موعد صرف الضمان الاجتماعي المطور لشهر نوفمبر 2024    النفط يخسر 7% في أسبوع بسبب الصين وتوترات الشرق الأوسط    جيش الاحتلال يعلن اعتراض صواريخ أطلقت من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل    عاجل- وفاة يحيى السنوار تفتح باب التساؤلات: من هو الخليفة الذي سيقود حماس في المعركة القادمة؟    فلسطين.. طائرات الاحتلال تقصف منزلًا لعائلة "شناعة" في مخيم المغازي وسط قطاع غزة    عاجل - مباراة النصر ضد الشباب: فوز صعب وتعزيز للموقع في دوري روشن السعودي    مواجهات الجولة الثالثة بدوري المحترفين.. الموعد والقنوات الناقلة    ترتيب مجموعتي القاهرة بعد انتهاء مواجهات الجولة الثانية.. النصر والإنتاج يتصدران    «الأهلي مش بيدلع ويطبطب».. تعليق مثير من إبراهيم سعيد على جلسة محمد رمضان مع بيرسي تاو    موعد مباراة أرسنال ضد بورنموث في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    إجراء تحليل مخدرات للسائق المتسبب في دهس شخصين بكورنيش حلوان    لم يُبعد عينه عنها.. نظرات حب ورومانسية تامر عاشور مع زوجته نانسي في حفل الأوبرا    خلي بالك من النظافة.. 10 صفات فى النساء ينفر منها الرجال    8 نصائح لتغيير شخصية طفلك الخجول    عمرو أديب عن واقعة الكلب على قمة الهرم: نازل كإنه بيتحرك في حقل برسيم    رهاب الطيران..6 طرق للتغلب عليها    نور الدين يتحدث عن التعديلات الجديدة.. محاضرة أندية السوبر.. وإسناد النهائي لأمين عمر    قفزة خيالية في أسعار الذهب اليوم السبت في مصر.. عيار 21 يسجل أرقاما غير مسبوقة    تطابق ال«DNA» لجثة مجهول مع شقيقه بعد 30 يومًا من العثور عليها بالتبين    أكتوبر يرفع الراية الحمراء.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد تُناشد: «توخوا الحذر»    أشرف عبد الغني: الرؤية العبقرية للرئيس السيسي حاضرة وقوية وتدرك المتغيرات    ارتفاع سعر الحديد وتراجع الأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 19 أكتوبر 2024    أسعار السمك والكابوريا بالأسواق اليوم السبت 19 أكتوبر 2024    جميل عفيفي: تطابق بين وجهات النظر المصرية والسعودية في كل قضايا المنطقة    انتصار وظهور أول.. عمر فايد يشارك في فوز بيرتشوت على أندرلخت بالدوري البلجيكي    فرانكفورت يحسم الجدل حول بيع عمر مرموش في الشتاء    وزير الخارجية: مصر ليست ضد حق دول حوض النيل في التنمية    31 أكتوبر.. انطلاق مهرجان القاهرة الدولي لموسيقى الجاز    رئيسة وزراء إيطاليا تعتزم إجراء محادثات مع «نتنياهو» بعد زيارتها للبنان والأردن    نقابة الصحفيين تنعى يحيى السنوار: اغتيال قادة المقاومة لن يُوقف النضال ضد الاحتلال    منها الإغماء المفاجئ.. حسام موافي يكشف علامات التهاب البنكرياس (فيديو)    إصابة شرطي سقط من قطار بمحطة البدرشين    5 مصابين في حادث سيارة ملاكي أعلى "بنها الحر"    حبس عاطلين لسرقتهم المنازل بالزيتون    التعليم التبادلى    مئات الزوار يتوافدون على ضريح إبراهيم الدسوقي للاحتفال بذكرى مولده -صور وفيديو    إجازات الجنود خدعت العدو.. ومازلت أشم رائحة النصر    وزير الخارجية: مصر حذرت في وقت مبكر من خطورة اتساع رقعة الصراع في المنطقة    أحمد الطاهري: كلمة مصر تعني الحكمة والعقل والقوة.. والزمن لاطالما يثبت صحتها وصدقها    وزير السياحة يبحث التعاون مع رئيس شركة صينية كبرى في شغيل وإدارة البواخر    حميد الشاعري ينعى الشاعر أحمد علي موسى    وزير الخارجية: مصر ليس لديها مشكلة مع دول حوض النيل باستثناء إثيوبيا    زيادة المرتبات وساعات حضور أقل| مفاجآت بمشروع قانون العمل الجديد يناقشها البرلمان    بهذه الكلمات.. رامي صبري ينعى وفاة الشاعر أحمد علي موسى    جامعة دمياط تحتل المركز الرابع محليا في تصنيف تايمز    باستخدام تقنية ثلاثية الأبعاد.. جراحة متطورة تعيد الشكل الطبيعي لجمجمة فتاة    الصحة: جراحة متطورة تعيد الشكل الطبيعي لجمجمة فتاة باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد    ضبط 239 سلاحًا ناريًا ومئات المخالفات.. الداخلية تشن حملة أمنية بالمحافظات    ماذا نصنع إذا عميت أبصاركم؟.. خطيب الجامع الأزهر: تحريم الخمر ثابت في القرآن والسنة    الأمين العام لحلف الناتو يعلن أن الناتو سيعزز تواجده على الحدود الروسية    عالم أزهري: الإسلام تصدى لظاهرة التنمر في الكتاب والسنة    دعاء الشهداء.. «اللهم ارحمهم وجميع المسلمين واجعل الجنة دارهم»    غير صحيحة شرعًا.. الإفتاء تحذر من مقولة: "مال أبونا لا يذهب للغريب"    تحرير 21 محضرًا ضد مخابز مخالفة في 3 مراكز بكفر الشيخ    بث مباشر.. نقل شعائر صلاة الجمعة من الحرمين الشريفين    ارتفاع أسعار مواد البناء: زيادة ملحوظة في الأسمنت والحديد    وزير الصحة والسكان يؤكد أهمية تقييم التكنولوجيا الطبية في تعزيز الوضع الصحي    أسعار الذهب اليوم 18-10-2024 في مصر.. كم يسجل عيار 21؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاشية الرئيس (3)
نشر في الأهرام العربي يوم 23 - 06 - 2012

لأننا عشنا عقودا طويلة فى مجتمع مغلق، بمعنى أنه مجتمع يفتقد أجواء المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص والاحتكام لأصحاب الكفاءة والخبرة، لا أصحاب الثقة فى تولى المناصب العامة ذات التأثير فى مختلف مجالات الحياة، فقد انتشر مصطلح «الشلة» كإحدى آليات إدارة الحكم وصناعة القرار، ويقصد به تلك المجموعة قليلة العدد اللصيقة بصاحب القرار نتيجة ارتباطات شخصية محضة كالزمالة فى الدراسة أو العمل أو النادى، أو الشراكة فى مشروع ما أو القرابة الاجتماعية أو الانحياز الطبقى السافر..
وكان ذلك من علامات التخلف الصارخة المناهضة للتحديث والحياة المدنية الصحيحة، حيث الاحتكام فقط للقانون والمساواة بين الجميع و الكفاءة على مستوى القدرات المؤهلة لقيادة العمل الوطنى. وحيث تعطلت كثيرا أسباب التحول من التخلف إلى النهضة أو التحديث، ومن أبرزها تفعيل الديمقراطية قولا وفعلا، فقد جرت العادة على اللجوء إلى آلية «الشلة» كأداة فى يد صانع القرار لإدارة العمل الوطنى فى هذا المجال أو ذاك. وظل مقياس النجاح أو الفشل منوطا بنوعية هذه الشلة، إذا حسنت تحقق قدر من النجاح، وإذا فسدت كان الفشل. وكثيرا ما سمعنا وأدركنا أن «الشلة» هى الآلية الحقيقية لإدارة الحكم فى فترات زمنية مختلفة خلال عصور كل من عبدالناصر والسادات ومبارك، بما رسخ الانطباع بأنها قدر مكتوب على هذه الأمة طالما هى غير جاهزة للحياة الديمقراطية السليمة.
ولا يخفى أن البلاد شهدت إنجازات وفق هذه الآلية، وكان القول الشائع فى كل مرة إنه ما كان لهذه الإنجازات أن تتحقق إلا بوجود الشلة المرتبطة بتحقيقها، بما أشاع تصوراً مؤداه أن آلية الشلة فى حد ذاتها ليست عيبا أو انحرافا عن متطلبات تحقيق النهضة، فالأمر يتوقف على نوعية أعضائها وقوة تلاحمهم مع القيادة فى العمل على إنجاح أهداف هذه المرحلة أو تلك من مراحل العمل الوطنى. وكان هذا واضحا إلى حد كبير فى أداء مؤسستين بالغتى الأهمية، هما مؤسسة الرئاسة والحكومة أو السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء). ففيما يتعلق بمؤسسة الرئاسة عرفنا ما يسمى بمراكز القوى، حيث اعتمد عبدالناصر على شلة بعينها من المقربين إليه، وثق فيهم لأسباب مختلفة شخصية فى مجملها وليست موضوعية، منها مجموعة عبدالحكيم عامر فى وقت من الأوقات، ومجموعة على صبرى فى وقت آخر، ومجموعة عثمان أحمد عثمان فى عصر السادات، ومجموعة صفوت الشريف وزكريا عزمى فى عصر مبارك. وكانت مهمة هؤلاء ضمان السيطرة السياسية والأمنية للرئيس على مقاليد الأمور فى البلاد. وفيما يتعلق بمؤسسة مجلس الوزراء فكثيرا ما كان رئيس الوزراء فى أى عصر من العصور الثلاثة يأتى بأصدقائه ومعارفه إلى تشكيل الوزارة فى القطاعات غير السيادية بالطبع. وكانت مهمة هؤلاء هى تنفيذ سياسات بعينها تسعى إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعى والتقدم الاقتصادى، أو بالأحرى حسن إدارة دولاب الحكم فى البلاد. ومع أن الرؤساء الثلاثة استعانوا بشخصيات مهمة، وعلى درجة عالية من الكفاء فى شئون السلطة التنفيذية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، القيسونى فى عصر عبدالناصر، وممدوح سالم وفؤاد محيى الدين فى عصر السادات، وعاطف صدقى فى عصر مبارك، فإن هؤلاء اعتمدوا نفس الآلية، أى تشكيل حكومات من شخصيات يصدق عليها وصف «الشلة»، وتجلت مهارة أى منهم فى ضم عناصر تتسم بقدر من الكفاءة وفى نفس الوقت ينطبق عليها معيار الشلة وفلسفتها، أى توافر الثقة.
إلا أن التجربة التاريخية أكدت بكل وضوح أنه برغم ما يمكن أن يطلق من تبريرات للاعتماد على هذه الآلية، وأوجه الدفاع عن صحتها لإدارة شئون الحكم، فإن أخطاءها وسلبياتها كانت شديدة الوضوح أيضا، وقاد الاعتماد عليها إلى كوارث سياسية لا يمكن إنكارها، كما تقول لنا التجربة التاريخية بوضوح: إن العصور الثلاثة شهدت تحركات مضادة من قمة الحكم للسيطرة على الشلة وتصحيح مسارها، لكنها كلها أيضا لم تكن موفقة، فكانت النتيجة العامة هى، أن الحكم أصبح ساحة للصراع فى أعلاه وفاقدا للشرعية فى قواعده. لقد قادت مجموعة عبدالحكيم عامر البلاد إلى هزيمة 1967، فأطاح بها عبدالناصر وجاء بمجموعة جديدة لم يسترح لها السادات فيما بعد وأطاح بها أيضا. واستشعر عبدالناصر القلق من مراكز القوى السياسية التى أحاطت به خلال الستينيات، فأقام التنظيم الطليعى (تنظيم سرى) لكبح جماح هذه القوى، وبدوره أصبح هذا التنظيم عبئا على النظام، واضطر السادات إلى الثورة عليه فيما يعرف بثورة 15 مايو 1971. وأدرك مبارك فى بداية عصره خطر الشلة ومراكز القوى فسعى إلى تخليص قمة الحكم منها بأن يكون هو وحدة صاحب القرار، ولكن طول استمراره فى الحكم وترهل حكمه فتحا الباب واسعا أمام أسوأ أنواع الشلل التى عرفها النظام السياسى المصرى، أدارها بخبث شديد كل من صفوت الشريف وزكريا عزمى، ومن التف حول كل منهما، إلى أن أنشأ جمال مبارك شلته منذ عام 2002، تحت ما يسمى بالفكر الجديد، فكانت هذه الشلة الوباء الذى أتى على مبارك وعصره تماما..
ولأن السمكة تفسد من رأسها، فإن الوطن المصرى فسد بدوره نتيجة سيطرة مفهوم الشلة على الحكم والصراع الذى دب بين تكويناتها وأعضائها المختلفين، فمن المنطقى أن تفسد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، طالما أن رأس الحكم أصبح فاسدا نتيجة اعتمادها لهذه الآلية لإدارة العمل الوطنى، ودلالة ذلك أن «الشلة» لم تعد محصورة (قبل ثورة 25 يناير) فى أهل الحكم بل امتدت لتنتشر فى أوساط العمل الوطنى الأخرى، حيث وجدناها فى النوادى والجمعيات والأحزاب والجهاز الإدارى للدولة، وصولا إلى الإعلام مقروءا كان أم مسموعا. ومن المنطقى أن يتصارع المواطنون مع بعضهم بعضا فى أى قطاع من هذه القطاعات طالما أن المبدأ السائد هو «حكم الشلة»، فمثلما هناك من يلتفون حول القيادة أيا يكن مستواها لتحقيق مصالحهم الذاتية، هناك آخرون يتوعدونهم بالانتقام ويبحثون عن كل الوسائل لاحتلال نفس المواقع، فإما تنحصر المواجهة بين الجميع ضد الجميع فى الشكل الصريح والسافر للصراع، أو تستتر وتصبح مقاومة سلبية وهى السمة التى كانت غالبة إلى حد كبير على العلاقة بين القوى المتنافسة فى المجتمع فى أى مجال من مجالات العمل الوطنى خصوصا فى ظل الخوف من بطش الأجهزة الأمنية والسياسية الحاكمة. وفى ظل هذه الحالة لا ينتظر خير من المجتمع ككل، بل الانقسام والصراع والتشتت والسلبية فتكون النتيجة هى المزيد من التخلف والعودة إلى الوراء وهو ما حدث عمليا طوال السنوات العشر تقريبا التى اتضح فيها بجلاء فساد رأس الحكم. وكان من المنتظر أن تؤدى ثورة 25 يناير إلى وضع نهاية لهذا الوباء المسمى بالشلة لكنها لم تتمكن تماما من هذا الهدف نظرا لحداثة العهد بها واحتياجها إلى وقت طويل لتغيير بنية النظام السياسى بأكملها، أو لشدة تعقيد هذه الظاهرة وتجذرها فى المجتمع والحاجة إلى ثورة ثقافية تطهر العقول والنفوس منها، وتلك مهمة تالية للثورة تأتى بعد أولوياتها السياسية المباشرة. وبرغم ذلك فإن الشواهد تؤكد أن البلاد لن تعود إلى الوراء، حيث هناك تأكيدات من مختلف القوى السياسية بعد الثورة على ترسيخ مفهوم دولة المؤسسات من أعلى قمة هرم السلطة إلى القاعدة، والأهم هناك وعى شعبى قوى يتصاعد يوما بعد الآخر بالعمل على القطيعة التامة مع ميراث الماضى الفاسد الذى من أبرز معالمه الشلة أو بطانة السوء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.