السيد رشاد الفنان نضال أبو العينين، أحد أبرز فنانى الخط العربى فى مصر، وعضو رابطة الخطاطين وأستاذ الخطوط، الذى تخرجت على يديه أجيال من مشاهير الخطاطين فى مصر والعالم العربى، فى مشروعه الفنى حرص على ربط البعد الجمالى للخط العربى بالبعد الوظيفى النفعى له، فأصبح خطه حياة..وحياته خط..كما دفعه عشقه لهذا الفن الرفيع إلى الجمع بين إبداعه وتدريس قواعده وفنونه، فى حوارنا معه يحذر من الهجمة الشرسة على الهوية العربية من خلال تجريف وتشويه فن الخط، ويرى أن الكمبيوتر أفسد فن الخط الغربى، ولا يزال يحلم، ونحن معه، بعودة اليوم الذى تكتب فيه «مانشيتات الأهرام» بالخط اليدوى، كما كان الأمر فى العهد السابق. كيف كانت بدايتك مع الخط العربى وما القيمة المضافة التى سعيت لتقديمها عبرهذا الفن الرفيع؟ لقد عشقت فن الخط منذ الصغر، وسحرتنى حروفه وتشكيلاته المتعددة، وكانت أمنيتى منذ الطفولة ليس أن أكون طبيبا أو مهندسا كعادة الصغار حين يسألون عن أمنياتهم، بل أن أصبح خطاطا مشهورا، ولهذا درست على أيدى مجموعة من صفوة أساتذة الخط العربى فى مصرمن خلال دراستى بمدرسة «الخطوط العربية»، وقد حصلت علي دبلومة الخطوط العربية بامتياز، ومن عشقى لهذا الفن الراقى قررت أن أعمل بتدريسه، وفعلا قمت بتدريس فنون الخط للصغار والكبار بالعديد من الأكاديميات والمؤسسات بمصر وبعض الدول العربية مثل السعودية وعمان، وحرصت فى نهجى الفنى على ربط البعد الجمالى للخط العربى بالبعد الوظيفى النفعى له، فاستخدمته كواحدة من أهم الوسائل التعليمية لتلاميذ التعليم الأساسى،كما قمنا بتوظيف أشكال ومجسمات من الخط العربى ضمن برنامج معالجة الأطفال مرضى «التوحد»، وغيرها، وقد لاقى هذا التوجه نجاحات كثيرة فى المعارض العربية والدولية التى شاركت فيها وآخرها معرض الفنون بالمجر، إضافة إلى معارضى الخاصة وكان آخرها بدار الأوبرا، وبقدر حبى لفن الخط فقد منحنى العديد من الجوائز والتكريمات بمصر والعالم العربى. كيف تصف واقع هذا الفن الآن ؟ واقع لا يليق بفن العربية الأول، والذى اختاره الله تعالى ليكون وسيلة تدوين كتابه «القرآن الكريم»، فالخط العربى يتعرض لهجمات شرسة فى إطار تجريف الهوية العربية، وانظر إلى لافتات الشوارع والمحال والشركات، بل بعض المؤسسات الحكومية ومعظم برامج الفضائيات وأسماء الأفلام والمسلسلات، واختلاط الحرف الأجنبى بالعربى فى مسخ حضارى مشوه، مع صمت المسئولين عن هذا القبح الحضارى يجعلنا ندرك مدى عمق الهجمة التى يمر بها الخط العربى، ويكفى تجاهل المسئولين تطبيق القانون الذى ينص على معاقبة من يكتب لافتة محله أو شركته بلغة بحروف وأسماء أجنبية مما أسهم فى تغريب الشارع المصرى، خصوصا على صعيد الأجيال الجديدة، وهى مأساة أخرى يجب العمل على إيقافها فقط ولو بتفعيل القانون. ما رؤيتك لمعالجات الكمبيوتر الحديثة لفنون الخط العربى؟ إدخال الكمبيوتر فى المعالجات الفنية للخط العربى يمختلف أنواعه ومدارسه أفسد هذا الفن الجميل، وشوه الكثير من قواعده وجمالياته، ولايزال الخط اليدوى هو صاحب الرونق والأفضلية لدى معظم الذائقة والمتلقين، والصحافة ووسائل الإعلام مع الأسف لعبت دورا كبيرا فى ذلك بالاعتماد على خطوط الكمبيوتر، ومع تقديرى لعامل الوقت الحاكم فى مهنة الصحافة، فإن مؤسسة صحفية عريقة مثل «الأهرام» بنت مجدها الإعلامى والإعلانى على تميز خطاطيها العظام، وآخرهم الراحل حامد العويضى، وسأظل أحلم بعودة اليوم الذى تكتب فيه مانشيتات «الأهرام» بالخط اليدوى، كما كان العهد فى السابق. ألا ترى أن هذا سير ضد تيار التطور؟ الخط هو فن الكتابة العربية الأول يتميز بقدرته على مسايرة التطورات والخامات، فتشكلت علاقة وثيقة بين كل نوع من أنواعه والمواد التي يكتب بها أو عليها، فرأيناه لينا ينساب برشاقة وغنائية، ورأيناه صلبا متزنا يشغل حيزه بجلال يمتد إلى ما حوله، ورأينا الصلابة واللين يتبادلان ويتناغمان فيه، وهو في كل أحواله يشدّ الناظر ويمتعه بجمالياته الخاصة وتجريديته المتميزة التي عرفها بشكل مبكر وراقٍ، مما جعل له مكانة خاصة بين الفنون التشكيلية، حيث كان بمثابة رأس الحربة فى تطويرها وتطورها، فالخط العربي يعتمد فنيا وجماليا على قواعد خاصة تنطلق من التناسب بين الخط والنقطة والدائرة، وتُستخدم في أدائه فنيًا العناصر نفسها التي نراها في الفنون التشكيلية الأخرى، كالخط والكتلة، ليس بمعناها المتحرك ماديًا فحسب بل وبمعناها الجمالي الذي ينتج حركة ذاتية تجعل الخط يتهادى في رونق جماليٍ مستقلٍ عن مضامينه ومرتبطٍ معها في آن واحد. ومن خلال نمطيْه الأساسيين المنحني والهندسي اللذين ينفرد كل منهما بجماليات خاصة، مع الزخارف المرافقة لهما، يستطيع الفنان إبداع نوع من الإيقاع نتيجة التضاد بين الأجزاء والألوان، وما يحققه ذلك من إحساس بصري بالنعومة والخشونة والتكامل الفني الناتج عن التوزيع الإيقاعي، مع تحقيق الوحدة في العمل الفني ككل. ومن خصائصه أيضا مخالفة الطبيعة، والتجريد والاستطراد، ممّا يمنح الفنان الحرية اللازمة للتشكيل , وفى هذا السياق وبكل اعتزاز أثمن جهود نقابة الخطاطين بمصر على الجهود العظيمة والإسهامات المشرفة من أجل حماية و النهوض بهذا الفن الرفيع والمبدعين القائمين عليه، لكنها جهود ليست كافية فى مواجهة طوفان تجريف الهوية العربية وفى مقدمتها فن الخط العربى، لهذا أطالب وزارة الثقافة بعمل مهرجان سنوى فنى للخط العربى منفردا، وتنظيم بينالى عربى خاص لفن الخط، وتخصيص جوائز مستقلة له بالمجلس الأعلى للثقافة، وتعميم دراسته فى جميع مراحل وأنواع التعليم ، وتخصيص أقسام مستقلة له فى كليات ومعاهد الفنون الجميلة والتطبيقية، والتركيز الإعلامى على قيمة وأهمية الخط العربى كعنوان للهوية العربية، وإدخاله فى مختلف مجالات الصناعة والتغليف بشكل فنى، وغيرها من وسائل التكريم والدعم لحماية ونشر هذا الفن الجميل الذى مع الأسف أصبح غريبا مهجورا، ومهانا فى وطنه.