أثار رعب واشنطن وتل أبيب.. من هو إبراهيم عقيل الذي اغتالته إسرائيل؟    وزير الخارجية: تقسيم السودان خط أحمر، وقضية مياه النيل حياة أو موت، وخسائرنا بسبب انخفاض عائدات قناة السويس 6 مليارات دولار، لا بد لإسرائيل أن تنسحب من رفح ومحور فيلادلفيا    موعد الشباب ضد التعاون في دوري روشن السعودي والقنوات الناقلة    حدث ليلا.. تطورات جديدة بشأن حزب الله وإسرائيل والحرب على غزة (فيديو)    موعد مباراة يوفنتوس ضد نابولي في الدوري الإيطالي والقنوات الناقلة    عاجل.. فيفا يعلن منافسة الأهلي على 3 بطولات قارية في كأس إنتركونتيننتال    موعد انكسار الموجة الحارة وتوقعات حالة الطقس.. متى تسقط الأمطار؟    حبس متهم مفصول من الطريقة التيجانية بعد اتهامه بالتحرش بسيدة    رسميا.. رابط الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية ل الصف الثاني الابتدائي    مدحت العدل يوجه رسالة لجماهير الزمالك.. ماذا قال؟    فلسطين.. شهيد وعدة إصابات جراء قصف الاحتلال لمنزل في خان يونس    ضبط 12شخصا من بينهم 3 مصابين في مشاجرتين بالبلينا وجهينة بسوهاج    عمرو أديب: بعض مشايخ الصوفية غير أسوياء و ليس لهم علاقة بالدين    هل يؤثر خفض الفائدة الأمريكية على أسعار الذهب في مصر؟    فصل التيار الكهرباء عن ديرب نجم بالشرقية لأعمال الصيانة    النيابة تأمر بإخلاء سبيل خديجة خالد ووالدتها بعد حبس صلاح التيجاني    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    أرباح أكثر.. أدوات جديدة من يوتيوب لصناع المحتوى    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    هاني فرحات: جمهور البحرين ذواق للطرب الأصيل.. وأنغام في قمة العطاء الفني    وفاة والدة اللواء محمود توفيق وزير الداخلية    موعد إجازة 6 أكتوبر 2024 للموظفين والمدارس (9 أيام عطلات رسمية الشهر المقبل)    عاجل - رياح وسحب كثيفة تضرب عدة محافظات في العراق وسط تساؤلات حول تأجيل الدراسة    "حزب الله" يستهدف مرتفع أبو دجاج الإسرائيلي بقذائف المدفعية ويدمر دبابة ميركافا    وزير الخارجية: الجهد المصري مع قطر والولايات المتحدة لن يتوقف ونعمل على حقن دماء الفلسطينيين    محامي يكشف مفاجآت في قضية اتهام صلاح التيجاني بالتحرش    مواصفات فورد برونكو سبورت 2025    في احتفالية كبرى.. نادي الفيوم يكرم 150 من المتفوقين الأوائل| صور    الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تعزى وزير الداخلية فى وفاة والدته    عبد المنعم على دكة البدلاء| نيس يحقق فوزا كاسحًا على سانت إيتيان ب8 أهداف نظيفة    مواصفات هاتف Realme P2 Pro الجديد ببطارية كبيرة 5200 مللي أمبير وسعر مميز    ملف يلا كورة.. تأهل الزمالك.. رمز فرعوني بدرع الدوري.. وإنتركونتيننتال في قطر    نائب محافظ المركزي المصري يعقد لقاءات مع أكثر من 35 مؤسسة مالية عالمية لاستعراض نجاحات السياسة النقدية.. فيديو وصور    صرف فروقات الرواتب للعسكريين 2024 بأمر ملكي احتفاءً باليوم الوطني السعودي 94    حفل للأطفال الأيتام بقرية طحانوب| الأمهات: أطفالنا ينتظرونه بفارغ الصبر.. ويؤكدون: بهجة لقلوب صغيرة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    وصلت بطعنات نافذة.. إنقاذ مريضة من الموت المحقق بمستشفى جامعة القناة    بدائل متاحة «على أد الإيد»| «ساندوتش المدرسة».. بسعر أقل وفائدة أكثر    ضائقة مادية.. توقعات برج الحمل اليوم 21 سبتمبر 2024    وزير الثقافة بافتتاح ملتقى «أولادنا» لفنون ذوي القدرات الخاصة: سندعم المبدعين    أول ظهور لأحمد سعد وعلياء بسيوني معًا من حفل زفاف نجل بسمة وهبة    راجعين.. أول رد من شوبير على تعاقده مع قناة الأهلي    إسرائيل تغتال الأبرياء بسلاح التجويع.. مستقبل «مقبض» للقضية الفلسطينية    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على وحدة السودان وسلامته الإقليمية    بعد قرار الفيدرالي الأمريكي.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    مستشفى قنا العام تسجل "صفر" فى قوائم انتظار القسطرة القلبية لأول مرة    عمرو أديب يطالب الحكومة بالكشف عن أسباب المرض الغامض في أسوان    تعليم الفيوم ينهي استعداداته لاستقبال رياض أطفال المحافظة.. صور    أخبار × 24 ساعة.. انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    حريق يلتهم 4 منازل بساقلتة في سوهاج    انقطاع الكهرباء عن مدينة جمصة 5 ساعات بسبب أعمال صيانه اليوم    تعليم الإسكندرية يشارك في حفل تخرج الدفعة 54 بكلية التربية    ريم البارودي تنسحب من مسلسل «جوما» بطولة ميرفت أمين (تفاصيل)    أكثر شيوعًا لدى كبار السن، أسباب وأعراض إعتام عدسة العين    أوقاف الفيوم تفتتح أربعة مساجد اليوم الجمعة بعد الإحلال والتجديد    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    الإفتاء: مشاهدة مقاطع قراءة القرآن الكريم مصحوبة بالموسيقى أو الترويج لها محرم شرعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حياة نزار (6).. نزار فى حديث إذاعى نادر مع الإعلامية الكبيرة أمينة صبرى: علاقتى بأمى خاصة وحميمية واستمرت ترضعنى حتى السابعة!
نشر في الأهرام العربي يوم 10 - 06 - 2016


اكتشف الحوار وأعده للنشر: أحمد السماحى
يوجد أستاذ فى علم النفس وهو ناقد أيضا بدأ يطبق علم النفس على شعرى فقال: «إن سر استعمال نزار قبانى لكلمة النهد بسبب استمرار فترة رضاعته إلى سن السبع سنوات»!

منزل أهلى الملىء بالألوان والخضرة ساعد لغتى كثيرا، لدرجة أننى قلت إننى أكتب بلغة مائية، لغة الماء، هذه الطراوة وهذا المدى فى شعرى قد يكون عائدا لهذا البيت

كنت على وشك أن أتحول إلى رسام لكننى كنت سأكون رساما متوسطا وأنا طموحى أن أكون الأول فى كل شىء!

ركزت هجومى على الرجل باعتبار أنه لا يمكن أن تتحرر المرأة إلا بتحرر الرجل أولا الرجل العبد لا يستطيع أن يعطى الحرية للمرأة، ولكن أعترف بأن المرأة خذلتنى فى هذه المعركة!

الكتابة عن المرأة هى قتال بالسلاح الأبيض، وأنا دافعت عن سجن النساء الكبير، وحطمت أقفال هذه السجون، لأنى أعتبر أن الرجل يجب أن تقص أظافره لأنه إقطاعى كبير!

فى رحلة بحرية لروما كتبت لأول مرة الشعر، حيث جاءنى فجأة بيت شعر، فشعرت بالخوف عليه من أن يقع منى فى البحر وتلتهمه الأسماك، فكتبته!

أكتب لأغير العالم، لكن العالم الذى من حولى لا يقبل أى صوت جديد وأحارب بسبب ذلك.. تصورى واحداً يحارب لأنه رسم لوحة مثلا أو كتب قصيدة حب جميلة!

نقلت عملية الحب من دهاليز السرية إلى الهواء الطلق عندما كتبت قصيدة «أيظن»، وبعد أن كتبتها قالوا لى إننى تسببت فى إعادة علاقة الحب بينهما !

تعتبر أمينة صبرى واحدة من مذيعات الإذاعة التى شكلت بصوتها وبرامجها وثقافتها وجدان وعقول أجيال مختلفة من الشباب المحب للثقافة والفن، من أهم تلك البرامج برنامجها الشهير «حديث الذكريات» الذى يذاع أسبوعيا فى إذاعة صوت العرب، وفى إحدى حلقات هذا البرنامج استضافت الشاعر الكبير نزار قباني.
عن ظروف هذا اللقاء تقول أمينة صبرى ل « الأهرام العربي»: فى عام 1987 كان الشاعر الراحل فى زيارة للقاهرة، أعتقد لكنى لست متأكدة أنه كان ضيفا على معرض القاهرة الدولى للكتاب، ويومها كلمته تليفونيا بدون سابق معرفة بيننا لإجراء حوار للبرنامج والحقيقة أنه كان لطيفا وودودا جدا، ورحب باللقاء، وفى الموعد المحدد كنت هناك، وبدأنا الحوار، وبعد المقدمة التى قلتها عنه فى بداية البرنامج طلب أن يتوقف التسجيل! فاندهشت جدا وسألته لماذا طلبت وقف التسجيل؟! فقال بهدوء وحب وعرفان :لأنك يا سيدتى فاجأتنى بالمقدمة التى تحدثت فيها عني، هذه المقدمة لا أستطيع أنا نفسى أن أقولها!
وبعد انتهاء الحوار قال لي: « فى حياتى لم يناقشنى أحد فى شعرى وأعمالى حتى الآن كما حدث معك»، وأهدانى أعماله الكاملة وكتب لى عليها: « إلى الصديقة الراقية العزيزة أمينة صبري، إعجابا برقتها وشاعريتها وحضارتها فى طرح الأسئلة».

فى البداية قدمت أمينة شاعرنا قائلة: إنه عازف الموسيقى فى شعرنا العربى الحديث، المدافع عن قضية الجمال والحب، هو الشاعر الذى يمشى دائما على حد الخنجر، شاعر الدهشة والمصادفة، هو الوردة حينما يتحدث عن الحب والجمال، وهو السيف عندما يتحدث عن النضال، وهو الفنان المتمرد والمتصادم عندما يحارب الجمود والتقليدية، هو أكثر شعراء العربية الذى واجه حروبا شرسة فى عصرنا الحديث اختلفت فيه الآراء ما بين معجب إلى حد الموت والآخر رافض إلى حد الموت أيضا.

وأنا أقابل شاعرنا الكبير نزار قبانى وأنا أتناول مجموعات شعره وحياته.. فلابد لى من الخوض فى بداية تكوينه كشاعر وكإنسان.. فإذا تطرقت معه إلى الطفولة.. وإذا تصورنا إننى الآن فى لقاء مع السيدة والدتك فماذا ستقول والدتك عن نزار قبانى الطفل؟
علاقتى مع أمى علاقة طريفة جدا.. كنت طفلها المدلل، وكنت الطفل ذا الحظوة من بين كل إخوتى، كنت صاحب الامتيازات بالمنزل، هى كانت تخبئ لى أطيب وأشهى الأطعمة، تخصنى عن بقية إخوتى حتى أحصل على نصيب أكبر من نصيب إخوتي، علاقتى بأمى علاقة خطيرة، فأنا أمى أرضعتنى حتى سن السابعة، وقد تعلقت بها وتعلقت بصدرها فاستمرت ترضعنى حتى سن السابعة وهو سن مغالى فى طفولة، ثم كانت تطعمنى حتى سن الثالثة عشرة بيدها، فهذه العلاقة جعلتنى مرتبطا بها جدا ومرتبطا بذكرياتى معها، حتى إنهم قالوا عنى إننى لدى عقدة أوديب!.
فأنا عاشق لأمى وكذلك أمى عاشقة لي، وسوف أبوح لك بسر، يوجد أستاذ فى علم النفس وهو ناقد أيضا بدأ يطبق علم النفس على شعرى فقال: «إن سر استعمال نزار قبانى لكلمة النهد هو على استمرار فترة رضاعته إلى سن السبع سنوات، وأنا بدأت أفكر فى هذا الموضوع وقلت ربما يكون ما يقوله صحيحاً.

لكن السؤال هنا لماذا ميزتك الوالدة عن باقى إخوتك.. ماذا وجدت فيك مختلفا جعلها تخصك بكل هذا الحنان؟
لا أدري.. لا أدري..، لكن كل ما أعرفه إنه كان هناك سر بينى وبينها، علاقة حميمة جدا، واستمرت حتى بعد أن تخرجت فى الجامعة، وعملت بالسلك الدبلوماسي، وذهبت إلى لندن كانت ترسل لى طرودا من الطعام الشامي، مثل الكبيبة الشامي، برغم اعتراض أبى ومحاولة إفهامها أن لندن مليئة بالأطعمة، لكنها تأبى إلا أن آكل من يديها هى.

شاعرنا الأستاذ نزار قبانى لابد، وأن مكان نشأتك له تأثير عليك وأقصد بذلك المنزل الذى نشأت به.. وأنا أتصور من خلال معرفتى بشعرك بأنك نشأت فى منزل دمشقى أصيل يمتلئ بالخضرة والياسمين واللذين نراهما كثيرا فى شعرك؟
هذا سؤال مهم جدا.. فأنا نشأت كما استنتجت فى منزل دمشقى أصيل.. فمنزل الأسرة كان فى حى من أحياء دمشق القديمة يسمى «مئذنة الشحم» والبيوت الشامية القديمة من أجمل البيوت من حيث فن المعمار العربي، فهو يتألف من طابقين الطابق الأرضى عبارة عن باحة مكشوفة مصنوعة من الرخام والأعمدة الرخامية التى يتسلق عليها جميع أنواع الياسمين الأبيض، والورد الأحمر، وفيها شجر الليمون، وبوسط الباحة توجد نافورة ماء نقى ليل نهار، فى هذا الإطار نشأت فكنت كأننى أعيش فى حديقة من حدائق الأزهار، وأمى كانت حرفتها أن تنبت الزهور، فكل هدفها فى الحياة هو تربيتنا وتربى معنا الورد، نشأنا على صداقة مع الزهوروالورد والرياحين فكنت فى طفولتى كأننى أنام على سجادة من العطر.
هذا البيت حقق لى نوعا من الاكتفاء الذاتي، فلم يكن يخطر ببالى أن أطلع خارج البيت لكى ألعب مع باقى الأطفال، أعطانى هذا البيت المادة الأولية للشعر دون أن أدرى.

هل بدأت ملكة الشعر عندك تظهر وسط هذا السيمفونية من الخضرة وهذه السجادة من العطر أى فى وسط هذا المنزل الدمشقى الجميل؟
لا بدأت أشياء فنية أخرى مثل الرسم، الرسم كان أول مرحلة فنية لي، فكنت مولعا بشكل عنيف بالألوان، فكنت أصبغ الجدران بالألوان، لدرجة أن أمى ضجت منى على محبتها الشديدة لي، وخصصت لى حجرة لكى أفعل بها ما أشاء، ففترة اللون فى حياتى كانت فترة مهمة جدا، فصار لى لوحات وصرت أرسم، كنت على وشك أن أتحول إلى رسام لكننى كنت سأكون رساما متوسطا وأنا طموحى أن أكون الأول فى كل شىء.

السؤال الذى يلح على الآن هو متى إذن بدأ الشعر عند شاعرنا نزار قباني؟
فى عام 1939 كان عمرى ستة عشر عاما، وكنت فى رحلة بحرية إلى روما مع المدرسة، وأنا واقف على ظهر السفينة أشاهد الأمواج والأسماك والدرافيل وهى تقفز حول الباخرة، جاءنى فجأة بيت شعر، شعرت بالخوف عليه من أن يقع منى فى البحر وتلتهمه الأسماك، لكننى فوجئت بالبيت الشعرى الثاني، ثم الثالث والرابع وهكذا،. فنزلت سريعا إلى القمرة وكتبت هذه الأبيات حتى لا أنساها ولكى لا تضيع، وأخفيت هذه الأشعار عن أصدقائى لكى لا يسخروا مني. ونمت فى هذه الليلة لأول مرة فى حياتى يوم 15 أغسطس عام 1939 (شاعراً للمرة الأولى واستيقظت شاعرا أيضاً).

هل تتذكر هذه الأبيات الأولى التى جعلت منك شاعرا لأول مرة؟
أبدا ولكنى كنت مثل العصفور الذى جاءت على باله أغنية أداها وانتهت المسألة.

ألم تضم هذه الأبيات لأى ديوان من دواوينك؟
لا لم يحدث.. فقد كانت بدايات مبكرة جداً.

شاعرنا نزار قباني.. لقد التحقت بكلية الحقوق لدراسة القانون فلماذا اخترت هذه الدراسة؟
لا أدرى لماذا اخترت هذه الدراسة رغم أننى لم أمارس العمل القانونى إطلاقا، ولم أمارس قضية الدفاع فى حياتى إلا عن قضية واحدة هى قضية المرأة.

عموما هذه القضية وهى قضية دفاعك عن المرأة كانت سببا فى فتح نيران الجحيم عليك فقد حوربت كثيرا بسبب تمسكك بالدفاع عن المرأة العربية؟
أنا أرى أن الكتابة عن المرأة هى قتال بالسلاح الأبيض، فهى معركة تاريخية لأن المرأة مظلومة مضطهدة، أنا دافعت عن سجن النساء الكبير، أنا محطم أقفال هذه السجون طبعا يوجد آخرون سبقونى فى الدفاع عن قضية المرأة، لكن لا يوجد أحد دافع وقاتل بالشراسة التى قاتلت بها للدفاع عن المرأة، لأنى أعتبر أن الرجل يجب أن تقص أظافره لأنه إقطاعى كبير، أنانى كبير، متسلط كبير، إنه يريد أن يحتفظ لنفسه بكل السلطات يريد أن يدرس الطب، أن يشرع القوانين، يريد.. يريد لدرجة أن المرأة كان لا يسمح لها قديما بأن تقرأ، وإلى يومنا هذا توجد بعض مجتمعات فى عالمنا العربى لا يسمح للمرأة فيها بالتعليم، الرجل يريد أن يمارس الثقافة على حساب المرأة، والمرأة لا وجود لها، فهى عبارة عن أداة، عن كرسي، عن سجادة تباع وتشترى، أما الصلة الإنسانية بين الرجل والمرأة كانت علاقة مريضة، وكانت علاقة قمعية تشبه العلاقة بين السجان والسجين فكان لابد أن أخوض هذه المعركة.

وكيف ذلك؟ ولماذا خذلتك المرأة وأنت تدافع عنها؟
لأن المرأة مستريحة بهذا الوضع التاريخي، فطالما يوجد رجل بجانبها يعمل ويكد ويكافح ويعطيها الأموال لكى تنفقها فهى مستريحة بهذا الوضع، وإذا نظرنا مثلا للمرأة الأوروبية نجدها تكافح وتجتهد مثلها مثل الرجل، وتشارك الرجل فعليا فى تحمل عبء الحياة، أما نساؤنا فيردن جميعا أن يكن أميرات، أو يتزوجن من أمراء، وأن يقدم لهن المن والسلوى على صوان من فضة، وهذا الوضع لا يستقيم.

أستاذ نزار لنبتعد قليلا عن هذه المرارة التى تشعر بها إزاء قضية المرأة ونتحدث عن أعمالك الشعرية، أريد أن نتحدث عن ديوانك الأول ، «قالت لى السمراء» وردود فعل أول ديوان شعرى لك عند الناس؟
أصدرت هذا الديوان بدمشق 1944 وبمصروفى الخاص الذى كنت أتلقاه من والدتي، وهوجمت وقتها هجوما شديدا بعد صدور ديوانى هذا، وكنت وقتها مازلت شاباً صغيرا فى الصف الثانى بكلية الحقوق، وكان عودى لا يزال غضا لا يستطيع التصرف إزاء هذا الهجوم، نشرت 300 نسخة، وكان صوت «بودليري» شبه الشاعر الفرنسى بودلير والذى له كتاب خطير جدا باسم «أزهار الشر»، «قالت لى السمراء» كان صرخة لغوية وأيضا صرخة فى مضمونه، كان مختلفا جدا عن الشعر الشائع، صرخة بمواضيع كانت محرمة، الحب كان عملية ممنوعة فى المدن المتجمدة، مع أن الحب هو نعمة يضعها الله فى صدورنا.

أستاذ نزار قلت إن الفن الذى لا يقوم على المصادمة لا تعتبره فنا.. وإنك وصلت بشعرك إلى حد الكي؟
أنا لا أؤمن بالحلول الوسط، لا فى الحب ولا فى السياسة ولا بالحياة ولا بالمواجهة، لا يوجد وسط فى الحب، إما أن نرمى أنفسنا فى البحر أو فى النار أو نبتعد، وأنا لا أؤمن بفن يمالئ مجتمعنا ملىء بالبشاعات والعاهات والعقد، فأنا إذا صمت على الخرافات التى تسود المجتمع أصبح على الفور جزءا من الخرافة.

أنت تكتب لكى تغير العالم من حولك.. وأنت والحمد لله تمتعنا بكتابتك فهل شعرت بأنك بالفعل غيرت العالم من حولك؟
نعم أنا غيرت كثيرا جدا، أنا زحزحت أحجارا كثيرة، المرأة اليوم تستطيع مثلا أن تقرأ شعرى جهارا نهارا، أما مع بداية كتابتى للشعر كنت أعرف بعض الآباء كانوا يحبسون بناتهم إذا قرأن شعري، أما الآن فتدخل الفتاة إلى أى مكتبة تطلب دواوينى أو ربما يأتى بها والدها إليها، أنا نقلت عملية الحب من دهاليز السرية إلى الهواء الطلق، عندما كتبت قصيدة «أيظن» التى غنتها نجاة من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب، بعد أن كتبتها قال لى بعض الناس إننى تسببت فى إعادة علاقة الحب بينهما بعد سماع وقراءة هذه القصيدة، عندما قلت (ورجعت ما أحلى الرجوع إليه).

ديوانك الثانى (طفولة نهد) نشرته فى القاهرة فى نهاية الأربعينيات عندما كنت تعمل كدبلوماسى لسوريا فى مصر فى أول عمل دبلوماسى لك؟
كانت القاهرة عبارة عن عرس ثقافي، كانت عاصمة العالم العربى ثقافيا مثل باريس التى تعتبر عاصمة أوروبا الثقافية، كانت القاهرة شيئا خطيرا بالنسبة لى وأنا استفدت كثيرا من وجودى بالقاهرة، علمتنى أشياء كثيرة، وتجدين آثار القاهرة منطبعة على ديوانى (طفولة نهد) كنت أكثر حرية فى هذا الديوان، فالقاهرة أعطتنى حرية أكبر من حريتى بدمشق، وعندما ذهبت إلى لندن وأصدرت ديوان (قصائد) كان أيضا خطوة متقدمة عن ديوان طفولة نهد لأن لندن كانت بالطبع أكثر حرية من القاهرة.

على ذكر لندن والقاهرة، المتتبع لشعرك يلحظ أيضاً تأثير إسبانيا عليك خاصة فى قصيدة (غرناطة
أنا عشت فى إسبانيا فترتين من فترات عملى الدبلوماسى كانت إسبانيا تجربة خطيرة بالنسبة لي، لأن إسبانيا نصفها عربى ونصفها إسباني، فكنت أمشى على سجادة التاريخ والطبيعة الأندلسية تشبه كثيرا الطبيعة العربية، الحب الإسبانى يشبه الحب العربي، العواطف الحنان، المرأة، خوف المرأة وحنانها مثل المرأة العربية، واللغة الإسبانية لغة متوترة، والرقص الإسبانى رقص متوتر، فالراقصة تنزف وهى ترقص، وكذلك مصارع الثيران ينزف وهو يصارع الثيران، علمتنى إسبانيا أو زادت إسبانيا قناعتى برفض الحل الوسط.

مسألة الدهشة التى تريدها من متلقى شعرك هل تتعمدها؟ وهل تكون فى ذهنك وفكرك وأنت تنظم الشعر؟
طبعا من تجربتى وقراءاتى الكبيرة فى الشعر، أنا أعرف ما قيل فى الشعر من قبلي، فأنا أعرف ديوان الشعر العربى كله، وعندما أكتب الشعر دائما ما أسأل نفسي، هل سبقنى أحد إلى هذا القول فإذا كان الجواب نعم رميته فى سلة المهملات، أما إذا كان الجواب لا أثبته، ولذلك فأنا كل قصيدة أكتبها تثير زوابع وحرائق لأنى أصدم عواطف الناس وقناعاتهم الراكدة.

ألا ترى معى أن الناس أو القراء بالنسبة لنزار قبانى نوعان، إما معجب بشعرك إلى حد الموت أو كاره لشعرك إلى حد الموت؟
نعم هذا حقيقي، أنا سعيد بهذا الوضع، أنا لا أحب الطقس المعتدل، أحب دائما الزوابع، أحب الرياح التى تعصف، لا أحب البحر الهادئ الذى يوصف من شدة هدوئه بأنه مثل الزيت، كيف يكون البحر مثل الزيت، هل نحن بصدد تناول طبق سلاطة مثلا: مفروض أن يحدث الشاعر زلزالا، والقصيدة زلزال، وأريد أن أقول لك شيئا عجيبا، الذين يكرهوننى هم أكثر الناس حفظا لأشعاري!، فأنا أفاجأ بأن أكثر الناس هجوما على، أفاجأ بهم يحفظون شعرى أكثر مني، وهذا هو النفاق، فنحن مزدوجو الشخصية ولا نقر بالحقيقة.

أنت ذكرت الآن قصيدتك السرية الشهيرة (هوامش على دفتر النكسة) والمتتبع لشعرك يشعر بأنه حدث منعطف كبير فى شعرك بعد نكسة 5 يونيو- حزيران 1967.. حتى عندما كتبت الحب بعد ذلك كتبته بشكل مختلف؟
ومن منا لم يحدث له منعطفات بعد النكسة ولو تتذكرين قصيدة (بلقيس) التى رثيت فيها زوجتي، لم تكن قصيدة (رثاء) بالمعنى المألوف، كانت «مانفستو» سياسياً!، أنا ما رثيت بلقيس بالقصيدة بل رثيت العرب قاتلى بلقيس، ولم يقتل بلقيس سوى الخلافات العربية،. لذلك ليس لدى مواقف على ضفة النهر إما أن أغرق بالبحر أو أن أبحث عن عمل آخر، «بالشعر لا يوجد سير فى الأمان.. من الحائط للحائط».

نتوقف مرة أخرى عند قصيدة هوامش على دفتر النكسة.. ونقول إن هذه القصيدة كانت تتضمن إدانة للعالم العربى وفى نفس الوقت إدانة لك أنت ذاتك.. فقبل النكسة واسمح لى .. كان البعض يصفونك بأنك شاعر عابث لا تعبأ بشىء جاد فى الحياة.. فقضيتك فقط هى المرأة والحب؟!.
إنهم لم يصفونى بأننى شاعر عابث فقط، ياليتهم فعلوا ذلك فقط، ولكنهم قالوا إننى كنت سببا من أسباب النكسة، فلماذا أبكى الوطن، تصوري: إلى أى حد وصل بهم الحقد على وكان يوجد بيتان بالقصيدة التى أحدثت دويا كبيرا وذلك عندما قلت: «يا وطنى الحزين حولتنى بلحظة من شاعر يكتب شعر الحب والحنين لشاعر يكتب بالسكين».

بمناسبة هذين البيتين هل أنت من الشعراء الذين يحفظون شعرهم؟
لا فأنا ضد الذاكرة الشعرية، أنا لا ذاكرة شعرية لى وأنا فخور بذلك لماذا؟ ماذا تعنى الذاكرة الشعرية؟ تعنى أن يكون فى مخ الإنسان مسجل، آلة تسجيل وكل ما يطلب أحد أن يسمع أى قصيدة كتبت مثلا من عشر سنوات، على الفور تفتح آلة التسجيل ونسمع القصيدة، أنا أعتبر هذا نوعا من الوقوف على الأطلال أنا أعترف لك بشىء، أنا أكره أن أسمع شعرى لأنى أكره الوقوف عند نقطة ما فى الماضي، فإذا حفظت قصيدة كتبتها منذ عشر سنوات فهذا معناه أننى توقفت، ولم أتقدم منذ عشر سنوات، فى حين أنا أرمى ورائى تاريخى الشعري، وأبحث عن القصيدة التى لم تكتب، القصيدة التى لم تكتب أهم عندى من القصيدة التى كتبت، أنا أحيانا أكتب القصيدة فى الصباح ويصعب على أن أرددها فى المساء، ممكن أن أتلو شعرى من ورق لكن لا أثق بذاكرتى الشعرية.

ولكن ألست معى فى أن شعرك يضاف إليه أبعاد ومعان كثيرة وبهجة وتألق عندما تقرأه أنت على الناس؟
أنا أعتبر أن إلقاء الشعر هو نصف الشعر أو ثلاثة أرباعه فالشاعر الذى يلقى إلقاء رديئا لشعره يغتال القصيدة، لذلك أنصح الشعراء الذين لا يجيدون قراءة شعرهم أن يعطوا شعرهم لغيرهم لإلقائه، وهذا ليس بعيب، فأمير الشعراء كان لا يجيد إلقاء شعره، لذلك كان يعطى الشاعر كامل الشناوى قصائده لكى يلقيها بدلا منه، لأنه كان صاحب صوت جميل وطريقة إلقاء أجمل.

ما رأيك فى غناء القصائد.. وهل تحب ذلك وتوافق عليه.. وهل تجد أن غناء القصائد يعطى القصيدة انتشارا كبيرا من مجرد كونها قصيدة داخل ديوان فى كتاب.. وهل كل شعر يصلح أن يغنى؟
فى الحقيقة أن يغنى شعرى كان نصرا لي، فغناء شعرى فتح لى مساحات شاسعة ومخيفة فى العالم العربي، والكتاب الشعرى الذى تنشر فيه القصائد يوزع مثلا نحو خمسة آلاف نسخة، لكن وقت أن يتحول الشعر لأغنية يذهب إلى نحو مائتى مليون عربي، والقارئ العربى ثبت أنه يقرأ بأذنيه وليس بعينيه، كانت أول قصيدة غنيت لى قصيدة (أيظن) التى غنتها نجاة ولحنها الموسيقار عبد الوهاب أحدثت هذه القصيدة المغناة ضجة فى العالم العربي.

ألم تفكر فى كتابة مسرح شعري؟
لا والله لم أفكر فى ذلك، وقد سألنى الأديب الكبير د. يوسف إدريس لماذا لا أكتب مسرحا شعريا، فقلت له إن الشعر شىء مختلف تماما عن المسرح، فالمسرح فن آخر، علم آخر، وأنا حين لا أجيد فن وعلم المسرح أتهيب الخوض فيه، ووافقنى على ذلك د. يوسف إدريس، يجب على الشاعر أن يدرس المسرح حتى يستطيع أن يمسرح قصائده.

سؤال أخير أستاذ نزار.. أنت نظريتك فى الفن والأدب والشعر بصفة خاصة هى أن الشعر هو فن الدهشة والمصادمة.. فبعد هذا العمر من إحداث الدهشة ومن إحداث المصادمات وتلقى الهجوم الشرس العنيف الجارف عليك.. هل تعبت من كثرة المصادمات أم ما زلت تريد أن تصدم وتصطدم بالفكر؟
المصادمة صارت هوايتي، مثل الملاكم أو مصارع الثيران فمهنته الأساسية هى أن يقتل أو يقتل، وبالعكس فلو فرض على أن أستقيل من المصادمة أو من مصارعة الثيران فسأموت فورا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.