مسئول سابق بالبنتاجون توقع الإطاحة بأردوغان علي يد الجيش منذ ثلاثة أشهر - الجيش التركي سارع بتكذيب التقارير الغربية التي استبقت الانقلاب بشهور
- فورين أفيرز نشرت تقريراً الشهر قبل الماضي بعنوان: انقلاب وشيك ضد أردوغان
قبل أن تحلق الطائرات الحربية والمروحيات في سماء أنقرة، وينتشر الجنود والدبابات في الأماكن الحيوية بمدينة اسنطبول في ليلة الجمعة 15 يوليو، انطلقت الإرهاصات الأولي لتلك المحاولة الانقلابية الفاشلة محلقة في الفضاء الإعلامي الغربي وبالتحديد الصحافة الأمريكية في ربيع هذا العام عبر تقارير تحدثت صراحة وبشكل مباشر عن احتمالات الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان علي يد الجيش الذي سارع من جانبه لنفي هذا الاحتمال، ولكن ما كان احتمالاً أضحي حقيقة مؤكدة لم تلبث أن تحولت إلي واقعة فاشلة بين عشية وضحاها، ويبقي السؤال هل صدرت تلك التقارير الإعلامية الغربية المبكرة بناء علي معلومات أم تنبؤات؟ التنقيب عن مصدر تلك التقارير وأرباب الأقلام التي كتبتها يقودنا إلي الشك بأنها ليست نابعة عن مجرد أهواء وآراء لأصحابها، فتقرير مجلة "نيوزويك " الأمريكية الذي اجتذب عدد كبير من القراء وأثار ضجة واسعة وجاء تحت عنوان "هل ستشهد تركيا انقلابا ضد أردوغان؟" وبتاريخ 24 من مارس الماضي، نُشر أولا في الموقع التابع لمعهد "أمريكان إنتربرايز" بواشنطن الشهير بكونه معبرا عن تيار المحافظين الجدد والأهم من ذلك أن كاتبه هو الباحث مايكل روبين، المسئول السابق بالبنتاجون، والمهتم بالشأن التركي والإيراني وقد عبر عن اعتقاده بوجود فرص نجاح أمام هذا الانقلاب تتجسد في حزمة عوامل خارجية وداخلية، فعلي الصعيد الدولي نجد الولاياتالمتحدةالأمريكية غارقة في تفاعلات الحملة الانتخابية والرئيس الأمريكي باراك أوباما لن يُقدم سوي عبارات التوبيخ لقادة الانقلاب، لا سيما أنه بات في مرحلة "البطة العرجاء". ومن المرجح أن تصدر بعض الانتقادات من جانب المرشحين للرئاسة الأمريكية إلا أنهم سيتعاونون مع النظام الجديد خصوصاً إذا سارع بإعلان احترامه للديمقراطية. ومن غير المتوقع أن يحظى أردوغان بتعاطف الرأي العام الأمريكي أو الأوروبي بل ربما يتقبلون محاكمته بتهمة الفساد وسوف تتبدد آماله ويتبخر دعم أنصاره له ليجد نفسه في مواجهة المصير ذاته الذي حاصر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. ولن تتأثر عضوية تركيا بحلف شمال الأطلنطي جراء الانقلاب، فالسوابق التاريخية تؤكد ذلك واليونان خير نموذج في هذا الصدد. وعلي الصعيد الداخلي حسبما ورد في التقرير المشار إليه ثمة عوامل ضعف تغذي فرص نجاح هذا الانقلاب تتأرجح بين الشق الأمني والاقتصادي الذي يشهد تدهورا حادا لتراجع عائدات السياحة وانخفاض قيمة الليرة التركية، الأمر الذي أثر سلباً على القدرة الشرائية للمواطن التركي. وقد يسعى قادة الانقلاب لمغازلة الغرب ومحاولة كسب تأييد ودعم جماعات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني عبر تبنى حزمة قرارات وإجراءات تهدف إلي تحقيق الديمقراطية وحرية الرأي. وأقر عدد من الأتراك ومسئولين في الجيش التركي، بأن أردوغان يجر البلاد إلى حافة الهاوية وإلى مسار لا مجال فيه للانتصار، لا بل يفسح المجال لتقسيم فعلي. و قد سارع الجيش التركي بنفي نيته تنفيذ انقلاب للإطاحة برئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بشكل قاطع، وقالت هيئة أركان الجيش التركي في تصريح غير اعتيادي نُشر على موقعها الإلكتروني "الانضباط والطاعة غير المشروطة، وخط قيادي واحد هي أساس القوات المسلحة التركية ولا يمكن الحديث عن خطوة غير شرعية تأتي من خارج هيكلية القيادة أو تعرضها إلى الخطر ". ولم يحدد الجيش المعلومات الصحافية التي كان يرد عليها، لكنه وعد بخطوات قضائية ضد أي جهة تصدر معلومات "غير صحيحة ". السيناريو المحكم الذي رسمه المسئول السابق بوزارة الدفاع الأمريكية شاهده العالم مساء الجمعة 15 من يوليو وإن كانت بعض الأحداث قد خرجت عن النص غير قليلا ولم يُلاق توقعه الأساسي نجاحا جماهيريا. سيناريو آخر ربما كان أقل حظا من الشهرة مقارنة بتقرير "النيوزويك " ولكنه أكثر ثراء وعمقا طرحته مجلة " فورين أفيرز" الأمريكية بنهاية مايو الماضي جاء تحت عنوان "انقلاب وشيك بتركيا" لافتا النظر إلي أن الباعث الأساسي لهذا الاحتمال هو توسيع صلاحيات الجنرالات ومستعرضا تاريخ المؤسسة العسكرية التركية ومراحل العلاقة بينها وبين أردوغان لافتا النظر إلي أن بعض عناصر الدائرة المقربة من أردوغان أعربوا عن مخاوفهم من أنه بات يمتطى نمرا ويلعب بالنار مع الجنرالات في مخاطرة غير مأمونة العواقب فقد أعطي أردوغان الضوء الأخضر للجيش أو "شيكاً علي بياض" لمواجهة الأكراد وهو بذلك يلعب بالنار وينسف ما قام به من جهود سابقة لتقليم أظافر المؤسسة العسكرية، وقد بدأت العلاقة بينهما تشهد تحسنا ملحوظا ولكن من غير المتوقع أن يستمر شهر العسل طويلا، ويبدو أن أردوغان قد أخطأ في حساباته باعتبار الجيش يمكن أن يكون حليفا محتملا وبأنه بذلك يضرب عدة عصافير بحجر واحد. وخلُص التقرير إلي أن شبح الانقلاب وإن كان لا يلوح في سماوات انقرة الآن إلا أنه غير مستبعد تماما والمسألة الكردية هي التي سوف ترسم مسار العلاقة بين السلطان التركي والجنرالات بل وتحدد دور الجيش في السياسة مستقبلا. وسواء انتهت تلك التقارير الغربية بتأكيد أو نفي فرضية الإطاحة بأردوغان علي يد الجيش، فالمثير للدهشة مناقشة الأمر في حد ذاته لدرجة أن صحيفة "وول ستريت جورنال" أشارت بدورها في تقرير لها عن تنامي نفوذ المؤسسة العسكرية نُشر منذ نحو الشهرين إلي أن استعادة الجيش لنفوذه وتصاعد دوره ثانية دفع إلي السطح بشائعات حول احتمالات سعيه للقيام بانقلاب ضد أردوغان الأمر الذي لقي أصداء بالمؤتمرات الصحفية لدرجة أن مراسلا صحفيا تركيا سأل الأميرال جون كيربي الناطق باسم الخارجية الأمريكية والذي سبق له العمل كمتحدث باسم البنتاجون "هل تخطط الولاياتالمتحدةالأمريكية لإسقاط نظام أردوغان؟" فرد عليه الأميرال كيربي بسؤال استنكاري مكررا ما قاله وأضاف قائلا " هذا ادعاء واتهام سخيف لا يستحق إجابة ". لكن صحيفة "وول ستريت جورنال " علقت علي تلك الإجابة بأنها لم تخفف من وتيرة الشائعات التي تدور ماكينتها علي قدم وساق داخل أروقة الرئاسة حول احتمالات الإطاحة بأردوغان علي يد الجيش. هل تعكس تلك التحليلات المبكرة رؤية استباقية للأحداث وكأنها قراءة في كف الدولة التركية أم أنها تكشف جانبا خفيا للمشهد الخاطف كالبرق الذي اجتاح أنقرة ليلة 15 من يوليو؟!