سهير عبد الحميد الجزائريون حصدوا أهم الجوائز فى مجال الثقافة العربية أبرزهم أحلام مستغانمى وواسينى الأعرج
التعديلات الدستورية جعلت الثقافة حقا لكل مواطن
"بوابة الجزائر" ضمان لحفظ تراثنا الشعبي وتعريف العالم به
إنتاجنا الثقافي يتمتع بهامش واسع من الحريات والمبدع يتحمل مسئوليته أمام القارىء
"هذه سطور عن صحفي جزائري شاب طاردنى فى الأرض ووجدنى فى السماء " كانت تلك السطور بعضا مما كتبه الأديب القدير يوسف إدريس عن صحفى شاب أراد ان يقتنص حوارا معه، فلحق به إلى الطائرة المتجهة للقاهرة وخبأ بطاريات جهاز الكاسيت فى جواربه وأجرى معه حوارا طويلا فى الجو، بينما وصل إلى مصر وهو لا يحمل تأشيرة فإذا بمسئول الأمن يخبره أنه أول جزائري يطبق عليه قرار إلغاء التأشيرة الذي صدر بالأمس فقط. فقال له يوسف إدريس: أنت محظوظ، هذا الصحفي الشاب أيضا كان أول جزائري يجرى حوارا مع نجيب محفوظ، فقد وقف على بابه فى «مؤسسة الأهرام» مع الكثير من الصحفيين لكن أديب نوبل ما إن علم بأنه جزائري حتى طلب منه الجلوس إليه وأجرى معه الشاب حوارا مطولا تطرق كثيرا فيه إلى أنباء الثورة الجزائرية. لم يكن هذا الصحفي الشاب سوى عز الدين ميهوبي وزير الثقافة الجزائري المعروف فى الأوساط العربية، ليس فقط كوزير بل كمثقف وأديب له ثقله ومؤلفاته الشعرية والروائية والأوبريتات المختلفة. وقد نال ميهوبي عدة جوائز عن إنتاجه الأدبي. فى لقائى السابق معه فى قسنطينة، طلبت منه أن نجرى حوارا فرحب. وأجرينا الحوار فى لقائنا الثاني بمقر وزارته فى الجزائر العاصمة.. وكان الحوار كالتالي : هناك صورة ذهنية نمطية سائدة في الشارع المصري توصف بها الثقافة الجزائرية بأنها فرانكفونية فكرا ومضمونا. فكيف تري تلك الصورة فى ظل الواقع الثقافي الجزائري الراهن؟ هذه صورة نمطية تكرست منذ نحو خمسين عاما لم يعد لها مكان في الجزائر. الأدب الجزائري وحتى المنتج اللغوى تغير تماما. الجزائر به أكثر من ملايين للمتمدرسين فى مختلف أطوار التعليم تشكل اللغة العربية الأساس فيها. فالمنتح الثقافى الجزائري يأتي بالعربية مع وجود هامش من لغات أخرى كالأمازيغية والفرنسية. الواقع الثقافي والإبداعي يثبت أن الجزائريين حصدوا أهم الجوائز الثقافية التي تمنح علي صعيد العالم العربي. فجائزة نجيب محفوظ فازت بها أحلام مستغانمي. وجائزة فيصل العالمية د. عبد الرحمن الحاج صالح. فى حين فاز عدة جزائريين بجائزة الطيب صالح. وحاز على جائزة الشيخ زايد وسيم الأعرج الذي فاز أيضا بجائزة قطر .إلى جانب جوائز أخرى. فالجزائريون تفوقوا في مجال المنتوج الثقافي بالعربية. لذا ففكرة أن الثقافة الجزائرية فرانكفونية تم تجاوزها، ونرجو أن تتغير تلك الصورة فى الشارع العربي وبشكل خاص فى مصر لأنها بإسهاماتها الكبير تمثل امتدادا كبيرا للثقافة العربية. لا شك فى أن استيعاب التنوع الثقافي محك أساسي للنجاح. إلى أى مدى نجحتم في ذلك؟ عادة الوزارات لا تنتج ثقافة لكنها تؤمن شروط انتشار ثقافي من خلال الجانب الشتريعي والعمل على أن تكون للثقافة امتدادها فى الوسط الاجتماعي والثقافي. وتؤمن وزارة الثقافة الشروط المادية لذلك، بمعنى الهياكل والبنايات والقاعات والشرط المادى. نحن لدينا آليات دعم العمل الثقافى، خصوصا فى ظل هامش واسع من الحريات. لا توجد لجان رقابة، فالكاتب يتحمل مسئولية منتجه أمام القارىء والمتلقي. لكن هناك لجانا لتقييم الأعمال التى يتم نشرها أو إنتاجها. وفق معايير محددة وقد تتحفظ فنيا عما لا تكون له قيمة فنية. التعديلات الدستورية الأخيرة تناولت شتى مناحى الحياة، فماذا كان نصيب الثقافة منها؟ هناك تعديل مهم فى الدستور يخص الثقافة فالمادة 38 مكرر، تحدثت أن الثقافة حق مضمون لكل مواطن وهو ما يفرض علينا تبعات، أهمها البحث عن العمل الثقافى الجيد، فالمواطن له الحق فى المطالبة بمنتوج ثقافي دائم ومستمر فى كل مكان وكل مجال. الثقافة لا تختلف عن التربية والتعليم والصحة فمن حق المواطن أن تؤمن الدولة كل هذا، فالثقافة ليست شيئا استهلاكيا .بل أضحت شيئا أساسيا في حياة الأفراد. هناك امتداد لهذه المادة تتمثل في أن الدولة تحمى التراث الوطنى المادى واللامادي وحفظ ذاكرتها الوطنية، لذا علينا أن نواكب ما جاء فى الدستور من خلال مراجعة بعض القوانين. فالمواطن الآن من حقه أن يطالبنا بالثقافة "الجوارية " أى نشرها فى الأحياء البسيطة، ثم الثقافة التى يكون لها مردود اقتصادى، لذا نحن دخلنا مرحلة تشجيع المستثمر علي ولوج عالم الثقاقة من إنشاء مسارح وقاعات للسينما والثقافة السياحية. عند توليك مهام وزراة الثقافة منذ نحو العام، وصفت احتفالية "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية " ب "التحدى".. اليوم ونحن نقترب من اختتام فعالياتها، هل ترى أنها حققت المرجو منها؟ بلا شك فالجزائر خصصت ما يقارب المئة مليون دولار لأجل تلك الاحتفالية التى تستمر على مدار العام، وتتضمن عملا ثقافيا متواصلا. من أعمال للسينما ونشر الكتاب والمسرح وتم تنظيم فعاليات فنية وثقافية شاركتنا فيها وفود عربية وأجنبية، لأننا لا نتحدث عن الثقافة العربية المغلقة بل المتفتحة. وهناك برنامج لإعادة تأهيل وترميم الأحياء العتيقة وفق المعايير العلمية والاستعانة بالخبرات الأجنبية فى هذا المجال. ونظمنا ندوات تعنى بالجانب الفكرى والثقافي والتاريخ. ومؤسسة الأرشيف الوطنى أسهم بفاعلية مهمة حول دور الصحافة العربية في دعم الثورة الجزائرية "الأهرام نموذجا ". وأقول إن الثقافة في الجزائر محظوظة بوجود الرئيس المثقف بوتفليقة الداعم للثقافة الجزائرية والمتابع لحركتها. ميزانية الثقافة تضاعفت بصورة مطردة، مما مكننا من إنشاء هياكل جديدة كدور السينما والمسارح والثقافة وإعادة ترميم كثير من المعاهد الثقافية التاريخية وتفعيل حركة النشر. كما نظمت الجزائر العديد من الفاعليات الثقافية المهمة، ففي عام 2003 نظمنا فعالية الثقافة الجزائريةبفرنسا. وفى 2007 احتفالية الجزائر العاصمة عاصمة الثقافة العربية وعام 2009 أعادت الجزائر تنظيم المهرجان الثقافى الإفريقى الثانى. وفى 2011 تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، ثم عام 2015 قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، بمعنى أن الجزائر قامت بعملين غير مسبوقين عندما نظمت فاعليتين مهمتين ثقافيتين من العيار الثقيل. الجزائر بلد غنى بتنوعه الثقافي، وقد أعلنتم عن إطلاق بوابة الجزائر لتوثيق الموروث الثقافي الجزائري على الشبكة العنكبوتية ..فكيف يسير هذا المشروع؟ الجزائر بلد به تنوع ثقافي واسع، ونحن مجتمع يعيش على الذاكرة الشفهية. نحن فى حرب مع النسيان من أجل حفظ تلك الذاكرة.. حتى تاريخ الثورة لا يوجد ما كتب بشأنه سوى3000 مرجع فقط للثورة الجزائرية، فى حين كان المفترض أن تكون هناك آلاف المراجع. لكن هذا شأن الجزائري يصنع التاريخ ثم يتواضع أمامه. هناك عمل كبير تقوم به المراكز المختصة للحفظ الورقى والسمعي والبصري، هناك آلاف الشهادات دونتها وزارة المجاهدين مع من شاركوا فى ثورة التحرير. نحن نعمل علي تدوين وتوثيق الأعمال الفنية لشيوخ الموسيقي الكلاسيكية ونعيد إنتاجها بأصوات جديدة. خصوصا أنه قد ظهرت أشكال جديدة من الحركة الفنية، المسافة بدأت تبعد عما كان سائدا فى القرنين الأخيرين. الآن وبعد 10 سنوات من بدء المبادرة، انتقلنا من مرحلة التدوين والتوثيق لمرحلة عرض هذا المنتج الثقافي عبر بوابة الثقافة الجزائرية التى يرعاها السيد الرئيس شخصيا، والتى تمكن الجمهور فى الداخل والخارج للاطلاع على الموروث الثقافى، خصوصا التراثي منها. نحن نراهن على وسائل الترويج الحديثة فى التعريف أكثر بالثقافة الجزائرية. الآثار التى استولت عليها فرنسا وتلك التى تم تهريبها خارج الجزائر.. هل توجد خطوات حثيثة لاستعادتها؟ في الجزائر بلد فوق الأرض وبلدان تحت الأرض أينما حفرت حصلت على أثر . ولذا نواجه صعوبات فى إنجاز بعض المشروعات أو حفر الطرق، فأينما تم الحفر وجدنا شيئا نتيجة التراكم التاريخي منذ ماقبل النوميديين ومن جاءوا بعدهم من استعمار رومانى وبيزنطي ووندالى ووجود الممالك العربية والإسلامية، نجد صعوبة فى المسح الأثري لكننا مصرون على وضع خارطة وطنية أثرية فى هذا المجال. الخبراء الجزائريون لهم دور محمود فى عملية الاكتشافات الأثرية، وقد تم العثور أخيرا على فسيفساء النمرة وهى من النوادر وبقايا ديناصورات فى الغرب الجزائري. كما استعدنا قناع الجوجون تم العثور عليه بطريقة غريبة سينمائية فى تونس بعد أن تم تهريبه بطريقة غير قانونية. هناك قنوات نمر عبرها وفى لقاء السيد الوزير الأول مع وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة آثار موضوع استعادة الأرشيف ومدفع البابا مرزوق، وكلها تبقى جزءا من الذاكرة المهربة التى سنظل نطالب باستعادتها. تأخر دراسات الآثار فى الجزائر حتى منتصف الثمانينيات بفعل فاعل وهو المستعمر الفرنسي هل أعاق عمليات المسح الأثري وأعمال الترميم التى تقومون بها؟ نملك الآن منظومة هائلة من جامعات جزائرية تخرج المتخصصين في مجال الأثار والمجلس وطنى للآثار به خبراء متميزون فى هذا المجال ومنتشرين فى التراب الجزائري، العملية تأخرت لكننا نعمل على تدارك ما فاتنا ووضع تصور جزائري فى هذا المجال ونعمل على وجود مقاربة جزائرية. فى البدء كانت الأوراس "أول أعمالك الروائية عام 1985 ، وفى البدء تكون التنشئة ..أنت ابن مجاهد وحفيد عالم وفقيه ، فما الذي تركه ذلك فى تكوينك؟ بلا شك أنا سليل عائلة اهتمت كثيرا بالثقافة والفكر فجدى الشيخ محمد الدراجى، من أوائل أعضاء جمعية العلماء المسلمين كان طالبا فى معهد الشيخ ابن باديس للعلوم الإسلامية، ثم صار مدرسا معه قبل أن ينتقل لمنطقة الأوراس 20 عاما كمصلح ورجل يعمل على تربية المجتمع، وداعية ومن أكثر المقربين لقادة الثورة بل إنه حسب شهادة بعضهم أنه هو الذي قدم فتوى الجهاد عشية ثورة الفاتح وكان إسهامه قويا. وقد نشأ والدى على خطى أبيه وانضم إلى صفوف المجاهدين وعاش طويلا فى سجون الاحتلال الفرنسي طويلا. ونحمد الله أننا نشأنا على هذه القيم والثقافة الوطنية لا نحيد عنها قيد أنملة، وهو ما حافظ على الانسجام الجزائري وارتباط الجزائريين بثورتهم واعتزازهم بنضال شعبهم. قبل أن تكون مثقفا ، كان لك دور إعلامى وسياسي فهل حدثتنا عن تعدد مساراتك؟ مساري أننى كانت لى العديد من المسارات أولا دخلت المدرسة متأخرا كنت فى مكان لا ماء ولا هواء. درست فى الابتدائية لسويعات. المناطق المحرومة انتقمنا من الحرمان لا حقا، لأنه لم يكن لنا خيار إلا أن نتعلم. فدخلت المدرسة كبيرا، لكن الاجتهاد ومع دعم الوالد لأنه تنقل بحسب وظيفته من مدينة لأخرى هذا بقدر ما تنوع ثقافيا اجتماعيا أدى إلى تنوع ثقافي. لكنه التنوع البيئى ساعدنى أن أتعرف على الثقافات المحلية المتنوعة وارتباطى ووالدى كان يقيم مجالس علم تضم شيوخا وأئمة ومثقفين.كنت دوما أنهل منها فهذا مكننى أن أجد نفسي على تماس مباشرة من الكتاب. بدأت في الستينيات خربشات واستشعر والدى فى الكتابة وقدمنى إلى واحد من شيوخ اللغة فى الجزائر هو الشيخ موسي الأحمدى، وكان كتابه فى الفرائض والقوافي يدرس فى جامعة القاهرة. وأنا صغير بحاول يشجعنى فى بداياتى وفى نهايات عمره، كان يقدم لى نصوصه لأصححها وهذا شىء اعتزبه. حصلت على جائزة الشعر ونشرت ديوانى الأول "في البدء كانت الأوراس "1985 ودخلت مجالات المسرح والسينما ودرست الفنون الجميلة.. والصحافة. وأصبحت طالبا فى المدرسة الوطنية للإدارة والقدر دفعنى في اتجاهات. ووالدتى أطال الله فى عمرها شانا شأنها كثير من حرائر الجزائر لم تكن تقرأ ولا تكتب لكنها ملكت إرداة جعلتها وهى فوق الخامسة والستين دخلت كتاب محو الأمية بدأت تقرأ وأصبحت تقرا فى المصحف الشريف ثم الجريدة ويوم فاجأتها فى مدينة سطيف فوجدتها تقرأ روايتى لتكتشف ما يكتب ابنها عملت بالصحافة وأننى الوحيد الذي مر فى القنوات الإعلامية بدأت فى جريدة الشعب وفى التسعينيات أسست جريدة رياضية ثم طلب منى إدارة الأخبار فى التليفزيون الجزائري فى قترة صعبة ثم انتخبت فى البرلمان لأكون عضوا فى لجنة الإعلام والثقافة وفى هذه الفترة كنت أتراس اتحاد الكتاب الجزائريين ثم رئيس اتحا د الكتاب العرب لثلاث سنوات ثم مديرا الإذاعة، فأنا الوحيد الذى أخذ مسارا إعلاميا وهو لم يدخل مدرسة للإعلام لكنى كنت محترفا مسارا لم يتحقق. وأحمد الله أنى كنت أحظى بثقة الرئيس فى قطاعات حيوية بالجزائر. مساري السياسي مرتبط بمسارى الثقافى. فتتحول مع مرورا الوقت أن تأخذ السياسة منك نصيبا. أنا أخذت مسارا سياسيا آخر يصب فى خدمة الجزائر. كيف تحقق المعادلة بين دورك كمبدع ووزير؟ المسئولية ورثتها وهنا أشارك فى دوائر أدبية وثقافية كبرى، لكنى أقوم بمهامى كوزير بصورة تتسم بالانضباط والعمل الممنهج مع فريق من الكفاءات ولكن أحظى بالمشاركات وأشارك فى الأمسيات الشعرية كمدعو أو صاحب رأى، وهناك ما يقال إن للإنسان ساعتين فى حياته ساعة يعيش بها الحياة وهو العمل والقيام بمهامه وساعة يتذوق بها الحياة فى الساعة الأخرى من خلال الكتابة والمشاركة فى النشاط الثقافى.
للمزيد: منذ اندلاع الثورة وحتى الآن.. الأدب الجزائرى سفير فوق العادة انفراد.. لأول مرة فى الصحافة العربية .. «الأهرام العربي» في موقع التفجيرات النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية.. محرقة رقان وتمنراست السفير عمر أبو العيش سفير مصر بالحزائر ل«الأهرام العربى»: لا يوجد أى نوع من التنافس بين مصر و الجزائر حول المشكلة الليبية والتنسيق مستمر الوزير الأول عبد المالك سلال: الدستور الجزائرى الجديد طفرة فى مجال الحقوق والحريات