ما نعيش فيه من تدنٍ نتيجة هجمة غربية شرسة ضد الفكر العربي بتنفيذ عربي - مصر حجر الأساس إذا تحركت تحرك العالم كله - سأنتج مسلسل «صالح الكويتي» حتى لو خسرت كل أموالي فما يهمني أن أقول كلمتي وأمشي - اتجهت للتمثيل بعد حظري من الغناء في بلدي وخارجها بسبب السياسة - غنيت خلف عبد الحليم حافظ وأنا عمرى 13 عاما وأحمد بهاء الدين وصفني بالصوت الذي لم يحسن استقباله صوته يحلق في سماء العذوبة والشجن، يحمل لواء الطرب الأصيل، يأبى أن يفقد هويته، ابتعد بفعل السياسة عن الغناء لسنوات لكنه كان يطل على جمهوره من خلال بعض الأعمال الدرامية القليلة، وأخيرا عادا ليشدو على مسرح دار الأوبرا المصرية بمناسبة تكريمه من قبل مهرجان الموسيقى العربية في دورته الأخيرة، فغني لمصر بصوت لم يعرف الوهن له طريقا، إنه عندليب العراق المطرب سعدون جابر الذي التقيناه في هذا الحوار. ⢴أحمد أمين عرفات *ماذا عن قصيدة «يا مصر» التي شدوت بها أخيرا في دار الأوبرا المصرية؟ هذه القصيدة كتبها الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد منذ عام 87، عندما جاء إلي مصر من أجل المشاركة في معرض الكتاب، أثناء وجوده كتبها تعبيرا عن عشقه لمصر وتاريخها وأمنياته لها بالخير، وما لا يعرفه الكثيرون أنه خرج في مظاهرة ببغداد سنة 56 للتنديد بالعدوان الثلاثي، وهو يرفع راية «مصر بلدي» فتم سجنه لمدة عامين بسبب ذلك، وشاء القدر أن يأتيني خبر وفاته في نفس اليوم الذي قمت فيه بغناء قصيدته على مسرح دار الأوبرا، ولم تكن هذه هي الأغنية الوحيدة التي غنيتها لمصر، بل غنيت أيضا «خيوه» من كلمات الشاعر رياض النعماني، والتي كتب كلماتها على لحن قديم لي، وهناك أكثر من أغنية أخرى لمصر من كلماته وتلحين الموسيقار إبراهيم السيد. *كيف ترى مصر؟ مصر أم العرب والدنيا، وبدونها عالمنا العربي لا قيمة لها، لذلك نتمنى لها أن مستقرة دوما، لأنها حجر الأساس إذا تحرك العالم. *هل جاء تكريمك في الوقت المناسب؟ جاء متأخرا، لكنه أفضل من أن يأتي بعد ذلك أو لا يأتي، وإن كنت لا أراه تكريما لشخصي بقدر ما هو تكريم للأصالة في غناء سعدون جابر، الذي لم ينجرف نحو الموجة الجديدة من الغناء. *إذن فأنت ترفض هذه الموجة؟ ليس رفضا، ولكن كان من المفترض ألا يتخلي الجديد عن القديم ويأخذ منه ما يفيده، ولكن ما نسمعه حاليا غناء لا هوية له، لم يستفد صانعوه ممن سبقوهم، فنحن الجيل القديم استفدنا من عبد الوهاب وأم كلثوم وعبده الحامولي، فتعلمنا منهم كيف نختار أغنيات لها علاقة بالناس وتمسهم في أفراحهم وأحزانهم، وكيف نغني، فقد كان عبد الوهاب يقول «نحن نغني المعني، و نغني الحرف في الكلمة»، أما اليوم فالأهم لديهم هو كيف يرقصون ويتمايلون، لذلك أراه غناء أشبه بالبالونات، عالية البريق لكنها لا تعيش طويلا. *ومن الذي أوصلنا إلى هذه الحالة؟ ما نعيش فيه حاليا هو نتيجة هجمة غربية شرسة ضد الفكر العربي، تمت للأسف بتنفيذ عربي وأدوات عربية، وبدعم مالي وإعلامي لا حدود له، ولم يحدث من قبل لأعظم مغنينا، وبصورة جعلت الإنسان العربي يصفق للتفاهة، حتى الواعي جعلته يعطي رأيا في هذه التفاهة، بعد أن سيطرت القوي الأخرى على الذوق العربي وصادرته ليكون كل شيء في يد الغرب. *وكيف الخروج من هذا المأزق؟ على المغني العربي أن يعي هذه المرحلة الخطرة، و يستمر بالغناء الذي يحافظ على هويته، ليس أمامه سوى الاستمرار أو الانهزام، لأن الفنان العربي هو القائد، وإذا انهزم القائد، ضاع كل شيء. *هل المسئولية تقع على الفنان وحده؟ الفنان جزء أصيل في هذه المعادلة، لكن لا بد أن يصاحبه دعم من الحكومات العربية ليقوم بمهمته مثل الإسهام في إنتاج الأعمال الأصيلة والهادفة وعرضها مجانا، وغيرها من الإمكانيات التي تعمل على طرد النماذج السيئة من الساحة، أو التقليل من شأنها. *بذكر عبد الوهاب، ألم تلتق به؟ لم يسعدني الحظ بلقائه، ولكن سرني رأيه في صوتي، الذي أبلغني به الراحل وجدي الحكيم، فقد قال لي إنه كان يجلس معه وفي يده راديو صغير، وكان يقلب بين المحطات، فإذا به يتوقف عند أغنيتي «عيني عيني»، فسأله الحكيم» لماذا توقفت عند هذه الأغنية ؟» فأجابه عبد الوهاب «لأن هذا صوت مهم». *لقبت ب «عندليب العراق» فهل التقيت عبد الحليم حافظ؟ لقد غنيت خلفه ضمن الكورال وعمري 13 عاما، عندما جاء إلى بغداد لعمل حفلات لدعم المجهود الحربي بعد نكسة يونيو، حيث كنت وقتها أغني في برامج الهواة، فأخذوني لأغني ضمن فرقته، بعدها لم أره ثانية. *وماذا عن تجربتك مع بليغ حمدي؟ التقيته في منتصف الثمانينيات، بعد أن أبلغني الكثيرون بأنه يسأل عني ويريد مقابلتي، أثناء وجودى في أبو ظبي لإحياء إحدى الحفلات قابلته بالمصادفة، وهو خارج من الفندق الذي كنت أقيم فيه، فأبلغني بأنه منذ سمع أغنيتي «عيني عيني» وهو يبحث عني، فاتفقنا على أن نلتقي مجددا، وبالفعل جاء اللقاء في بيت الملحق الثقافي العراقي بالكويت، وطلب مني أن أغني, فظللت أغني له لمدة 4 ساعات كاملة وهو يستمع لي دون أن يبدي رأيه، فأصابني القلق وكلي شغف بأن أعرف رأي هذا الموسيقار الكبير، وبعدها وجدته يقول لي» لابد أن ألحن لك» وسألني «هل تغني باللهجة المصرية «، فأخبرته بأنه لا مانع ولكن بثوب عراقي، وقد كان حيث قدمت له العديد من الأغنيات لشعراء عراقيين فاختار أربع للشاعر كريم العراقي، وما أدهشني حقا أنه قام بتسجيل الأغنيات على حسابه الخاص، ورفض أن يتقاضى عنها أجرا، ولكني ظللت أطارده حتى أخذها مرغما. *ما الذي أضافه لك بليغ حمدي؟ أن يلحن هذا الموسيقار العملاق لمطرب ناشئ مثلي، فهم كرم كبير وعندما كان رافضا أن يتقاضى أجره أشعرني بمدى عشقه لصوتي. *لم يقتصر غناؤك لمصريين على بليغ حمدي؟ بالفعل، فقد غنيت أغنية من كلمات عبد الرحمن الأبنودي وتلحين جمال سلامة، بمناسبة عيد العبور العاشر، بعدها كتب أحمد بهاء الدين، في عموده اليومي بالأهرام مقالا عني بعنوان «هذا الصوت الذي نحسن استقباله» كان وصلة مدح في صوتي. *برعت في أداء القصائد، فكيف ترى القصيدة على الساحة الغنائية حاليا؟ لقد غنيت العديد منها للبياتي والمتنبي وغيرهما، وحاليا لا يوجد كثيرون يطربوننا بالقصائد باستثناء كاظم الساهر وماجدة الرومي، وغياب القصيدة يرجع للإيقاع السريع الذي فرض علينا في الغناء. *بذكرك كاظم الساهر،كيف تراه؟ هو أفضل الموجودين بالوطن العربي، ولكن مشكلته أنه تغرب عن عراقيته، بعد أن كان يغني عراقيا فقط، ذهب ليغني «تونسي .. لبناني.. مصري» فأضاع هويته، وهذا ليس إنقاصا من قيمته، لكني أطالبه أن يبقي عراقيا، لأن الهوية هي التي تقود إلي العربية والعالمية. *لماذا اتجهت إلى التمثيل؟ اتجهت للتمثيل بعد حظري من الغناء في بلدي وخارجه بسبب السياسة، فقدمت مسلسلا عن حياة «ناظم الغزالي» هذا الفنان الذي وقع عليه ظلم كبير، فلم ينل حظه من الشهرة التي يستحقها، والحمد لله استطعت بهذا المسلسل الذي تم عرضه في 19 محطة عربية أن أقدم للناس حياته، وأسلط الضوء على أساليبه الغنائية، كما غنيت له 18 أغنية بين مقام و أغنيات أخرى، كما قدمت مسلسلا عن الشاعر «بدر شاكر السياب». *وماذا عن جديدك الفترة المقبلة؟ أستعد لتقديم سيرة الملحن العراقي «صالح الكويتي» في مسلسل تليفزيوني سأشارك في إنتاجه، أيضا أجهز لمجموعة أغنيات بعضها سيكون من أشعار رياض النعماني، علاوة على بعض الأغاني التراثية التي سأعمل على إحيائها من جديد. *اتجاهك للإنتاج ألا يعد مغامرة؟ المغامرة في الثقافة لا تعد خسارة إلا عند التجار فقط، و أنا لست بتاجر، فقد بعت أرضا لي وسيارتي لكي أنتج مسلسل «ناظم الغزالي»، وبرغم خسارتي الكبيرة فإنى أشعر بأني كسبت ثقة كبيرة بداخلي, وسأنتج مسلسلي الجديد حتى لو خسرت بيتي، فما يهمني أن أقول كلمتي وأمشي. *إذا عدنا لنشأتك، كيف كانت؟ لقد نشأت لأب فلاح، وفي صغري عملت كعامل بناء، و كان يساعدني على تحمل مشاق هذه المهنة المعلم الذي كنت أعمل معه، فقد كان يملك صوتا جميلا ، ثم أكملت دراستي الابتدائية والمتوسطة، وواصلت حتى دخلت معهد المعلمين ثم الجامعة، كما درست في معهد الفنون قسم موسيقى، وقد تزوجت مرة واحدة ولدي ولد وبنت. *هل يمكن أن تتزوج مرة أخرى؟ الزواج و الحب والموت يأتوك بلحظة أنت لا تعرفها و يغادرونك في لحظة لا تدريها، فمن يعلم فقد يأتيني قمر جميل يمتلكني دون أن أدري ولا أعرف كيف أتخلص منه. .