السيد رشاد فور أن ينفتح الستار القرمزى لمسرح دار الأوبرا المصرية ويطل بطلعته البهية وصوته الأوبرالى المتفرد، تشعر بشلالات ضوء موسيقية تنسكب من أوتار حنجرته لتملأ فراغات الروح، وتسكن مطمئنة فى جوانح كانت متعطشة أشد العطش إلى بهجة إيقاع راق، ينشر عطره الساحر، فتحلق به ومعه فوق سحب من أثير الجمال والشموخ والنبل، فاردا غناءه كشراع فى وجه الريح، يتصدى لعنفوانها تارة، ويعانق هفهفاتها أخرى، ويخطف صولجانها دائما غير هياب، ليحمل وردة الفن الرفيع إلى فضاءاتنا الغافية، لعلها تستيقظ، فتوقظنا لنغنى معها جسدا وروحا تلك الموسيقية الراقية، التى تشكل، ضمن ما تشكل، أحد أبرز المشتركات الإنسانية التى تجسد هذا الرابط الإنسانى فى أجمل وأنبل صوره، بعيدا عن حواجز اللغة وصراعات الأطماع وتناقضات نقائص بعض البشر، مانحة لنا بهجة البشارة بالخير والحب والجمال.. هذه البهجة التى تستشعرها وتتذوقها فتتشربها القلوب والعقول والأرواح جميعا.. مع كل نغمة وإيماءة وحركة لعبقرى فن الأوبرا المصرى والعربى، وأحد أبرز رموز هذا الفن الرفيع على الساحة الفنية العالمية الفنان حسن كامى، الذى صنع أسطورته الفنية الخاصة من هذا المزيج الفريد، والتجاور الفذ للتعبير الصوتى الحركى بالصوت والجسد وحتى بإيماءات صامتة عن مكنون النفس ومخزون الروح، فى توافق بديع بين الجسد وحركته والشعور ودفقته والدفء العاطفى وحرارته والرغبة الانسانية وسطوتها، والأنغام الموسيقية وإيقاعاتها. إن السوپرانو الأوبرالى حسن كامل محمد على الذى ولد فى 2 فبراير عام 1936 م، بالقاهرة، ودرس فى مدارس الجيزويت ثم حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، كما حصل على دراسات فى فن الأوبرا والموسيقى الأوبرالية والغناء السوبرانو من معهد الكونسرفتوار وأكاديمية الفنون، كما حصل على دراسات عليا فى فن الأوبرا من إيطاليا، بدأ حياته العملية من دار الأوبرا المصرية بالقاهرة عام 1963 م وكانت أول بطولة له بالأوبرا هى عرض "لاترافياتا"، حيث أُعجب بصوته وقتها كل من وزير الثقافة فى الستينيات د. ثروت عكاشة، ومؤسس معهد الكونسرفتوار أبو بكر خيرت، كما كان أول مصرى يغنى ببراعة على مسرح الأوبرا فى موسكو، حيث قام بأداء أدوار البطولة فى أكثر من 270 أوبرا عالمية على مدار حياته الفنية على أشهر مسارح دور الأوبرا فى مصر والعديد من دول العالم منها إيطاليا وبولندا وفرنسا وروسيا واليابانوكوريا الجنوبية والولايات المتحدةالأمريكية والدانمارك، وقد غنى الفنان حسن كامى باللغات: العربية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإسبانية فكان سفيرا فوق العادة للفن المصرى والعربى. إن الفنان حسن كامى يعتبر بحقٍ صانع فن الأوبرا المصرى، ويشهد على ذلك تاريخه الفنى والغنائى، حيث عمل كمغن أوبرالى ومدير للفرقة القومية للأوبرا ومنظم لعروض الأوبرا العالمية والتى كان من أهمها عرض أوبرا عايدة والتى نظمها فى إطار الاحتفال بمرور مائتى عام على ذكرى ميلاد الفنان والموسيقار العالمى جوزيبى فيردى حيث تقام احتفالية سنوية فى المعهد الثقافى الإيطالى والسفارة الإيطالية بالقاهرة بمشاركة دار الأوبرا المصرية، ويعتبر الفنان حسن كامى هو أول مغن أوبرالى مصرى يقوم بأداء دور البطولة فى أوبرا عايدة، وذلك فى عام 1974 م، وهو دور راداميس، قائد الجيوش الذى وقع فى حب الأميرة الأسيرة من بلاد الحبشة، وهى بطلة أوبرا عايدة والتى أدى الفنان حسن كامى دور البطولة فيها فى أكثر من دولة قبل أن تكون لمصر فرقة أوبرا، وقد سعى الفنان حسن كامى فى تلك الآونة أن تكون لمصر فرقة أوبرا، وأن يغنى على خشبة أوبرا القاهرة وهو ما قام به بالفعل فى أواخر الستينيات حيث وقف مع الفنانة أميرة كامل والفنانة فيوليت مقار يؤدون أوبرا عايدة بعناصر مصرية خالصة ومع أوركسترا أوبرا القاهرة بقيادة المايسترو يوسف السيسى، الأمر الذى منحهم شعوراً هائلاً بالوطنية والانتماء لمصر العظيمة. كما قام بأداء نفس الدور مرة أخرى على سفح الأهرامات ليحقق أمنية فيردى، وقد استدل الفنان حسن كامى على تلك الأمنية بأن ستارة الأوبرا القديمة كان مرسوماً عليها الأهرامات وأبو الهول، وقد حقق الفنان حسن كامى هذه الأمنية، وحقق العرض نجاحاً كبيراً على المستويين المحلى والعالمى. فى السياق ذاته نجح كامى كمنظم للفعاليات الفنية .. منذ أن تم تكليف الفنان حسن كامى بالإشراف على مهرجانات دار الأوبرا المصرية قام ببذل قصارى جهده ليعمل على خروج هذه المهرجانات بصورة مشرفة تليق بسمعة مصر أمام العالم، وقد حققت هذه المهرجانات نجاحات كبيرة فى مهرجانات قلعة قايتباى بالإسكندرية وحدائق الشلالات ومهرجان القلعة الأوبرالى السنوى. حصل الفنان حسن كامى على العديد من الجوائز خلال رحلة حياته الفنية الطويلة ومنها حصوله على الجائزة العالمية الثالثة فى الغناء الأوبرالى من إيطاليا فى عام 1969 م، والجائزة العالمية الرابعة فى عام 1973 م، والجائزة العالمية السادسة من اليابان فى عام 1976 م، كما حصل أيضاً على شهادة تقدير وتكريم من وزارة السياحة وقطاع الطيران المدنى فى عام 1976 م، وعلى الجائزة الأولى والميدالية الذهبية من مهرجان موسيقى الألعاب الأوليمبية، والذى أقيم فى سيول عاصمة كوريا الجنوبية فى عام 1988 م.. توقف حسن كامى عن الغناء الأوبرالى فى عام 2001 مع تقدمه فى السن، ليحتفظ بصورته المبهرة التى يريد أن يتركها فى أذهان الملايين من عشاق فن الأوبرا فى مصر والعالم كله.. هذا الفن الذى اختار حسن كامى أن يكرس له حياته.. فتوحد معه وبرع فيه .. واجتاز، ونحن معه فضاءات أخرى من هذا العالم الفنى المبهر" الأوبرا"الذى كان "حسن كامى "، وسيظل، بشارته، وسفيره المصرى والعربى فوق العادة للعالم كله.