علي المنتجات التي تنتجها الشركات الاستثمارية.. أو تحديد ارباحها.. الي آخر ذلك من الضمانات التي تجعل المستثمر مطمئنا علي امواله واستثماراته. وبالمناسبة.. فان كل هذه الضمانات منصوص عليها قانونا لكن لسبب أو لاخر ينسي البعض أو يتناسون القانون ويحاولون فرض قانونهم الخاص. وأعتقد أن علي الحكومة ان كانت جادة فعلا في اعادة الثقة في الاقتصاد المصري وعودة الاستثمارات الي التدفق من جديد أن تبعث برسائل طمأنة للمستثمرين العرب قبل الاجانب.. نعم العرب قبل الاجانب.. مع التأكيد علي كل الضمانات السابق ذكرها, وأن الحكومة المصرية تتعهد بتحصين كل هذه الضمانات.. ولا مانع من تقديم بعض الحوافز, كالاعفاء الجمركي لبعض المعدات الاستثمارية.. ومنح المشروعات التي تتيح فرص عمل أكبر للمصريين اعفاء ضريبيا لمدة محددة.. أو معاملتها بسعر ضريبة أقل.. الي آخر ذلك من الحوافز التي من المؤكد ستساعد علي جذب الاستثمارات للسوق المصرية.. هذه مجرد محاولة من العبد لله للخروج من عنق الزجاجة وتحريك المياه الراكدة في الاقتصاد.. لكنني علي يقين من أن الحكومة يمكنها التوصل الي حلول وأفكار أفضل إذا ما فكر مسئولوها وخبراؤها ومستشاروها في التفكير خارج' الصندوق', وطبعا أنا لا أقصد' صندوق النقد الدولي'.. لكن طالما انها' جت كده' فمشوها صندوق النقد.. بمعني أن تفكر بطريقة غير تقليدية.. بعيدا عن فلفل وشرشر اللي نط عند البط ليأكل الفت..!!