النائب حازم الجندي يطالب الحكومة بتشديد الرقابة على الأسواق لضبط الأسعار والتصدي لاستغلال التجار    وزير التموين يستعرض أمام النواب جهود الحفاظ على ضبط الأسعار بالأسواق    هآرتس: مسئول بفريق التفاوض أبلغ أهالي الأسرى أن مواقف حماس في المفاوضات لم تلن وربما تتصلب أكثر    "هيئة البث الإسرائيلية" نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين: لا يمكن أن تكون "اليونيفيل" القوة الوحيدة جنوبي لبنان    تقارير تكشف عن شرط محمد صلاح للتجديد مع ليفربول    سينر يحافظ على صدارة التصنيف العالمي للاعبي التنس    ضبط المتهم بإشعال النيران بدراجة نارية لخلافات مع آخر في المنوفية    4 نوفمبر.. الحكم على 5 متهمين بالتسبب في حادث غرق فتيات معدية أبو غالب    الإسكندرية: استقبال جماهيري لعرض «بينو» أول عروض مهرجان المسرح العربي في دورته الخامسة    أمن الأقصر ينظم حملة للتبرع بالدم    الصحة: 55% من الإنفاق الحكومي يوجه لعلاج الأمراض غير السارية    "جبران": عرض مسودة قانون العمل الجديد على الحكومة نهاية الأسبوع الجاري    وزير الخارجية يدين التصعيد الإسرائيلي في غزة ولبنان    يحط من منصب الرئاسة الأمريكية.. هاريس: لن نسمح لترامب بقيادة البلاد مرة أخرى    الخارجية اللبنانية تدين الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مراكز اليونيفيل    وزير الدفاع الأمريكي يصل كييف لمناقشة طلب أوكرانيا الانضمام للناتو    انطلاق مهرجان «أكتوبر العزة والكرامة» بجامعة القناة (صور)    20 صورة ترصد جولة رئيس الوزراء في عدد من مدارس كرداسة اليوم    جامعة سوهاج تكرم الناجحين في برنامج إعداد المدربين المعتمدين    شقق ب 180 ألف جنيه.. أسعار وشروط حجز وحدات سكن لكل المصريين 5    حملات أمنية مكثفة لمواجهة أشكال الخروج على القانون كافة    الحرارة 35 بهذه المناطق.. توقعات طقس الساعات القادمة    ضبط 4 أطنان أعلاف مجهولة المصدر بحملة تموينية مكبرة بالقليوبية    اختلفا على مكان فرش الفاكهة.. جنايات بنها تعاقب المتهم بقتل زميله في القليوبية    إصابة مواطن خلال عبوره مزلقان سكة حديد في قنا    إيقاف نشاط ورشة وفتح شارع.. محافظ الجيزة يستجيب لطلبات مواطنين    سر خفي.. كشف لغز تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني في أبو سمبل -صور    زراعة المنوفية: توزيع 54 ألف طن أسمدة على المزارعين    النواب يوافق على 9 اختصاصات للمجلس الوطني للتعليم    فيتامينات مهمة قدميها لطفلك كمكمل غذائي حفاظا على صحته    محفوظ مرزوق: عيد القوات البحرية المصرية يوافق ذكرى إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات»    موعد مباراة الأهلي والزمالك في السوبر المصري    شوبير يكشف حجم إصابة كمال عبد الواحد ويحيى عطية    قلق في الأهلي بسبب إصابة نجم الفريق قبل نهائي السوبر.. شوبير يكشف التفاصيل    مصرع طفلين وحرق غرفة الخفير..السكة الحديد تكشف تفاصيل حادث قطار العياط    ناقد رياضي: على «كهربا» البحث عن ناد آخر غير الأهلي    وزير الشباب والرياضة يفتتح بطولة العالم للبادل بالمتحف المصري الكبير    ايرادات السينما أمس .. أكس مراتي وعاشق وبنسيون دلال يتصدرون    الأمريكي صاحب فيديو كلب الهرم: تجربة الطائرة الشراعية في مصر مبهرة    أبرز لقطات حفل عمر خيرت بمهرجان الموسيقي العربية.. تقديم الصوليست أميرة علي    وزير الإسكان يعقد اجتماعاً لمتابعة تنفيذ "حديقة تلال الفسطاط" بقلب القاهرة التاريخية    في ذكرى ميلاد حسن الأسمر أيقونة الطرب الشعبي.. تعرف على أبرز المحطات في حياته    ما حكم اتفاق الزوجين على عدم الإنجاب مطلقا؟ .. اعرف رد دار الإفتاء    حسام هيبة: هونج كونج تعتبر مصر بوابة الاستثمار إلى أفريقيا والشرق الأوسط    وزيرة التضامن الاجتماعي تبحث مع سفير قطر بالقاهرة تعزيز سبل التعاون    التعليم : سعر الحصة لمعلمي سد العجز 50 جنيها شاملة كافة الاستقطاعات    أهداف المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية.. خبير يوضح    منها مواليد برج العقرب والقوس والجوزاء.. الأبراج الأكثر حظًا في 2025 على الصعيد المالي    كم مرة تقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين في اليوم والليلة    وزير العمل: الحكومة حريصة على صدور قانون العمل في أسرع وقت ممكن    إطلاق رشقة صواريخ من لبنان    «دوائر مغلقة» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم    موعد مباراة نوتنجهام فورست ضد كريستال بالاس في الدوري الإنجليزي والقناة الناقلة    استقرار في أسعار الخضروات اليوم الاثنين 21 أكتوبر 2024 مع ارتفاع ملحوظ في بعض الأصناف    وزير الصحة اليوناني يشيد بجهود الدولة المصرية للنهوض بالمنظومة الطبية    علي جمعة يكشف حياة الرسول في البرزخ    هل النوم قبل الفجر بنصف ساعة حرام؟.. يحرمك من 20 رزقا    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من حافظ ورفعت إلى بشار.. الشبيحة في سوريا .. صناعة نظام
نشر في الأهرام العربي يوم 15 - 11 - 2011

بدأ ظهورهم مع صعود نجم رفعت الأسد حيث أسس قوة عسكرية ضاربة أسماها سرايا الدفاع، وكلمة الدفاع هنا لا تعني الدفاع عن الوطن بل الدفاع عن النظام، لأن العائلة اعتبرت ومازالت تعتبر أن الوطن هو النظام وأن النظام هو الوطن.
هذه الممارسات حولت كثيرين من شباب الطائفة إلى جنود مليشيا إجرامية بعد أن كان إخوانهم وأولاد عمومتهم ممن سبقهم بجيل أو جيلين من ألمع طلاب الجامعات السورية.
الكلمة جاءت من كلمة الشبح أي الكائن المرعب المحسوس بأعماله ولكن غير المرأي لا اسم له ولا عنوان، لشبيحة مواقع التواصل الاجتماعي مهمة أخرى وهي تحضير الضحية ووضعها على المذبح كي يعمل بها ساطور شبيحة الشارع.
لم يمل النظام السوري من نكرانه الساذج لوجود الشبيحة ولم يمل الشبيحة من إثبات وجودهم البشع في حياة الشعب السوري.
والشبيحة ليسوا جدد في حياة السوريين، فعمرهم من عمر حكم عائلة الأسد. بدأ ظهورهم مع صعود نجم رفعت الأسد، شقيق الراحل حافظ الأسد وعم الرئيس الحالي بشار الأسد، حيث أسس قوة عسكرية ضاربة أسماها سرايا الدفاع، وكلمة الدفاع هنا لا تعني الدفاع عن الوطن بل الدفاع عن النظام لأن العائلة اعتبرت ومازالت تعتبر أن الوطن هو النظام وأن النظام هو الوطن.
سرايا الدفاع هذه أسست لمفهوم الشبيحة من خلال ممارسات بربرية تتطابق مع سلوك الغزاة البرابرة الذين يروعون المدن ويستبيحونها عند احتلالها. كانت الغاية زرع الرعب في قلوب السوريين بحيث يدرك كل فرد فيهم أن ثمن الاعتراض على النظام أو حتى مجرد مساءلته هو الموت. وهكذا أصبحت صورة جندي سرايا الدفاع مرادفة للرعب والقهر والذل، فما بالك بصورة الضباط الذي كان مصرحا لأي منهم أن يقتحم أي بيت غير مسكون ويسكن به بصرف النظر عن رأي أصحابه. استباحوا الأعراض والممتلكات وأهانوا الأمة في صميم معتقداتها لدرجة أنهم أطلقوا يد عناصرهم من الشباب المراهقين، كي ينزعوا الحجاب عن رأس كل امرأة محجبة تسير في الشارع حتى ولو كانت هي أو زوجها يتعاملان مع النظام، حتى إن بعضهن كن زوجات لمسئولين كبار في حزب البعث وضباطا في الجيش.
المشكلة الأساسية أن رفعت الأسد اختار أن يكون معظم هؤلاء من الطائفة العلوية، فبدا الأمر وكأن طائفة معينة تمارس الترويع ضد الطوائف الأخرى، مما أدى إلى خلق هوة وانقسام وكراهية بين الطائفة العلوية والطوائف الأخرى وخصوصاً السنة الذين يشكلون السواد الأعظم لسكان العاصمة دمشق والتي كانت أحياؤها الفاخرة مقراً لرفعت الأسد وسكنه وسكن زوجاته المتعددات.
لكن المجال الحيوي لممارسات رفعت ورجاله لم تكن دمشق وحدها بل امتد الأمر ليشمل باقي المدن السورية ومنها المدن ذات الأغلبية العلوية كالاذقية وطرطوس حيث رهب الناس وقهروا واعتدي على سلامتهم وممتلكاتهم. وكان جندي صغير في سرايا الدفاع قادراً على إهانة ضابط سوري في الجيش النظامي وهو في لباسه العسكري وأمام أولاده وزوجته دون أن يستطيع الرد حتى ولو كان علويا وبطلا من أبطال حرب تشرين. ذاكرة الناس مليئة بالقصص التي تثبت ذلك ولا شك أن يوما سيأتي ويصبح نشرها ممكنا ولا يكلف راويها حياته لأنه رواها.
إن الضرر الذي لحق بالطائفة العلوية لم يتوقف على العار والسمعة السيئة من جراء تصرفات ميليشيا رفعت الأسد بل تجاوزها إلى ما هو أبعد تأثيرا وهو أنه وبعد أن كانت الطائفة من أكثر الطوائف حرصا على تعليم أبنائها، لأنهم رأوا أن التعليم هو المخرج الوحيد لهم من الفقر والتهميش الاذين عاشوا فيه لعقود طويلة، قدم لهم رفعت الأسد بديلا أسرع للقضاء على فقرهم وهو انتزاع أولادهم المراهقين من على مقاعد الدراسة تحت إغراء الراتب المرتفع نسبيا وإرسالهم كمتطوعين في ميليشياه. كان مرتب المجند أو الضابط في سرايا الدفاع يتجاوز مرتب نظيره في الجيش النظامي هذا، بالإضافة لامتيازات السكن والسيارات. وكما هو معروف تعتبر أسعار السيارات من أغلى الأسعار في العالم نظرا للرسوم الباهظة التي تطلبها الدولة لتسجيلها إضافة إلى أنها كانت ممنوعة من الاستيراد في ذاك الوقت، ولكن كان بإمكان ضابط سرايا الدفاع يشتري أو يستولي على سيارة من بلد مجاور ويضع عليها لوحة من تصميمه ويعطيها الرقم الذي يشاؤه - بعضهم كان يضع على اللوحة رقم تليفونه - دون دفع أي رسوم أو دون أن تكون للسيارة أي سجلات في الدولة. والأهم والأمتع بالنسبة لهم بالتأكيد ليس للمواطن السوري أن يفعل ما يشاء بالكيفية التي يشاء، فله الحق كل الحق في أن يحدد من هو الخائن ومن هو الوطني المخلص، من هو المواطن الصالح ومن هو المواطن المارق. ليس هذا فحسب بل كان مخولا بإنزال العقاب الذي يراه مناسبا في المكان الذي يراه مناسبا حتى ولو كان في الشارع وأمام الناس.
هذه الممارسات حولت كثيرين من شباب الطائفة إلى جنود مليشيا إجرامية بعد أن كان إخوانهم وأولاد عمومتهم ممن سبقهم بجيل أو جيلين من ألمع طلاب الجامعات السورية وفيما بعد من ألمع الأسماء السورية في عالم الطب والهندسة والقانون والأدب شعرا ونثرا وما إلى هنالك من مناحي العمل والإبداع والتميز.
طبعا كل ذلك تم باسم الوطن وكرامته والدفاع عن حياده ضد المشروع الصهيوني.إلى أن جاء اليوم وتوسعت معدة الغول التي لم تعد تشبع بالاستيلاء على مقدرات الدولة والناس بل طلبت ما يملكه الرئيس نفسه وهو كرسي الحكم، حيث قرر رفعت أن يرث أخيه حافظ الأسد بمجرد أن الأخير تدهورت صحته. لكن لم تجر الرياح كما يشتهي رفعت وعاد الرئيس من غيبوبته. وبعد مواجهات - كادت تودي لا بالنظام فحسب بل بالبلد بأكمله - استطاع حافظ الأسد أن يكسب المعركة ويرسل أخيه إلى المنفى في صفقة تمت بعد مفاوضات ولم تكن مقاومة المشروع الصهيوني عمادها بل مليارات الدولارات التي انتزعت من خزينة الدولة وأعطيت كتعويض لرفعت الأسد عن تنازله عن نصيبه من السلطة. بمعنى آخر استطاع حافظ الأسد أن يشتري حصة أخيه رفعت من المزرعة التي هي سوريا. وبناء عليه تم رحيل رفعت بملياراته إلى منفاه الباريسي وحلت مليشيا سرايا الدفاع واستعيض عنها في مهمات حماية النظام عسكريا بالحرس الجمهوري. ولكن ذلك لم يكن نهاية الحكاية بل بداية لفصل ثان منها، فقد بقيت عقلية المليشيا حية وأصبحت مليشيات بعد أن كانت واحدة .حيث استنسخ الجيل الثاني والثالث والرابع من عائلة الأسد هذه عقلية عمهم رفعت الذي كان مثلهم الأعلى وأنشأ كل منهم ميليشياه الخاصة، وأوكل لها مهمة حمايته (ممن؟ لا أحد يعرف، فلم يسجل أن إسرائيل قامت بمحاولة اغتيال أي منهم برغم براعتها في اغتيال عديد من الشخصيات العربية المحترمة والمقاومين الشرفاء والعلماء وغيرهم) كما قامت هذه الميليشيا بأعماله التي لم تقم يوما إلا على انتهاك القانون والدوس على كرامات السوريين حتي ولو كان هذا السوري قائد شرطة أو محافظاً يمثل السلطة العليا للدولة في محافظته.
المشكلة أن مستوى التعليم منخفض في هذه الأسرة (أسرة الأسد) فباستثناء أولاد حافظ الأسد هناك ترد ثقافي وعلمي ملحوظ في هذه العائلة برغم أن بعضهم حاز على شهادة الدكتوراه (للمفارقة غالبا ما تكون دكتوراه في الحقوق في عائلة لا تعرف معنى للحقوق) لكنه حاز عليها بقوة السلاح. بعضهم فعلها والبعض الآخر لم يفعلها لا لشىء إلا لأنه زاهد بالعلم والشهادات ومكتف بل فخور بسمعته كزعيم ميليشيا لا تقوم فقط بأعمال التهريب والنهب وفرط الإتاوات فقط بل وتقوم أيضا بإحضار ما تشتهيه عينه من النساء حتى ولو كن فتيات ينتمين لعائلات محترمة أو كان أبوها علويا وضابطا في الجيش. كان زمن سلبي بكل ما تعني الكلمة.
هذه المليشيات هي ما أطلق عليه السوريون اسم الشبيحة وأغلب الظن أن الكلمة جاءت من كلمة الشبح أي الكائن المرعب المحسوس بأعماله، ولكن غير المرأي لا اسم له ولا عنوان. هؤلاء الشبيحة أذاقوا السوريين المر والأمر، ليس في دمشق فقط، وإنما في المدن الساحلية أيضا كجبلة وطرطوس واللاذقية مسقط رأس الرئيس نفسه ولم ينج من تشبيحهم مواطن سوري، سواء كان سنيا أم علويا أم درزيا أم مسيحيا أم كرديا بل طالت جرائمهم الجميع دون استثناء.
لقد ظلت هذه العصابات فوق القانون تتحدى شجاعة أي قاض أن يوقفهم أمام القانون ويطلق حكم القانون عليهم حتى أن كثيرا من جرائمهم اعتبرت ضد مجهول. والحال هذه لم يكن أمام الشعب السوري إلا أن يتطلع إلى الرئيس شخصيا أو أحد أبنائه ليتدخل ويضع حدا لهم على اعتبار أنها مليشيات تتحرك بأوامر ولصالح أفراد من العائلة ولا سلطة لأحد عليها. هذا التطلع كان يتم تجاهله كثيرا ويلبى أحيانا كأن يتدخل باسل الأسد (الذي توفي في حادث سيارة واعتبر شهيدا) ويوقف بعضهم لساعات أو أيام في السجن، ثم يعيد إطلاقهم ليتابعوا مهامهم في نهش الثروات من خلال السلب والنهب وفرض الأتاوات والمشاركة القسرية لبعض رجال الأعمال والتهريب وغير ذلك من الأعمال التي لا تحتاج إلى أي نوع من الكفاءة والاجتهاد بل تحتاج فقط إلى ميول إجرامية وجرأة لا أخلاقية قل نظيرها نوعا وامتدادا، إذ أنها أقضت مضاجع السوريين امتداد الوطن السوري وعلى مدى ثلاثة عقود بوتائر تنخفض أو تتصاعد ولكنها بقيت موجودة. ولوجودها هذا سر يقودنا لفهم ما يجري الآن في سوريا وهنا بيت القصيد.
لقد كان لعصابات الشبيحة هذه فائدتين حيويتين بالنسبة للأسرة الحاكمة وهما أولاً: كما أسلفت في البداية ترويع الناس وزرع ما يكفي من الخوف في قلوبهم بحيث لا يجرؤ أحدهم يوما على التفكير في الاعتراض أو حتى مجرد لفظ كلمة «لماذا؟» أما الفائدة الثانية فكانت إعطاء أولاد الرئيس منصة عريضة لإبراز بطولتهم وحسهم الإنساني العالي ورفع شعبيتهم من خلال تصديهم المسرحي لهذه العصابات.وطبعا لا يكون هذا التصدي بالقضاء على العصابة وإنما بفرك أذنها وحجبها عن الظهور أياما أو أسابيع يتنفس فيها الناس ويسبحون بحمد هذا أو ذاك من أبناء الرئيس. ثم ما تلبث أن تعود العصابة للظهور وتعود تطلعات الناس إلى أحد أبناء الرئيس كي يعيد تمثيل دور البطل المخلص في المسرحية التي تسعد الناس ويحصل في نهايتها على تصفيقهم الحار، لأنهم لم يجدوا خيارا آخر في ظل دولة لا يجرؤ فيها مسئول كبير على التصدي لهم وجلبهم للعدالة ولا يجرؤ قاض على الحكم عليهم بما يقتضي القانون. هذا الدور ترك حصرا لأولاد الرئيس هم وحدهم من يحاسبوا أبناء عمومتهم وأبناء خالاتهم وأبناء أخوالهم وعماتهم. وهكذا دارت مطحنة هذه المسرحية المؤلمة إلى أن جاء موسم القطاف الأكبر أثناء تحضير بشار الأسد للرئاسة، حيث كان لابد من وجود أحداث وإنجازات تخلق له شعبية وحبا عند الناس وتخلق أملا بأن الأمير الشهم الشجاع سيكون ملكا عادلا. وبالفعل قام بشار بلجمهم لحد بدا معه الأمر، وكأنهم اختفوا من حياة السوريين وأن الرئيس المحتمل شخص متحضر وقادر على قمع الممارسات اللاقانونية حتي ولو جاءت من أبناء أسرته بالذات. بمعنى آخر كان استثمار المسرحية ناجحا جدا.
بشار الأسد حاول إعادة صياغة العصابة بشكل أكثر عصرية فأعطاهم الأمر أن ينتقلوا من مرحلة المهربين إلى مرحلة رجال الأعمال، ومن مرحلة المغتصبين لحقوق الآخرين إلى مرحلة المستثمرين الذي يتمتعون بامتيازات خصوصاً بعضها واضح وبعضها خفي. لهؤلاء في سوريا هناك مجالات للحصول على ملايين سهلة لا تخطر في بال أحد كتحرير كفالة مالية لشركة أجنبية نفذت مشروعا ضخما في سوريا وعجزت أمام البيروقراطية السورية عن تحرير هذه الكفالة. هنا يبرز دور أبناء العائلة والمقربين منهم في اشتمام رائحة الصفقة والتقدم لحل مشكلة الشركة مع الحكومة مقابل حصولهم على نصف الكفالة المالية أو ربعها تبعا للوضع. وفعلا يتم حل المشكلة ببضعة مكالمات هاتفية واجتماع سريع مع الوزير المعني الذي هو بالنسبة لهم ليس أكثر من موظف صغير عند العائلة.
الطريق الثانية للثراء والتي تتناسب مع النفوذ الهائل والكفاءات شبه المعدومة لأفراد العائلة ومحيطهم هو مشاركة رجال الأعمال في أعمالهم تحت مبدأ «منك العمل ومني النفوذ».
غالبا ما يكون رجال الأعمال الكبار دمشقيون أو حلبيون أي أنهم من أهل السنة وسكان المدن الكبرى (وهذا ما يفسر إلى حد كبير صمت المدينتين على ما يجري) في دروجهم مشاريع ووكالات تدر المليارت ولكن لا أمل لهم في الحصول على الموافقات والتراخيص إلا إذا شاركوا أحد أبناء العائلة وطبعا يرتبط حجم المشروع بدرجة قرب ابن العائلة من الرئيس فهم بعضهم فوق بعض طبقات تبدأ من أخ الرئيس ماهر الأسد وابن خاله رامي مخلوف نزولا إلى الباقين. ورجال الأعمال لديهم من البراعة الانتهازية ما يجعل حساباتهم شديدة الدقة والموضوعية في هذا السياق، بحيث لا يضعون المشروع إلا على الطاولة المناسبة.
وهكذا اختلفت آليات التشبيح ولم يعد هناك حاجة لهذا الظهور المسلح الفاقع ولذاك السلوك البربري العلني. فتم صرف أعداد من الشبيحة كل إلى مصيره كسائق تاكسي أو مكروباص أو حارس أو عاطل عن العمل يقوم بحكم خبرته - بأعمال نصب وتشبيح محدودة. إلى أن جاءت «ساعة الحسم» حسب تعبير الراحل القذافي فعادت الحاجة إليهم - وبأعداد كبيرة - ملحة.
ليس صحيحا أن النظام السوري كان يستبعد كليا زحف الربيع العربي باتجاهه. ربما استبعده جزئيا ولكن لم يلغه كاحتمال وارد الحدوث واستعد لا للتعاطي معه، بل لسحقه.
من هنا برزت الحاجة الماسة للشبيحة الذين كان بعضهم في السجون بتهم مختلفة تشمل الاحتيال والسرقة والقتل والاغتصاب وغيرها من الجرائم. تم إطلاق سراح من كان مسجونا واستدعاء من كان طليقا ليتم تجميعهم من جديد وإنزالهم إلى الشواع ليتصدوا للمتظاهرين ضربا أو قتلا إن لزم الأمر وعملوا هذه المرة تحت سلطة مدنية لأحد مدراء الشركات الحكومية. ولكن بالطبع السلطة الحقيقية لأحد ضباط الأمن، ويقال إنه أيضا من عائلة الرئيس. وكانت الغاية خلق انطباع بأن ما يحدث في سوريا هو صراع بين معارضين وموالين تخلله بعض العنف من الطرفين مما أدى لتدخل أجهزة الأمن وفض المظاهرات واعتقال بعض مثيري الشغب الذين هم بالضرورة ليسوا من أنصار النظام المزعومين وإنما من المعارضين الغوغائيين. سيناريو بائس من اختراع عقل شديد البؤس لم يدرك أن سيناريو كهذا لن يصمد وسيفقد مصداقيته عند أول فيديو ستبثه الضحية على مواقع التواصل. واليوم وبعد سبعة أشهر أصبحت القضية واضحة للعالم وهناك مئات الحكايات الموثقة بالصوت والصورة تثبت جرائم هؤلاء وتثبت أنها تتم بمعرفة وحماية النظام.
في هذه السبعة أشهر المنصرمة بدأت تظهر لهؤلاء دوائر قيادية كبيرة ومتوسطة وصغير وبدأ يظهر بينهم نجوم بعينهم، عند بدأ الأحداث كانوا سجناء معدمين لكنهم اليوم يركبون سيارات فاخرة لا يحلم بها سواد الشعب السوري ويتجولون في شوارع المدن تجوال الغازي المنتصر. أعدادهم ازدادت بصورة لافتة للنظر حتى إنها فد تجاوزت الستين ألفا في بعض التقديرات ولكنها لم تقل عن العشرين في كل التقديرات الأخرى. ولم تعد تقتصر غالبيتهم على أبناء الطائفة العلوية بل أصبحت الطائفة السنية تنازعهم هذه الأغلبية، وخصوصاً في حلب التي وظف أحد رجال الأعمال فيها - ممن صنعهم النظام بالطريقة آنفة الذكر- آلافا من أبناء البدو الذين يسكنون أطراف المدينة وأطلقهم كي يحتلون الساحات العامة والشوارع الرئيسية في حلب.
ليس هو العدد الذي نمى بهذا الشكل الخيالي، بل القوة والنفوذ أيضا، حيث أصبحت لهم قراراتهم الخاصة ومرجعياتهم المستقلة التي تتجاوز موافقة رؤساء الأجهزة الأمنية أنفسهم. بل أصبحوا ينظرون للأجهزة الأمنية على أنها رخوة ومقصرة ولا تتعامل مع الشعب السوري العميل بما يكفي من حزم. لقد استخدمت عصابات الشبيحة هذه أساليب إجرامية وعنفاً أحرج أحيانا ضباطا يعتبرون قساة في الأجهزة الأمنية السورية.
عمليات الاستعداد هذه لمواجهة النسخة السورية من الربيع العربي لم تتوقف على شبيحة الشارع فقط، بل شملت أيضا الشبكة العنكبوتية لأن النظام السوري كان يتابع أخبار الثورة التونسية والمصرية وكان مدركا للدور الحاسم الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في جمع الناس واستنهاضهم وتنسيق حركتهم من أجل خروجه وللمطالبة بحريتهم. طبعا مطالب الحرية وسواها لم تعن النظام كي يستعد لها بل عناه الطريقة التي استطاع هؤلاء أن يبدعوا فيها ثورتهم، فقرر ألا يترك شبيحته تنتظر الناس في الشوارع فقط بل وعلى الشبكة العنكبوتية أيضا كي يكيلوا لهم السباب والشتائم واتهامات الخيانة والعمالة وينشروا الترويع والوعيد بما تسعفهم بهمة مخيلتهم الإجرمية المريضة كالقتل والتنكيل واغتصاب الأمهات والأخوات والزوجات.إنهم جنود متفرغون يقومون بذلك على مدار الساعة، مستلهمين روح وعقل شبيح متمرس (هو أيضا ابن عمة الرئيس) كان رئيسا لفرع الأمن السياسي في درعا أثناء بدء الأحداث - وهو بالمناسبة منصب يحتاج لموافقة الرئيس شخصيا عندما قال لوفد من وجهاء درعا جاء في بداية الأحداث ليسأل عن الأطفال الذين اعتقلهم وقلع أظافرهم لأنهم كتبوا على الجدارالعبارة الشائعة الشعب يريد إسقاط الرئيس، فكان جوابه لهم أنه ليس لكم أولاد عندنا وإذا كنتم تريدون أولادا اذهبوا وأنجبوا غيرهم وإذا كنت غير قادرين على ذلك فهاتوا نساءكم وسنساعدكم في إتمام المهمة.قال هذه العبارات لوجهاء درعا وهم رجال يرتدون العقال وكل منهم يمثل عشيرة من آلاف الأشخاص. فما كان هؤلاء أن خلعوا العقال عن رءوسهم أما هو فمازال طليقا بعيدا عن أي حساب، ليس دفاعا عن كرامة الناس لأن النظام لا يقيم وزنا لها وإلا ما كان ليعين أرعناً وفاسدا مثله في مثل هذا المنصب الحساس، وإنما دفاعا عن نظام دق في نعشه الإسفين الأكبر.
لشبيحة مواقع التواصل الاجتماعي مهمة أخرى وهي تحضير الضحية ووضعها على المذبح كي يعمل بها ساطور شبيحة الشارع. وهي عملية تكررت كثيرا وتبدأ في تناول شخصية معارضة - ليس من الضرورة أن تكون متشددة في معارضتها إذ يكفي أن تطالب بما وعد به الرئيس، ولكن القاعدة أن تكون وطنيا وتستوعب أن الرئيس لابد له أن يتقدم ببعض الوعود في خطاباته فلاداعي لأن تكون خائنا وتطالب الرئيس بتنفيذها- تتناول هذه الشخصية وتبدأ بالتحريض عليها بتهم العمالة والخيانة والاصطفاف إلى جانب «المؤامرة الكونية» ضد سوريا مما يمهد الطريق ويعطي المسوغ لشبيحة الشارع أن ينزلوا في هذا الشخص أبشع أنواع العقاب الجسدي والمعنوي.أو ينفي التهمة عن نفسه عن طريق الإعراب عن تقديسه للسيد الرئيس وأمنيت في أن يخسر حياته وحياة أولاده مقابل أن يستمر حكم الرئيس للأبد ناسين أنه لا شىء للأبد حتى ولو كان الحاكم محترما ومنتخبا، ناهيك عن كونه مغتصبا لكرسي الحكم. أو هناك خيار آخر وهو أن يشتم الشخص المعني الرائحة وينفي نفسه قبل أن تضيق الحلقة على رقبته. لكن لهذا الخيار محاذيره وهو أنك لا تستطيع أن تهرب مع كامل أهلك وعائلتك بل ستترك وراءك ابنا أو أما أو أختا من المحتمل أن يتحولوا إلى رهينة لهم إلى أن تصلح وضعك وتمسح خطيئتك.
هؤلاء يسميهم الشارع السوري شبيحة الفيس بوك وهم الفيلق الأخ لشبيحة المظاهرات كل يلعب دوره في القتل سواء الجسدي أو المعنوي أو النفسي وألقيت مهمة تمويلهم المرهقة على رجال الأعمال الذين اخترعهم النظام، ومنِّ عليهم بنعمة السماح بنهب الدولة والشعب السوري فجمعوا المليارات في سنوات قليلة. لكن تكلفة تمويلهم الباهظة بدأت تستنزف أرصدتهم وسمعتهم أيضا لأن السر بدأ يتفشى وبدأت أسماؤهم تتداول في الشارع السوري، ولا شك إن سارت الأمور باتجاه المحاسبة على الجرائم المرتكبة فستكون أسماؤهم في قوائم المطلوبين بتهمة تمويل عصابات إجرامية قتلت السوريين. لقد بدأوا بإدراك ذلك، لذلك يستقتلون دفاعا عن النظام الذي سيحميهم من المحاسبة ولو أن بعضهم بدأ يعرب عن تذمره سراً.
الأخطر من هذا وذاك أن وجود الشبيحة المسلحين وجها لوجه أمام المتظاهرين العزل وممارستهم القتل، كما تثبت وقائع الأشهر الأولى أزكى الحاجة وأعطى المبرر كي يتسلح قسم من الشارع المعارض مما دفع الأمور في اتجاهات عنيفة يشك المراقبون أن تكون تحت سيطرة أحد.
طبعا النظام يعتبر المسلحين مظهرا جليا للمؤامرة على سوريا ولكنه لا يعتبر ولم يعتبر يوما أن الشبيحة مظهرا جليا لدموية النظام وتفكيره العنفي العصاباتي الذي لا ينتمي إلى مفهوم الحكم المؤسسي حتى ولو كان شموليا، بل ينتمي إلى نوع من البربرية العصاباتية التي تتعارض مع مفهوم الدولة حتى في أسوء تعريفاتها ومظاهرها وأشكالها.
ويبقى السؤال الكبير وهو لو انتصر النظام أو لو حدث الحوار المأمول مع المعارضة وتم الاتفاق على الانتقال بسوريا إلى دولة ديمقراطية مدنية وحتى لو نجح بشار الأسد في انتخاباتها الأولى وعاد رئيسا للجمهورية وانتهت مهمة الشبيحة هل سيستطيع أن يعيد تمثيل المسرحية فيعيد الشبيحة إلى حظائرها؟.المراقبون عن كثب للواقع السوري يشكون في ذلك. لأن جيش الشبيحة الجرارهذا يجاهر علنا بأنه هو من يحمي النظام من السقوط، وأن الرئيس نفسه إن بقي فهو مدين لهم ببقائه وعليه بأي حق سيجرؤ على إيقافهم وإخضاعهم للسيطرة ليس بالضرورة سيطرة القانون بل حتى سيطرته الشخصية.الوحش قد يأبي هذه المرة العودة للحظيرة وقد يعض في النهاية مربيه.
أما إذا سقط النظام فستتحول هذه العصابات الإجرامية على الأغلب إلى جماعات «ثورية» مسلحة تقاوم المؤامرة على سوريا بقتل شعبها.
وفي كل الأحوال هؤلاء أحدثوا جرحا غائرا في الجسد السوري سيبقى نازفا لزمن طويل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.