السيد رشاد هى مدينة ليست ككل المدن، تحرسها الملائكة وتشد إليها الرحال، شهدت أعظم الطاعات لرب العالمين، وارتبطت بمواقف خالدة فى تاريخ الدعوة الإسلامية، وستظل دعوة حية للأمة، لحماية قيم الإسلام، وإحياء ما توارى منها، إنها المدينةالمنورة، طيبة الطيبة المباركة التى أشرقت برسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما هاجر إليها فتحولت من «يثرب» إلى المدينةالمنورة، ونهى صلى الله عليه وسلم عن تسميتها «يثرب» لأنه فى اللغة يعنى اللوم والتوبيخ، وهو ما لا يناسب مقامها الشريف. ومن أهم أسماء المدينة أيضا دار الهجرة، ودار الإيمان، ودار السنة. وتتعدد الأماكن المقدسة فى المدينة وأبرزها على الإطلاق المسجد النبوى الشريف، والذى كان مكانه من اختيار الله تعالى، فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم راكبا ناقته، وكلما مر بقوم من الأنصار دعوه إلى النزول عندهم فكان يقول لهم: «دعوها فإنها مأمورة». ويصف د. محمد محمد داود فى كتابه «البقاع الشريف دار المنار» المسجد النبوى بأن بناءه من الطوب اللبن، وكان سقفه من جريد النخل، وأعمدته من جذوع النخيل وخشبه، وبعد مرور 4 سنوات على الهجرة الشريفة كثر عدد المسلمين وضاق المسجد رغب النبى فى توسعته، فضاعفه من مائة إلى مائتى ذراع فى مثلهما، وأنشأ «الحجرات» ما بينه وبين القبلة ولم يزد الخليفة أبو بكر شيئا فى المسجد، لكن لفاروق عمر اشترى الدور التى حول المسجد وأدخلها فيه، ولما تولى عثمان بن عفان الخلافة زاد فيه من جهة القبلة والغرب والشمال واستخدم فى بنائه لأول مرة حجارة منقوشة وقضبان من الحديد والرصاص وسقف خشبى ولم يزد أحد من الخلفاء فى المسجد من عصر الوليد بن عبد الملك الذى أمر واليه على المدينة عمر بن العزيز بتوسعته وشراء ما حوله من دور وضمها إليه، وتوالت بعد ذلك التوسعات، حتى صار اليوم صرحا عظيما يضم مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها. وكان للمسجد فى عهد النبى نوعان من الأبواب، أبواب عامة يدخل منها الناس ويخرجون وهى باب عاتكة المعروف بباب الرحمة، وباب النساء وباب آل عثمان والمعروف بباب جبريل عليه السلام وباب دار القضاء وباب النبى عليه الصلاة والسلام، وأضيفت إليها أبواب كثيرة بعد توسعة المسجد. أما النوع الثانى فهو الأبواب الخاصة والتى كانت تفتح على أبواب الصحابة المجاورين، وأمر النبى بإغلاقها جميعا باستثناء فتحة أبى بكر الصديق رضى الله عنه. ومن أبرز معالم المسجد النبوى «الروضة الشريفة» وهى بقعة مباركة، ولم يرد نص عن بقعة من بقاع الأرض أنها من الجنة غير هذه البقعة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة»، وهناك أيضا منبر النبى صلى الله عليه وسلم وكان من ثلاث درجات حتى زاده مروان بن عبد الحكم، فأصبح ست درجات. وتوجد بالروضة عدة أسطوانات وهى الأعمدة التى تحمل السقف، وكانت فى البداية من جذوع النخل وهى: «أسطوانة السرير» وكان يضطجع عندها على سرير من جريد، وكانت محلا لاعتكافه، و«أسطوانة الحرس»، وتقع شمال أسطوانة السرير، وكان يجلس عندها بعض الصحابة يحرسون الرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قوله تعالى: «والله يعصمك من الناس» المائدة 67، فصرفهم النبى و«أسطوانة الوفود» شمال أسطوانة الحرس، وكان النبى يجلس عندها لاستقبال الوفود القادمة إليه، و«أسطوانة مقام جبريل»، وكانت موضع تهجد النبى عليه الصلاة والسلام ليلا و«أسطوانة عائشة» وتتوسط الروضة، و«أسطوانة المصحف» وتقع يمين المحراب، و«أسطوانة التوبة» وتقع غربى أسطوانة السرير. ووصف د. داود ترتيب حجرات أمهات المؤمنين، بأن أول حجرة كانت حجرة حفصة، تليها عائشة، ثم حجرة السيدة فاطمة، وبعدها حجرة أم سلمة وآخر الحجرات حجرة جويرة رضى الله عنهن، أما بقية الحجرات الشريفة فلم يتفق المؤرخون على مكانها من المسجد. وفضل المسجد النبوى عظيم، فالصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أحد المساجد الثلاثة التى تشد إليها الرحال مع المسجد الحرام والمسجد الأقصى. ومن أماكن المدينة المقدسة أيضا مسجد قباء، وهو أول مسجد أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو فى طريقه مهاجرا من مكة إلى المدينة، وكذلك المساجد السبعة، وكلها تقع غربى جبل سلع، وترتبط بغزوة الخندق، وكانت أشبه بمواقع أو نقاط إقامة للصحابة رضى الله عنه، وعمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب والسيدة فاطمة رضى الله عنهم.