استقبلت زيارة الملك محمد السادس لعدد من دول شرق إفريقيا أخيرا، بقدر كبير من الحفاوة بين دول القارة، وذلك وفقا لما أعلنت عنه وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، حيث قام العاهل المغربى بزيارات رسمية إلى كل من رواندا وتنزانيا وإثيوبيا، والتى أجلت لأسباب ترجع إلى حالة عدم الاستقرار التى تعيشها أديس أبابا والناتجة عن اندلاع العديد من المظاهرات . تأتى هذه الزيارة فى خطوة تحاول المملكة من خلالها استعادة مقعدها فى الاتحاد الإفريقى بعد غياب دام ثلاثة عقود بسبب قضية الصحراء الغربية، وكان المغرب قد انسحب من منظمة الوحدة الإفريقية فى سبتمبر 1984 احتجاجا على قبول المنظمة عضوية "الجمهورية الصحراوية" التى شكلتها جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادى الذهب (البوليساريو)، وبقيت عضوية الرباط معلقة سواء فى المنظمة أم الاتحاد، ويسيطر المغرب على معظم مناطق الصحراء الغربية منذ نوفمبر 1975، أى بعد خروج الاستعمار الإسبانى مما أدى إلى اندلاع نزاع مسلح مع البوليساريو استمر حتى سبتمبر1991، ومنذ أعلنت الجبهة وقف إطلاق النار لا تزال تشرف على تطبيقه بعثة الأممالمتحدة، حيث تقترح الرباط منح حكم ذاتي للصحراء الغربية تحت سيادتها، إلا أن البوليساريو تطالب باستفتاء يحدد عبره سكان المنطقة مصيرهم. ولا تزال جهود الأممالمتحدة فى الوساطة بين أطراف النزاع متعثرة. وأعلن الملك فى رسالته إلى قمة الاتحاد الإفريقى التى انعقدت أخيرا فى رواندا، أن قرار عودة المغرب إلى أسرته المؤسسية الإفريقية لا يعنى تخليه عن حقوقه المشروعة أو الاعتراف بكيان وهمى يفتقد لأبسط مقومات السيادة تم إقحامه فى منظمة الوحدة الإفريقية، فى خرق سافر لميثاقها" فى إشارة إلى جبهة البوليساريو. وتأتى الزيارة فى وقت قام الملك فيه بأكبر تغيير تعرفه الدبلوماسية المغربية منذ توليه العرش سنة 1999، بتعيين قرابة سبعين سفيرا جديدا بينهم 18 فى دول إفريقية كانت الرباط شبه غائبة عنها. جدير بالذكر أن الصحف التنزانية احتفت بنتائج الزيارة التى قام بها العاهل المغربى إلى دار السلام، وزنجبار، التى نتج عنها إبرام عدد من اتفاقيات الشراكة بين البلدين، مبرزة أن تنزانيا مستعدة لإقامة علاقات وثيقة مع المغرب فى شمال إفريقيا. وركزت الصحف المحلية على الاتفاق بخصوص تدريب 150 جنديا تنزانيا، سيحلون خلال الأسبوع المقبل بالمملكة، كما اتفق البلدان على إنشاء رحلات جوية مباشرة بين الرباط ودار السلام، لتعزيز السياحة، وجعل رحلات رجال الأعمال أرخص وأكثر ملاءمة. فى الوقت الذى رفضت فيه وسائل الإعلام المغربية الربط بين استقبال مصر لوفد جبهة "البولساريو" التى تطالب باستقلال الصحراء الغربية عن المغرب وإلاعلان عن زيارة الملك لإثيوبيا، وقال مراقبون إن الزيارة ربما تكون ردا غير مباشر على استقبال القاهرة للوفد الصحراوى والاحتفاء به، ومن ثم هجوم الإعلام على الرباط . والذى ترتب عليه فى المقابل أن شن الإعلام المغربى هجوما عنيفا على القاهرة بسبب استقبالها الوفد الصحراوى، لكن الأخيرة نفت ذلك مؤكدة أن الزيارة نظمها البرلمان الإفريقى ولا شأن لمصر بها. من جهته اعتبر جان بول، الكاتب والخبير فى العلاقات الأورو إفريقية، أن جولة الملك فى بلدان إفريقيا الشرقية "تعكس العقيدة السياسية الإفريقية" له التى تعطى الأولوية لتعاون بين الجنوب والشمال. وأضاف أنها تعكس الرغبة فى وضع أسس شراكة إستراتيجية بين المغرب ورواندا وتانزانيا وإثيوبيا، على غرار العلاقات المتميزة القائمة مع عدد من بلدان القارة، مثل كوت ديفوار ومالى والسنغال والجابون". وأكد ضرورة عودة المغرب إلى المنظمة الإفريقية حتى يضطلع بدوره الكامل كمحفز على التنمية وموحد للمبادرات الواعدة للقارة . بينما يرى محمد بو مدين، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسسية، فى زيارة الملك لزنجبار إشارتين، الأولى سياسية كمنطقة حكم ذاتى موسع ضمن السيادة التانزانية، تعكس إيمانا ملكيا بوحدة الشعوب، والثانية دينية تهدف إلى نشر النموذج الدينى المغربى فى فضاء مسلم يتشكل فى الغالب من الشافعية والشيعة والإباضية. وتأتى كل هذه الزيارات إلى بلدان شرق إفريقيا بعد أن خص العاهل المغربى غرب القارة السمراء بزيارات ناجحة سابقة، فى سياق بحث المغرب عن وضع قدم راسخة داخل «الاتحاد الإفريقى»، ويرجح مراقبون أن يعود الملك إلى البلاد تزامنا مع انطلاق المؤتمر الدولى للمناخ، وهو الموعد الذى سيجعل الرباط تحت مجهر العالم، الذى من المقرر أن يبدأ يوم السابع من نوفمبر المقبل بمدينة مراكش، ومن المرتقب أن ينعقد مؤتمر إفريقى مصغر على هامشه.