أحمد السماحي كامل الشناوي: نجاة لا تغني لكن تؤدي صلاة فيها طهارة وإغراء!
إحسان عبدالقدوس: أخشى أن تفسد « أيظن» شعر نزار قباني ويكتب الشعر بعد ذلك كما يريده عبدالوهاب!
بيرم التونسي: كنت أتمنى أن تلحن لنزار الموهوب قصيدة أخرى بدلا من هذه القصيدة غير اللائقة!
يوسف إدريس: الجمهور أثبت أن الفن وحده الذى يحركه، وليس الإثارة
يحيي حقي: اللحن يصاحب القصيدة فى رحلة إلى أعماق المرأة
نعمان عاشور: في اللحن نغم حزين لا يتناسب مع رنة التفاؤل فى ختام القصيدة!
لم يسبق أن استقبلت الجماهير أغنية كما استقبلت قصيدة « أيظن» كلمات نزار قباني، ألحان محمد عبدالوهاب، وغناء نجاة، فهذه القصيدة حققت نجاحا كبيرا، وأثارت جدلا أكبر، واعترض البعض على كلمات في القصيدة مثل كلمة « زهور» لأنها ليست عربية، حيث يقال فى اللغة العربية « أزهار» و« أزاهير» و» زهرات»، واستدعت كلمة «فساتيني» سجالا لغويا واسعا في صحف « المساء» و« المصور»، و« الجمهورية»، وتساءل البعض هل يصح إقحام كلمة إفرنجية فى قصيدة عربية؟ أما «أثوابي» فبها تستقيم اللغة وينضبط الوزن ولا ينقص المعنى؟ لكن ماذا عن « الافتراض اللغوي» ألا يحق للشاعر أن يستعير كلمة من اللغة الفرنسية مادام استخدمها بيسر وفن؟ ومن قال إن كلمة «فساتيني» فرنسية أصلا! فلا أحد يعلم من أين أتت هذه الكلمة ولا كيف تسللت إلى لغتنا الدارجة، ثم طالب حماة اللغة العربية عبدالوهاب باستبدال كلمة «فساتيني» بكلمة أخرى، لكنه رفض قائلا: «إنها قصيدة مودرن وضع كلماتها شاعر عصري». أما كيف رقصت هذه الفساتين؟ ولماذا رقصت على قدميه وليس على قدميها، فلم يستطع أحد أن يجيب، بل ولقد ذهبت الآراء فى تفسير هذا البيت إلى مالا تسمح به الإذاعة أو غيرها، وفى لقائها الأول كما جاء فى فصل «أيظن» فى كتاب « نجاة الصغيرة»، سألت نجاة الشاعر نزار قباني ماذا تعني بالضبط فى هذا البيت؟ فأجابها: وبماذا فسرته أنت؟! فسرته بأن الحبيبة فرحت بعودة حبيبها فلبست له الفساتين التى كانت قد أهملتها فى غيابه، والرقص هنا ليس إلا تحية وانحناءة من الفساتين عند قدمي الحبيب، ويستكمل نزار لها الإجابة فيقول: إن الأشياء التى تحيط بنا تستمد حياتها من وجودنا، عندما نكون سعداء تزدهر وتفرح، وحينما يتركنا حبيبنا يستحيل كل شىء إلى موت، إلى رماد، ومع عودة الحبيب تستيقظ كل الأشياء التى كانت تحيا بوجوده، ومنها الفساتين. وكلمة «فساتين» التى استفزت البعض أصبحت جزءا من الجميلات اللاتي نحبهن، ولكل فنان له ثقة بنفسه، أن يضع اللفظة التى يراها مناسبة فى المكان المناسب، على أن يتوافر الشرط الجمالي بلفظة، ثم إن كلمة «فساتيني» أقرب إلى الذهن لأن المرأة تقول «فساتيني»، ولا تقول « ثوبي». ولما سئل هل صحيح أنه يصور فى قصيدة «أيظن» حكايته مع الكاتبة كوليت خوري، وأن كوليت أيضا تصور حكايتهما معا في قصتها «أيام معه»، أكد نزار قباني أنه ليس بطل القصة ولا القصيدة، وأضاف إننا فى الشرق نربط الأشخاص بالعمل الفني، وهذا لا يمكن أن يكون صحيحا دائما، فقصيدة «أيظن» تحكي قصة صديقة حقيقية صحيح، لكنها ليست قصتي. ولم يتوقف الجدل والأحاديث عند ذلك فقد كتب عن القصيدة كبار الشعراء والكتاب والموسيقيين في مجلات «الكواكب» و«الإذاعة والتليفزيون» و«آخر ساعة»، فكتب كامل الشناوي قائلا: لقد سمعت نجاة كثيرا وهى تغني، ولكن ما سمعته اليوم ليس صوتا ينبعث من حنجرة، إنه طيف صوت، ضوء مسموع، نغمة تؤدي نغمة، نبرة إلهية تحول كل أذن إلى محراب، إنها لا تغني ولكن تؤدي صلاة رشيقة فيها طهارة وتقوى وإغراء». أما الكاتب يوسف إدريس فقال: نجاة ارتفعت إلى المستوى الذى يصبح فيه الغناء نوعا من التصوف الانفعالي، والجمهور أثبت أن الفن وحده الذى يحركه، وكنت أحس بتصفيقاته المرعدة، كأنها الصفعات تنهال على وجوه من أرادوا أن يشوهوه ويدعوا كذبا أنه لا ينفعل إلا بالإثارة». ويقول صلاح عبدالصبور: كان الوهم السائد أن الأغنية الشعبية هى التى تكتب بلغة هابطة ويعتمد لحنها على نوع من الإيقاع الرتيب، لكن أغنية نجاة الصغيرة ونزار قباني فضحت هذا الوهم، وأصبحت أغنية شعبية بعد إذاعتها بدقائق. ويشيد يحيي حقي بالقصيدة فيكتب: أعجبتنى جدا قصيدة «أيظن»، من حيث الكلمات والألحان والأداء، وأعتقد أن اللحن يصاحب القصيدة فى رحلة إلى أعماق المرأة، ولما قالت نجاة « ما أحلى الرجوع إليه» نقلت الموسيقى إلى أذنى قمة الفرحة والنشوة. وانتقد المسرحى الكبير نعمان عاشور العمل فقال: برغم الضجة التى صاحبت «أيظن»، لكن الأذواق تختلف وبعض المتذوقين، وأنا منهم، يقولون إن في اللحن نغماً حزيناً لا يتناسب مع رنة التفاؤل التى تغمر ختام القصيدة. ووصف الشاعر محمود بيرم التونسي العمل بالزفة، وقال « الزفة» التى فعلت كل هذا، ونزار شاعر موهوب وله في ذاكرتي أبيات أخرى كنت أتمنى أن تلحن بدلا من هذه القصيدة غير اللائقة سواء فى الوزن أم القافية أم فى المعنى». وكان للكاتب حلمي سلام رأى مغاير لكل الآراء قال فيه: الذين يتصورون أن جمهورنا لا يتذوق إلا « نار يا حبيبي نار» يظلمونه ظلما كبيرا، فقد أثبت مع «أيظن» أنه جمهور فنان لا ينقصه الحس ولا الذوق، إنما ينقصه الذين يقدمون له ما يشبع حسه وذوقه». وعبر الكاتب إبراهيم الورداني عن إعجابه بالقصيدة وقال: برغم هجوم البعض على «أيظن»، لكن الأغنية الآن تنفذ كالهواء المصفي من نوافذ البيوت، إنها شىء شهي، فيه طرب، وشوق وواقعية. واعتبر الموسيقار مدحت عاصم القصيدة مجرد أغنية عاطفية فقال: أيظن مجرد أغنية عاطفية حزينة جودت نجاة الصغيرة أداءها، وحاول فيها عبدالوهاب أن يرسم معالم شخصيته الأصيلة بعيدا عن نزعة الاقتباس، وأرضت كلماتها السامعين، لما في معانيها مما يرضي كبرياء الرجل، وما يشبع غريزة الخضوع عند الأنثى. أما الموسيقار محمود الشريف فيقول: لحن «أيظن» ليس هو أروع ألحان عبدالوهاب، والضجة الغريبة التى أثيرت، ولم تترك للناس فرصة الحكم الصادق الصادر عن فهم وتفكير، وأصدق ما يقال فى أغنية « أيظن» إنها نجحت قبل أن تكتمل ولادتها، وكان نجاحها بالعافية! وهكذا تكثر الأحاديث التى تتناول القصيدة، كما تجري العديد من الصحف وبرامج الإذاعة حوارات مع نزار أثناء وجوده في القاهرة بعد إذاعة القصيدة بشهور قليلة، ويخشى الكاتب إحسان عبدالقدوس على الشاعر الموهوب من أن تفسد شهرة الأغنية شعره ويكتب فى مجلة روزاليوسف: «أخشى على نزار من الشهرة العريضة التى حققتها أغنيته الأولى في مصر، ويكتب الشعر بعد ذلك كما يريده عبدالوهاب لا كما تنطبق به طبيعته الفنية، وكثيرون من الشعراء أفسدتهم الأغاني، كما أفسدت السينما كثيرين من كتاب القصة وهل يتعين على كل شاعر أن يصبح مؤلف أغانى قبل أن يحظى من الصحف والإذاعة بالاهتمام والتقدير، وقبل أن يبحث القراء عن دواوينه بالمكتبات؟ لقد ظل نزار ينظم الشعر خلال عشرين عاما، وصدرت له خمسة دواوين من دون أن يحظى من الشهرة بما حظي به بعد أن غنت له نجاة قصيدة «أيظن»، لهذا نزار حزين!». ويرد نزار على إحسان فيقول: نعم حزين لأنى لست شاعر أغنية، ولقد أمضيت عشرين عاما من حياتي أكتب الشعر لوجه الشعر ولا أريد أن تكون «أيظن» بطاقة تحقيق شخصية يعرفني الناس من خلالها وهذه هى مأسأتي!!