سهير عبد الحميد صاروخان... صاروخ السخرية اللاذعة وصاروخ الموهبة الفنية الجامحة التى شكلت عبقرية الفنان الأرمينى ألكسندر صاروخان الذى نحت – كما قال عنه شيخ الصحفيين حافظ محمود – صخرة الكاريكاتير بدأب حتى بنى لها معبدا فى شارع الصحافة . فى منزله بمصر الجديدة الذى نظم مقتنياته جارو يعقوب زوج ابنة صاروخان الوحيدة سيتا، الذى حول منزل صاروخان إلى متحف حقيقى فيه متعة للناظرين حين يطالعون تلك الخطوط والوجوه التى تكاد تنطق من كثرة الإتقان.. الخطوط التى تكاد تراها حية تسير على قدمين هى دولة صاروخان للكاريكاتير. الأطر الموجودة فى كل أرجاء المنزل يطل عليك منها شخصيات ابتكرها صاروخان كست البيت وابن البلد وأهمها المصرى أفندى لتقول لك دون حديث: إن هذا الرجل القادم من بلدة نائية فى أقصى شمال شرق تركيا هو من مصر الكاريكاتير، وأقام دولة الكاريكاتير السياسى لتكون بمثابة حكومة ظل تراقب وتضبط أخطاء الحكومات متلبسة بها. قبل صاروخان لم يكن هناك فن للكاريكاتير فى مصر بمعنى الكلمة.. كانت هناك فقط مجرد رسوم بسيطة مصاحبة لحوارات فى مجلة أبونظارة ليعقوب صنوع، ومجلة الأستاذ للنديم قبل أن تظهر إلى الوجود "اللطائف المصورة" التى استعانت برسامين أجانب وبعدها الكشكول التى استعانت برسام كاريكاتير إسبانى هو خوانى سانتيز، وأصدر الوفد خيال الظل مستعينا برسام كاريكاتير تركى ريستى . وجاء صاروخان إلى القاهرة بعد رحلة طويلة تنقل خلالها مع والده تاجر الأقمشة الذى تحول إلى تجارة النفط وعندما قرر والده العودة إلى مقاطعة " باطوم " بعد أن خسرت تجارته أودع الأخوين ألكسندر وليفون بالقسم الداخلى للمدرسة الكاثوليكية باسطنبول، لكنه كان الفراق الأبدى، حيث بدأت مذابح الأرمن فى 24 من إبريل 1915 واضطر الأخوان أن يظلا خلف أسوار المدرسة التى كانت ترفع العلم النمساوى نوعا من الحماية .. وبعد انتهاء الحرب خرج ألكسندر من المدرسة ليعمل كمترجم للغات الروسية والتركية والإنجليزية بالجيش البريطانى، ثم عمل على نشر بعض رسومه الكاريكاتيرية فى بعض الجرائد والمجلات الأرمينية . وفى 1922 ترك الإخوان صاروخان تركيا إلى الأبد، واتجها إلى بروكسل حيث كان يقيم عمهما الذى شجع هواية ألكسندر، وساعده حتى ينهى دراسته بمعهد الفنون الجرافيكية بفيينا، وهناك تعرف إلى عبدالقادر الشناوى الذى لعب دورا جوهريا فى حياته وكان سبب حضوره إلى مصر، فقد كان عبد القادر مثقفا مصريا من محبى الصحافة من أسرة ثرية بالمنصورة ذهب إلى فيينا ليدرس فنون الطباعة لينشئ جريدة أو مجلة فكاهية. هناك التقى صاروخان واتفق معه بالفعل ووعده وعودا كبيرة بسبب تعثر عبد القادر ماديا.. ما يهم أن صاروخان وصل إلى الإسكندرية ولم يجد صديقه فذهب إلى فندق رجل يونانى، حيث تعرف إلى مجموعة من الأرمن قدموا له العون.. وكانت انطلاقة صاروخان الأولى عندما اتفق مع المحرر "فارتان زاكاريان" على إصدار جريدة فكاهية ساخرة بالألوان وأطلقا عليها "السينما الأرمينية". ثم تعرف صاروخان إلى محمد التابعى، رئيس تحرير روزاليوسف، عندما كانت روزا فى حاجة إلى رسام كاريكاتير يحل محل الإسبانى سانتيز، الذى كان أساسا على قوة مجلة الكشكول.. وبدأ ظهور أول صورة كاريكاتيرية لصاروخان على غلاف روزاليوسف عام 1928 وانفرد برسم غلافها من 8 مايو 1928. وكان المنعطف الحقيقى فى أعمال صاروخان حين بدأ اختراع شخصية المصرى أفندى التى كانت تعبر عن العقل الجمعى المصرى على غرار ماريان" التى كانت تمثل فرنسا، و"العم سام "الأمريكى وجون بول الممثل لإنجلترا . ظلت ريشة صاروخان من الثوابت فى روزاليوسف حتى وقع الخلاف بين فريق العمل وأسس التابعى مجلة آخر ساعة وانتقل إليها صاروخان عام 1934. تأخذك بشدة فى أرجاء المنزل تلك اللوحات كان صاروخان قد رسمها أثناء الحرب العالمية الثانية على صفحات جريدة أسبوعية أصدرها باللغة الفرنسية اسماها "لاكرفان" "القافلة"، وفيها انتقد زعماء المحور هتلر وموسولينى مقابل دفاعه عن زعماء التحالف ستالين ورزفلت وتشرشل. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أصدر صاروخان كتابا ضم تلك اللوحات بعنوان "هذه الحرب" . ثم يأخذك مسيو جارو إلى مجموعة من اللوحات رسمها صاروخان عام 1927 وأقام بها أول معارضه فى مصر بعد عامين فقط من قدومه إليها، حيث رسم لوحات لعلية القوم وباشوات ذلك العصر، مرفقا بها كشفا بأسعار اللوحات وأسماء من قاموا بشرائها وصورة لصاروخان بجوار لوحاته داخل صالة العرض. عبقرية بلا حدود تبقى عبقرية صاروخان فى كل أعماله تلمحها فى خطوطه الرشيقة الحية. موضوعاتها متباينة تليق بفنان كبير كصاروخان. منها ما يعكس انفعاله بالقضايا الإنسانية كلوحة افترض فيها رجوع البشرية إلى نقطة البداية ونشأة الخلق، وفيها حواء تحاول غواية آدم فيرفض أن يعيد الكرة. تفاعل مع القضايا الوطنية من التمرد على الاستعمار والمطالبة بالاستقلال. وعندما قامت ثورة يوليو كان صاروخان من أبرز المتحمسين لها وردت له هى الجميل فمنحته الجنسية المصرية، وفى صيف 1968 زار مع زوجته للمرة الأولى والأخيرة وطن أجدداه جمهورية أرمينيا وأقام ثلاثة معارض لأعماله هناك.