عبد الرحيم رجب عزيزي القارئ كيف تعصي من كان سببًا في وجودك بالحياة؟! وكيف لا تستحي ممن رزقك فأطعمك وسقاك؟! فكيف لا تستحي ممن شفاك وآواك؟! وكيف لا تستحي ممن ملك الكون وجعلك سيدًا عليه وأغدق عليك نعمه ظاهرة وباطنه؟! فكيف لا تستحي من أن تعصيه بنعمه الذي خولك عليها؟! فالحياء من الله ألا يراك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، ويكون الحياء من الله بمقابلة نِعَمِه بالشكر، وأوامره بالطاعة والامتثال، ونواهيه بالترك والاجتناب، فالمسلم الحقّ يستحيي من ربِّه أن يراه مقيمًا على معصيةٍ أو ذنب، وإذا فعلها خجل من الله خجلًا شديدًا، ولا يسعه إلا أن يعود سريعًا إلى حظيرة خالقه طلبًا للعفو والغفران، فالمسلم الحقّ هو من تأدَّب مع الله -عز وجل- واستحى منه؛ فيشكر جميل نِعَم الله عليه ظاهرة وباطنه، ولا يجحد فضل الله وينكره، وإنما يمتلئ قلبه خوفًا منه -تعالى- توقيرًا ومهابة وتعظيمًا وإجلالًا؛ لأنه يعلم أن الله مُطَّلع عليه في جميع أحواله. وها هو ذا نبينا الكريم –صلوات الله عليه- يُوصِي أحد أصحابه، فيقول: "أُوصيك أن تستحيي من الله -عزَّ وجلَّ- كما تستحيي من الرجل الصالح من قومك"، وفي موطنٍ آخر، يقول: "فاللهُ أحقُّ أن يُستَحيَا منه من الناسِ"، ولقد أرشدنا رسول الله إلى كيفية تحقق الحياء، فعن عبد الله بن مسعود، يقول: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "استحيُوا من الله حقَّ الحياء". قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحيي والحمد لله، قال: "ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء؛ أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء"، فمقصوده ألّا نُعمِل جارحةً من جوارحنا في معصية الله تعالى. ووصف الحياء –سبحانه وتعالى- بأنّه خيرُ لباسٍ للإنسان، فقال: "وَلِبَاسُ التَّقوَىَ ذَلِكَ خَيرٌ" الأعراف:26، وقال عمر عن فاقد الحياء: "مَن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومَن قلَّ ورعه مات قلبه"، وقال ذو النُّون المصري: "الحَياءُ؛ وجود الهيبة في القلب، مع وحشة ما سبق منك إلى ربِّك تعالى"، وقيل: من علامات المُستحِيي: "أن لا يُرَى بموضع يُستَحَيَا منه"، وقيل لبعض الحكماء: "ما أنفع الحياء؟ قالوا: أن تستحيي أن تسأله ما تحبُّ، وتأتي ما يَكرَه". هم والحياء.. لقد كان نبينا الكريم –صلوات الله وسلامه عليه- أشد الناس حياء، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشدّ حياءً من العذراء في خدرها"، فكان إذا كره شيئًا عرفه الصَّحابة في وجهه، ومن ذلك ما جاء عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أن امرأة سألت النبي عن غسلها من المحيض؛ فأمرها كيف تغتسل، ثم قال: خذي فرصة من مسك فتطهَّري بها. قالت: كيف أتطهر بها؟ قالت: فستر وجهه بطرف ثوبه، وقال: سبحان الله! تطهَّري بها. قالت عائشة: فاجتذبت المرأة فقلت: تتبَّعي بها أثر الدم"، وكان من شدة حياءه -صلوات الله عليه- إذا بلغة أمر يكرهه عن أحد أصحابه لا يفضحه بإعلان ذلك، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت كان النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلانٍ يقول؟ ولكن يقول: ما بالُ أقوامٍٍ يقولون كذا وكذا؟". وها هو أبو بكر الصديق يخطب في المسلمين، فيقول: "أيها الناس استحوا من الله، فوالله ما خرجت لحاجة منذ بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أريد الغائط، إلا وأنا مقنع رأسي حياء من الله تعالى"، وهذا عثمان بن عفان؛ الذي قال عنه النبي: "ألا أستحي من رجلٍ تستحي منه الملائكة"، يقول عنه الحسن البصري: "إنه ليكون في البيت والباب عليه مغلق، فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء يمنعه الحياء أن يقيم صلبه"، وها هو ابن عباس يحكي عنه عكرمة، فيقول: "إنه لم يدخل الحمام إلا وحده، وعليه ثوب صفيق". وكان يقول: "إني أستحي الله أن يراني في الحمام متجردًا". كيف نكتسب الحياء؟ وما فائدته؟ نكتسب الحياء بعدة طرقِ منها:القُرب من الله -سبحانه وتعالى- باتِّباع أوامره والبُعد عن نواهيه.باتِّباع هدي رسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم-، ومطالعة سيرته العطرة، والوقوف على شمائله الشريفة. بتقوية الإيمان وترسيخه؛ لأنّ الحياء ثمرة من ثمراته. بإلزام النفس وتدريبها على الحياء مرّة بعد مرّة؛ حتى تألفه النفس وتعتاده.بمرافقة الصالحين والاقتداء بهم، والعمل بسيرة السلف الصالح. وأما عن فوائد الحياء فهي أكثر من أن تعد وتحصى نذكر منها:ستر الله في الدنيا والآخرة للإنسان الحييّ.يفوز الحييّ بالوَقَار والهيبة ومحبة الناس.الحَياءُ يمنع صاحبه من الوقوع في الفواحش والرذائل. الحَياءُ يدفع صاحبه بالتَّحلي بكل جميل، وترك كل قبيح.الحَياءُ؛ الأصل في كل شعب الإيمان.