بينما السؤال الشرعى الأكبر فى مصر أم الدنيا: هل يجوز معاشرة الرجل لزوجته أمام زوجته الأخرى؟ تعطينا الجزائر الشقيقة المثل المتحضر، بنتائج انتخاباتها البرلمانية ، التى أفرزت اكتساح المرأة للبرلمان بحصولها على 148 مقعدا من بين 462...وهى النسبة الأعلى فى العالم العربى... وهو نصر كاسح يعيد الاعتبار للمرأة العربية، وللمرأة الجزائرية وفى القلب منها جميلة بوحيرد سيدة الربيع العربي. صحيح أن هذه الحصيلة أتت نتيجة تعديل قانون الانتخاب الذى فرض على الأحزاب إدراج نسبة 30 % من النساء فى قوائمها الانتخابية ومنحها المراتب الأولى بحسب النسبة التى يتحصل عليها كل حزب فى الانتخابات .. لكن القوانين التى تأتى لمناصرة المرأة – فى ظل أعراف وتقاليد تقف ضدها- خير من القوانين التى تؤكد رجعية المجتمع وتقاليده .. وحين أقول إن ذلك انتصار وفى القلب منه “جميلة بوحيرد" سيدة الربيع العربى، ويسأل السائل ما علاقة بوحيرد بالربيع؟ أذكره أن الأفكار الأساسية للثورات واحدة ، وأنها كنهر لا ينقطع وإن تعرجت مجاريه وضحلت أو قلت مياهه .. ولو لم تكن هناك الثورة الجزائرية ، ولو لم تكن هناك جميلة بوحيرد التى كانت تهتف “الجزائر أمنا" بدلا من فريضة الاستعمار “ فرنسا أمنا" لما وصلت المراة الجزائرية لما وصلت إليه .. وبالمثل لو لم تقم ثورات التحرر العربى فى القرنين الماضيين – وليس بغض النظر عن الجرائم التى ارتكبت فى حق الشعوب باسمها واسم شرعيتها – لما كان هناك ربيع عربى والذى ربما أتى لتصحيح مسار ثورات، اكتفت بالتحرر من الاستعمار الأجنبى ، وبدأت عصورا من الاستعمار المحلى !!!! ولدت جميلة من أب جزائرى مثقف وأم تونسية من مدينة صفاقس والغريب أنها كانت البنت الوحيدة بين أفراد أسرتها فقد أنجبت والدتها 7 شبان، والأغرب ما كان لوالدتها من التأثير الأكبر فى حبها للوطن، فقد كانت أول من زرع فيها حب الوطن وذكرتها بأنها جزائرية لا فرنسية رغم سنها الصغيرة آنذاك واصلت جميلة تعليمها المدرسى ومن ثم التحقت بمعهد للخياطة والتفصيل فقد كانت تهوى تصميم الأزياء. مارست الرقص الكلاسيكى وكانت بارعة فى ركوب الخيل إلى أن اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954 حيث انضمت إلى جبهة التحرير الوطنى الجزائرية للنضال ضد الاحتلال الفرنسى وهى فى العشرين من عمرها ثم التحقت بصفوف الفدائيين وكانت أول المتطوعات لزرع القنابل فى طريق الاستعمار الفرنسي، ونظراً لبطولاتها أصبحت المطاردة رقم 1. تم القبض عليها عام 1957 عندما سقطت على الأرض تنزف دماً بعد إصابتها برصاصة فى الكتف وألقى القبض عليها وبدأت رحلتها القاسية من التعذيب وجملتها الشهيرة التى قالتها آنذاك" أعرف أنكم سوف تحكمون على بالإعدام، لكن لا تنسوا أنكم بقتلى تغتالون تقاليد الحرية فى بلدكم، ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة". بعد 3 سنوات من السجن تم ترحيلها إلى فرنسا وقضت هناك مدة ثلاث سنوات ليطلق سراحها مع بقية الزملاء عام 1962. من داخل المستشفى بدأ الفرنسيون بتعذيب المناضلة، وتعرضت للصعق الكهربائى لمدة ثلاثة أيام كى تعترف على زملائها، لكنها تحملت هذا التعذيب، وكانت تغيب عن الوعى وحين تفيق تقول : الجزائر أُمُنا. حين فشل المعذِّبون فى انتزاع أى اعتراف منها، تقررت محاكمتها صورياً وصدر بحقها حكم بالإعدام عام 1957، وتحدد يوم 7 مارس 1958 لتنفيذ الحكم، لكن العالم كله ثار واجتمعت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بعد أن تلقت الملايين من برقيات الاستنكار من كل أنحاء العالم. تأجل تنفيذ الحكم، ثم عُدّل إلى السجن مدى الحياة، وبعد تحرير الجزائر، خرجت جميلة بوحيرد من السجن، وتزوجت محاميها الفرنسي. وحتى الآن تعانى آثار التعذيب الهمجى .. لكننى أراها تبتسم وهى ترى المرأة الجزائرية تتقدم لتقود بلادها كما قادت النضال ضد فرنسا من قبل .. وأسمع نجيب سرور وهو يقول فى شعره: نحن لسنا يا فتاتى – ما حصدنا نحن ما غرسنا وسقينا ورعينا. [email protected]