أقلية إلى الأبد هو ثانى الأعضاء العرب بعد الجزائرية آسيا جبار في الأكاديمية الفرنسية، تلك المؤسسة ذائعة الصيت، التي تأسست في العام 1635 ، وتسهر على احترام اللغة الفرنسية وتكوين قاموسها، إنه الكاتب اللبنانى الكبير أمين معلوف الذى فاز أخيراً بجائزة سلطان العويس عن الإنجاز الثقافي والعلمي، لينضم إلى كوكبة الفائزين بها مثل إدوارد سعيد وأدونيس ونزار قبانى ومحمود درويش. بالطبع لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يفوز فيها معلوف بجائزة كبرى بل سبق أن فاز عام 1986 بجائزة الصداقة الفرنسية العربية عن روايته «ليون الإفريقي»، كما فاز بجائزة أمير أستورياس للآداب لعام 2010، وفى 2011 نجح فى الدخول إلى الأكاديمية الفرنسية بعد أن فشل قبل ذلك مرتين فى الالتحاق بها. لم يكن الهدف من دخول الأكاديمية بالنسبة لمعلوف سوى تكريس له ولتاريخه ولبلاده العربية التى يرى أنها بدأت تعود للتاريخ مرة أخرى. كانت الكتابة بالنسبة لمعلوف هى المهنة الوحيدة من وجهة نظره التى يمكن العمل بها فأسرته تعمل فى الصحافة، فالعمل بالنسبة للأسرة إما الكتابة أو التدريس فى الجامعة الأمريكية. ولكن بالنسبة له لم يكن التدريس يستهويه، خصوصاً أنه يجب أن يتحدث إما باللغة الإنجليزية أو الفرنسية وهو يعشق الحديث والكتابة باللغة العربية. فلو كان تنبأ له أحد وقتها بأنه سيعيش فى فرنسا ويتكلم ويكتب بالفرنسية بل وسيصبح عضوا فى الأكاديمية الفرنسية... لوصفه بأنه مجنون ولكن هاهو يحدث مالم يكن متوقعا، فالفرنسية بالنسبة لمعلوف هى لغة الظل التى كان يكتب بها مذكراته، أما العربية فهى لغة النور التى قرأ بها روائع شكسبير وتشارلز ديكنز وغيرهما. ولكن ما إن أتم السادسة عشرة حتى اكتشف أن الفرنسية هى التى ستساعده على قراءة الأعمال الكاملة لكبار الكتاب. فمن خلال اللغتين الفرنسية والإنجليزية اكتشف معلوف العالم والأفكار والأدب. لقد أحدثت اللغة تحولا جذريا فى حياته لدرجة أنه كان فى الصباح يكتب فى الصحف التى يعمل بها بالعربية، وفى المساء يغلق على نفسه الباب ويكتب سرا رواية باللغة الفرنسية. المفارقة أن ما يكتبه بالعربية ينشر وما يكتبه بالفرنسية يظل حبيس الأدراج. استمرت الحال هكذا إلى أن اندلعت الحرب فى لبنان ووجد معلوف نفسه مضطرا للرحيل إلى فرنسا لتصبح لغته السرية هى لغته الأم التى يتحدث ويكتب ويناقش بها, فقد التحق معلوف بالعمل فى القسم الاقتصادى بمجموعة جين أفريك الصحفية بعد أن كان يترأس القسم الاقتصادى لجريدة النهار اللبنانية. لقد كانت النقلة قوية وكان عليه أن يبدأ من الصفر هو وزوجته وهما لم يكونا وحدهما بل معهما أطفالهما الثلاثة. كان التحدى قويا ولكنه كان الشرارة التى أشعلت موهبة الكتابة عند معلوف, فلولا هجرته من لبنان لظل حتى الآن مجرد رئيس قسم أو حتى رئيس تحرير وليس واحدا من أهم الروائيين الفرانكفونيين فى فرنسا.