طهران أحمد السيوفى عندما قال مايكل سينج الباحث فى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن مقومات النجاح للمفاوضات الإيرانية مع مجموعة 5+1 غير متوافرة للدبلوماسية الأمريكية مع إيران. هذا القول يعكس بطبيعة الأحوال أجواء المفاوضات التى استمرت أكثر من 10 سنوات للتوصل إلى حل يتم بمقتضاه الاعتراف بإيران دولة نووية ورفع الحصار عنها مقابل تقديم ضمانات للمجتمع الدولى بعدم إنتاج أسلحة نووية، ثم باتت تتبلور المفاوضات على مدار 16 لقاء واجتماعا بعضها تم فى فيينا، والبعض الآخر فى سلطنة عمان وبعض المناطق الأخرى ذلك ثم تركزت المفاوضات على مدار خمسة أيام انتهت بانتهاء المهلة المقررة فى 24 من شهر نوفمبر الماضى، وظل العالم كله يكتم أنفاسه انتظارا للنتائج مع توجس وخوف من انهيار المفاوضات، ثم خرج المجتمعون وأعلنوا أنهم مددوا المفاوضات إلى شهر يونيو 2015، الأمر الذى جعل صحيفة رصينة هى نيويورك تايمز تقول فى افتتاحيتها إن تأجيل المفاوضات أفضل بكثير من السماح بانهيار عملية التفاوض. وهذه الافتتاحية تشير إلى أن المفاوض الأمريكى ومن ورائه الشعب الأمريكى، لم يكن يريد الوصول إلى انهيار المفاوضات، وهذا أيضا ما لمسناه لدى الدبلوماسية الإيرانية وأيضا من ورائها الشارع الإيرانى، يبقى السؤال المهم: إذا كانت هناك رغبة لدى الأمريكيين والإيرانيين فى عدم انهيار المفاوضات، فلماذا إذن فشلت المفاوضات؟ ولم تحقق أهدافها ولم يتم التوصل إلى الاتفاق النهائى الذى كان يتوقعه الجميع أهم المطبات والمشاكل التى واجهت الاتفاق على النحو التالى: أولا: كانت أكبر عقبة فى التوصل إلى اتفاق تتعلق برفض الغرب وعلى رأسه الولاياتالمتحدةالأمريكية رفع العقوبات عن إيران فى حال التوصل إلى اتفاق، حيث ترى القوى الغربية أنه لابد من وجود وقت كاف لإثبات حسن نية إيران ومدى التزامها بتطبيق الاتفاق، والغرب إن رفع الحصار الاقتصادى يحتاج إلى رفعه على مدار ثلاثين عاما، غير أن إيران ترى أن رفع العقوبات الاقتصادية ينبغى أن يكون متزامنا مع توقيع الاتفاق والتزام إيران بما فيه، وتعتبر هذه النقطة هى أخطر نقاط الاتفاق لأن الضغوط الصهيونية وضغوط اليمين الأمريكى المتطرف، وكذلك بعض الدول المهمة من حلفاء واشنطن مثل المملكة العربية السعودية، ترى أن رفع العقوبات عن إيران سوف يسهم فى تقوية إيران وانطلاقها بقوة فى الإقليم وإعادة الحياة من جديد إلى اقتصادها، فتصبح قوة اقتصادية كبيرة بجانب كونها قوة عسكرية كبيرة، ولهذا فإن الضغوط تمارس بقوة فى هذا الاتجاه وقد حاول المتفاوضون أن يصلوا إلى نقطة المنتصف فأنقصت أمريكا المدة من ثلاثين عاما إلى عشرين عاما، لكن إيران رفضت ثم أنقصت أمريكا المدة إلى خمسة عشر عاما، لكن إيران رفضت وقدم المفاوض الإيرانى مقترحا بأن يتم رفع العقوبات على مدار خمس سنوات تبدأ بالرفع التدريجى حتى تصل نهايتها إلى نهاية السنوات الخمس، لكن الضغوط كانت أكبر مع الولاياتالمتحدة فلم يتم التوصل إلى نقطة اتفاق فى هذه القضية وفشلت أيضا الجهود الأخرى التى سعت إلى تجميد الحصار والعقوبات وليس رفعها أو إلغاءها وهذا أيضا لم تتم الموافقة عليه. القضية الثانية: هى قضية نسبة تخصيب اليورانيوم، حيث سعت القوى الغربية إلى وقف التخصيب لمدة زمنية يتم الاتفاق عليها كان الهدف هو وقف البرنامج النووى الإيرانى، لكن المفاوض الإيرانى كان واضحا جدا فى هذه النقطة، حيث قال للغربيين نحن لن نوقف أى منشأة نووية عن عملها مهما كانت الظروف، ويمكن أن تقدم تنازلات فى النسب والمستويات، لكن من المستحيل أن يتم وقف أى منشأة عن عملها، ولهذا فإن إيران التى وصلت بمستوى التخصيب إلى مستوى 20 % وهناك أكثر من عشرين كيلو جراما من اليورانيوم التى كانت موجودة فى إيران وكانت تمثل مشكلة فى المفاوضات وتم التوصل إلى حل قبل به الطرفان، قيل إنه أرسلت الكمية إلى بعض الدول المحايدة ونفت إيران على لسان السيد على صالحى مساعد مساعد رئيس الجمهورية ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، هذا الخبر، المهم أن الطرفين توصلا إلى حل لهذه المشكلة ثم نزلت إيران بنسبة التخصيب إلى 10 % ثم نزلت بها إلى 5 % ثم تم التوصل إلى الحد الأدنى لنسبة التخصيب وهى نسبة 3.5 %. القضية الثالثة: تتعلق بمفاعل أراك لإنتاج الماء الثقيل، حيث طالبت القوى الغربيةإيران بوقف مفاعل أراك تماما، وقالت إن هذا المفاعل يمكن أن ينتج السلاح النووى بشكل سريع ورفضت إيران المقترح الغربى وتم الاتفاق أن ينتج هذا المفاعل الماء الخفيف وأن يتم تعديل فى آليات عمل المفاعل، بحيث يطمئن الجميع مع وجود رقابة من مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذين يضعون كاميراتهم ويقومون بالتفتيش المفاجئ فى أى وقت. القضية الرابعة: تتعلق بأجهزة الطرد المركزى وهى الأجهزة التى تقوم بتخصيب اليورانيوم، حيث تمتلك إيران ثلاثين ألف جهاز للطرد المركزى، وكان هناك إصرار من القوى الغربية بألا تزيد أجهزة الطرد المركزى على ثلاثة آلاف جهاز، هذا الأمر الذى قوبل بالرفض الإيرانى لأن إنتاج السلاح النووى يحتاج إلى نحو تسعين ألف جهاز للطرد المركزى، بينما ثلاثين ألفا يمكن أن تصل بنسبة التخصيب إلى 20 % فقط وهى نسبة لا تصنع سلاحا نوويا، لكن الغربيين قالوا إن إيران نجحت فى تطوير أجهزة الطرد التى كانت تستوردها وباتت الآن تصنعها فقدمت الدول الغربية تنازلات وقالت إنها تقبل بأربعة آلاف جهاز، ورفضت إيران وقالت إنها توافق على إنقاصها إلى خمسة عشر ألف جهاز ورفض الغرب ثم دخلت الأمور فى بورصة المفاوضات إلى عشرة آلاف ثم إلى سبعة آلاف جهاز وتمت الموافقة من الجانبين. وبهذا نستطيع القول بأن فى هذه المشكلة استطاع الطرفان التوصل إلى حل وسط، لكن أزمة الملف النووى الإيرانى تعودنا أنه كلما حلت مشكلة ظهرت أخرى، وهذا ما تعود عليه الإيرانيون. القضية الخامسة: وهى تتعلق باتهام الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران بأنها تملك موقعا عسكريا نوويا فى منطقة مريوان، غير أن سفير إيران وممثلها الدائم فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية رضا نجفى تحدى الوكالة الدولية وقال أتحدى أى جهة أن تحدد إحداثيات هذا الموقع. وقال: نجفى أتحدى الولاياتالمتحدةالأمريكية والكيان الصهيونى الذين يقفون خلف هذا الادعاء وتلك المزاعم أن يقدموا للعالم أية معلومات صحيحة أو أى إحداثيات صحيحة لهذا الموقع متهما إياهما بتعطيل الوكالة الدولية. القضية السادسة: تتعلق بالمواقع العسكرية وأسماء علماء النووى الإيرانى، حيث تطلب الوكالة الدولية ومن ثم المفاوضين زيارة بعض المواقع العسكرية الحساسة والتى تؤكد إيران أن هذه المواقع مثل موقع بارشيه هى مواقع عسكرية عادية لا علاقة لها بالمنشآت النووية، وترى إيران أن القصد من ذلك هو كشف أسرار عسكرية لا علاقة لها بالملف النووى من ثم رفضت إيران الاستجابة لهذه المطالب التى لها أهداف استخبارية وليس اطمئنانا على سلامة الموقف النووى، كما أن مشكلة العلماء هى الأخرى تثير إشكاليات بين الجانبين، حيث تطلب الوكالة الدولية معلومات عن العلماء الإيرانيين المتخصصين فى النووى وفى السابق قدمت إيران معلومات عن عدد من العلماء ثم فوجئت باغتيال هؤلاء العلماء، مما أعطى انطباعا للجانب الإيرانى بأن المعلومات التى أخذت منها وظفت توظيفا استخباريا، ومن ثم باتت ترفض إعطاء أى معلومات عن علمائها وفنيها. تلك كانت أهم المطبات والإشكاليات التى واجهت المفاوضين والتى حاولت القوى الغربية أن تفرض على إيران قيودا شديدة حتى لا تجعل الملف النووى ذا قيمة وربما كانت المتحدثة باسم الخارجية البريطانية فرح دخل الله أكثر وضوحا عندما قالت: على إيران أن تقبل بوجود قيود جدية على برنامجها النووى، وبدون ذلك من الصعب أن يتم اتفاق معها فلابد أن تعطى للعالم ثقة أكبر بنياتها النووية السلمية، وعموما المفاوضات معها صعبة جدا، وأيضا تصريحات إريك شولتز المتحدث باسم الرئيس الأمريكى أوباما قال لا تزال هناك تباينات كثيرة جدا بيننا وبين الإيرانيين ونخوض سباقا مع الزمن، كل هذا يعكس حجم الخلاف وطبيعة الضغوط التى تمارس على إيران، وإيران من جانبها تريد أن تصل إلى اتفاق حتى لا تنتهى الأزمة الاقتصادية التى تلف حول عنقها، لكنها لن تقبل حسب أحد المصادر المهمة الذى أكد ل«الأهرام العربى» أنه لا يمكن القبول بوقف أو تعطيل لا منشأة من المنشآت النووية، طالما أننا نخضع لمعاهدة الام بى تى ونخضع للقوانين والمواثيق الدولية ولم نخالفها ولم ننجرف نحو السلاح النووى. وأمام هذه العراقيل وإصرار الجانبين على مواقفهما كان الحل البديل لإنهاء المفاوضات تأجيلها إلى منتصف العام المقبل، حيث لا توجد مصلحة لأى طرف فى انهيار المفاوضات.