هل خطر ببال الشاب الأمريكى مارك زوكر بيرج 23 عاماً أن اختراعه "فيس بوك" سيكون صاحب فضل كبير بل أخطر الأسلحة السلمية فى ثورات الربيع العربى؟ وفى توحد شباب العرب على ألم واحد، ورفض واحد، وهدف واحد، هو كسر حاجز الخوف ضد طواغيت الحكم فى بلادهم. سؤال ربما لم يوجهه أحد إليه حتى الآن. وبالمناسبة فإن مصطلح الربيع العربى هو الآخر ليس عربياً، برغم استخدامنا له بكل ألفة وحميمية، أغلب الظن أنه مصطلح أمريكى فهم الذين يدسون أنوفهم فى كل شىء بمنطق السيطرة وغطرسة القوة. زوكر بيرج الطالب فى جامعة هارفارد الأمريكية عام 2006، كان شهيراً بين زملائه بولعه الشديد بالكمبيوتر، وحاول جاهداً عمل طريقة يتبادل بها مع أقرانه المعلومات والصور والآراء، ولم يكن يعلم أنه يصنع انقلاباً عالمياً فى علاقات البشر، ومثل كل اختراع تم تطويره من نطاق أصدقاء الجامعة إلى أصدقاء الدنيا، ومن تبادل المعلومات والصور البريئة إلى شبكات التجسس وفضح أسرار الأفراد والدول، والتجهيز للثورات كما حدث فى بلادنا العربية، وتوجيه وتجييش الشعوب للتمرد طلباً للحرية من جبروت حكامها. وقد فطن الطغاة لذلك سريعاً وصدرت قراراتهم الهزلية المضحكة فى مجابهة العلم والتقنية الحديثة بقطعها عن البلاد وإلى جوارها كل ما هو تكنولوجى مثل الهواتف المحمولة، برغم ادعائهم بأن حكومتهم "حكومة ذكية". تلك الذكية لم يلفت نظرها تقرير التنمية البشرية 2010، الذى عاب عليها ضعف الوجود على الإنترنت وقال بالنص: وجود الحكومة المصرية على النت ضعيف جداً، حيث تتسم مجموعات الحزب الوطنى (المنحل) بالركود والخمول وقلة العضوية، وكذا الحال فى البلاد العربية، وهو ما يشير إلى حالة انفصام بين الشباب والنخبة الحاكمة. والعكس تماماً كان الخطاب الذى يتبناه الشباب جاداً وواقعياً يخاطب العقل ويلامس الوجدان، ولذا تكونت خلايا الثورة إذا صح التعبير تحت أعين الجميع وعلانية ما بعدها علانية، وقبل أن تنطلق الثورة فى الشوارع والحارات والميادين انطلقت فى أجهزة الكمبيوتر عبر فيس بوك، وكانت الثورة الأولى فى التاريخ التى يعلن عن موعد قيامها وساعتها ومكانها "الثورة الديجيتال" أول ثورة فى التاريخ تستغنى عن الحركات السرية والاجتماعات فى أماكن تحت الأرض وتوزيع المنشورات والمطبوعات التى يقامر موزعها بحياته من جبروت البوليس السياسى واغتيالاته للنشطاء السياسيين. الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء يقول فى تقريره السنوى للعام 2010، إن 19,7 مليون مصرى يستخدمون الإنترنت، وهى زيادة قدرها الهاز بنسبة 33% عن العام السابق، أما عن مستخدمى المحمول فقد بلغوا 59 مليون فرد. بالمناسبة آخر تعداد لسكان مصر والصادر يوم السبت 24 ديسمبر 2011، بلغ 81,361,339 نسمة. وبعد نجاح الثورة تدارك المجلس العسكرى الخطأ الحكومى أو على الأحرى اضطر لمواكبة العصر ومخاطبة الثوار بلغتهم فأنشأ صفحة على فيس بوك يصدر من خلالها بياناته لكل المصريين والعالم، أيضاً فعلها د. عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء السابق، فأنشأ صفحة لمجلس الوزراء مازالت تعمل برغم أن الدكتور الجنزورى عهد قديم ولا علاقة له بالفيس بوك، وصفحة أخرى باسمه مازال يخاطب بها أهل مصر بين الحين والآخر. الدكتور محمود علم الدين، رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام له تعليق رائع فى هذا الشأن يقول: التكنولوجيا الحديثة مسئولة عن صياغة عقول الشباب خصوصاً مجموعات فيس بوك وتويتر، فهى ساحة للتعبير عن المشاكل والخطط والأحلام من خلال أفكار متنوعة فى قضية واحدة. هذا الأمر الذى حدا بالكثير من الجامعات لعقد الندوات فى هذا الشأن كان آخرها كلية التربية النوعية بالفيوم تحت عنوان "تأثير مواقع التواصل الاجتماعى فى الثورات العربية" نهاية نوفمبر وبداية ديسمبر 2011، وتعرضت فاعليات الندوات لمشاكل الطلبة فى التعامل مع فيس بوك وتويتر. وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فإن الملاحظ اتساع دائرة متسخدمى فيس بوك عن تويتر، ما السر فى ذلك؟ الخبير الإعلامى د. ياسر عبدالعزيز، مستشار التدريب الإعلامى فى صندوق الإنماء بهيئة الإذاعة البريطانية، يفك اللغز ويكشف السر قائلاً: نسبة مستخدمى فيس بوك تتراجع أمام ازدياد مستخدمى تويتر، وذلك فى أمريكا وكندا وليس فى بلادنا، فالعكس هو الصحيح فى إفريقيا وروسيا والشرق الأوسط يعنى المجتمعات المغلقة، فإن تويتر يهتم بالأخبار وذلك يلائم الثقافة الغربية الجادة المفتوحة، أما فيس بوك فهو يناسبنا أكثر فهو مجال للدردشة والتعارف والتقارب، وبناء العلاقات بين الأوساط الاجتماعية الأقل انفتاحاً، وعليه فإن فيس بوك لا يتقيد بعدد الكلمات عكس تويتر، أيضاً يدعم انتشار فيس بوك لدينا أنماط الإعلام النظامى فى الدول الأقل انفتاحاً وبناء عليه الأقل مصداقية، فيمثل متنفساً كبيراً ودرجة من إتاحة الحرية أكثر بكثير من الإعلام النظامى (الحكومى والتابع للحكومى بحكم المصالح والأجندات). والسؤال الذى يفرض نفسه الآن، ما مستقبل تلك التقنية فى بلادنا والعالم ليستقبل عاماً جديداً؟ الدكتورة نهال عمر الفاروق، المدرس بكلية الإعلام تقول: إذا كانت ثورة يناير وثورات الربيع العربى عموماً قد تميزت بالشفافية المرعبة، يعنى نقل الأحداث مباشرة من موقع الحدث إلى شاشة الكمبيوتر والتليفزيون أيضاً، بعد حالة التكامل مع الهاتف المحمول، فنرى الرصاص تنطلق وتسكن رأس الضحية، كما ترى الدماء تسيل فى نفس لحظة سقوط الضحية، والنيران تشتعل فى لحظتها الأولى، بلا رقابة، وقت تخلف فيه الإعلام الحكومى وخصوصاً التليفزيون عن نقل الحدث واتبع أساليب عتيقة أسهمت بشكل كبير فى عزلته وكراهية الناس له وانصرافهم عنه، وهى لعبة غبية فقد أصبح كل حامل هاتف محمول به كاميرا جيدة بمثابة "إعلام بديل" إذا جاز التعبير، وبذلك اتسعت دائرة استخدام فيس بوك وتويتر، وأراها تتسع أكثر وأكثر مع التطور المذهل والمتلاحق فى أجهزة المحمول والكمبيوتر والتى يمكن حملها فى أى مكان بسهولة، وكذا سهولة استخدامها، بما يعنى نقل لحظات التوتر من الشارع إلى الشاشة فى حينها. أذكر أن الداعية عمرو خالد، كان يناشد الشباب والناس بعدم عمل "شير" يعنى مشاركة للفيديوهات المصورة فى أحداث ماسبيرو حتى لا تتسع رقعة الفتنة الطائفية فى البلاد، والسبب فى ذلك أنه يمكن التصوير من زاوية معينة لا تحمل الصدق فى الحدث برغم أنها حدث، فإن من عيوب تلك التقنية أنها جموح لا مروض لها إلا ضمير مستخدمها. تكشف الدكتورة نهال عمر جانب آخر وهو الأجيال الصغيرة الذين لا يتابعون الصحف التقليدية الآن ليس ذلك فقط وإنما أصبح الإنترنت بديلاً عن التليفزيون والصحافة، وأصبحت البوابات الإلكترونية التى تتصارع الصحف والمجلات فى إنشائها وسيلة المعرفة الحياتية لهم. بالمناسبة فإن مخترع الإنترنت هو العبقرى الإنجليزى "تيم بيرنزرلى" المولود فى لندن عام 1955، وتخرج فى جامعة إكسفورد، وقد حصل على جائزة الألفية للتكنولوجيا وهى أكبر جائزة فى مجالها وقدرها مليون يورو، ويعمل حالياً باحثاً فى معهد ماستشوستس للتكنولوجيا فى بوسطن، وجاء فى حيثيات الجائزة أنه أسهم فى تواصل البشر وجعل الكون قرية معلوماتية صغيرة، وقد طرح هذا الاختراع الخطير للتعامل معه فى عام 1991، وكذا حصل "تيم" على لقب فارس من ملكة إنجلترا تقديراً لأعماله المتفردة فى مجال تكنولوجيا المعلومات. ويبدو أن قدرنا كعرب أن نستورد الأسلحة التقليدية والعلمية طوال الوقت منذ زمن طويل، حتى إن العرب قديماً كانوا يستوردون أو يجلبون بلغة القوم حينها من الهند وكانت السيوف الهندية هى التى يضرب بها المثل فى الصلابة والقوة حتى إن الشاعر كعب بن زهير، عندما مدح الرسول الكريم فى قضيته الشهيرة "بانت سعاد" أو البردة، قال: إن الرسول لنور يستضاء به/مهند من سيوف الهند مسلول. وإذا كانت الدكتورة نهال تحذرنا من الاستخدام اللا أخلاقى أو الخطر لتلك التقنيات الحديثة وضرورة الأخذ فى الاعتبار حتمية توافر الجانب الأخلاقى الإيجابى عن طريق تبنى أجهزة الإعلام حملات لذلك , شريطة أن تبدأ بإصلاح نفسها أولاً حتى يصدقها الناس والشباب والصغار. معنى الكلام أنه ببساطة شديدة يمكن لعدة آلاف أو كل ملايين من هواة متابعة ونقل الأحداث تهميش دور الإعلام التقليدى بمجرد امتلاك هاتف محمول أو جهاز كمبيوتر واشتراك فى شبكة الإنترنت، وصفحات فيس بوك وتويتر.