الطيب الصادق صناعة سيارة مصرية حلم قديم تحقق فى الستينيات من القرن الماضى، لكن تم نسفه بعد ذلك بفعل فاعل كالعديد من الصناعات الأخرى، وتوقفت شركة النصر للسيارات عن الإنتاج، لكن هذا الحلم عاد من جديد، مع اختلاف الزمن والتحديات التى تواجه هذه الصناعة ، «الأهرام العربى» استطلعت آراء الخبراء حول قدرة مصر على تصنيع موتور مصرى خالص وأسباب الإخفاقات السابقة لعدم نجاح هذه الصناعة بعد أن كانت مصر رائدة ومصدرة للدول العربية . تعتبر مصر ثانى أكبر دولة فى شمال إفريقيا فى مجال تصنيع وتجميع السيارات حيث بلغ عدد شركات إنتاج السيارات حوالى 17 شركة تضم 27 خط تجميع وهناك حوالى 80 شركة توفر المكونات لشركات تصنيع المعدات الأصلية، بما يتوافق مع مستوى الجودة العالمية وتتمتع مصر بميزة نسبية فيما يتعلق بتوافر العمالة الماهرة وانخفاض تكلفتها . المهندس عادل جزارين، رئيس لجنة السيارات بالمجلس القومى للإنتاج، أكد أن مصر قادرة على تصنيع موتور الديزل والبنزين، خصوصا أنه تم تصنيعهما من قبل ولم يحتاج الأمر إلا لإرادة سياسية، مشيرا إلى أن مصر تمتلك ما يقرب من 300 مصنع مغذ لصناعة السيارات منها 60 مصنعا بقدرات تصديرية ،مشددا على ضرورة الاهتمام بالصناعات المغذية للسيارات من خلال إنشاء قاعدة لتصنيع الأجزاء، حيث إن الصناعات المغذية لاتقل عن 55 % من السيارة . وأشار إلى أن مصر قامت بتصنيع أول موتور ديزل تبريد هوائى فى الستينيات بقوة 125 حصانا بنسبة ٪80 الذى كان يوضع فى اللورى الحربى والأتوبيسات، كما أن المصانع الحربية كانت تصنع موتور ديزل فى نفس الوقت للأغراض الصناعية للطلمبات ثم تم تصنيع الموتور البنزين 1500 سى سى، وتم وضعه فى السيارات 125 وكانت بنسبة تصنيع مصرية تصل إلى 75 % وحاليا تعاقدت المصانع الحربية مع الهند على تصنيع موتور ديزل . وأوضح أنه تم هدم شركة النصر للسيارات عمدا وتوقفت عن التصنيع وتم استبادلها ب 12 شركة تقوم بتجميع السيارات بدون أى فائدة اقتصادية للبلاد ولكن بعد مجهود تم بذله عندما كنت أشغل منصب رئيس الشركة تم اعادة التصنيع للحياة مرة أخرى، وتم بعد ذلك ضم الشركة لوزارة الإنتاج الحربى، مشيرا إلى أنه وجه دعوة للمهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء، لزيارة شركة النصر للسيارات والتعرف على المعدات المتوقفة مع سبق الإصرار . ولفت النظر إلى أن مصر كانت رائدة فى تصنيع موتور السيارات وقمنا بتصدير المنتجات للعديد من الدول العربية من لوارى وأتوبيسات، حيث قمنا بالتصدير للعراق وليبيا وسوريا والسودان، مشيرا إلى أنه كان متوافرا فى مصر المسابك والمطروقات التى يصنع منها الموتور، وكانت شركة النصر للمطروقات تمد الشركة بمواد الخام اللأزمة لصناعة السيارات ولم نحتاج للمواد الخام الخارجية، كما أنه كان يوجد مسبكان يقومان بإمداد المصنع بما تحتاجه الصناعة من مواد خام . وأضاف جزارين أن السوق المصرية تستوعب 150 ألف سيارة ركوب سنويا ، مما يؤكد وجود القدرة نحو إنشاء مصنع جاد يسهم فى تصنيع سيارة مصرية الصنع، حيث إن إنشاء المصنع يتطلب حجم تسويقى لا يقل عن 100 ألف سيارة سنويا، مطالبا الحكومة بضرورة التعاقد مع شركة عالمية لتصنيع سيارة الركوب فى مصر، والتعاقد أيضا مع شركة عالمية لصناعة اللوارى والأتوبيسات لإعادة الإنتاج كما كان فى السابق . ومن جانبه يوضح المهندس حمدى عبدالعزيز، رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية أن هناك بعض التحديات التى تواجه صناعة السيارات فى مصر، منها ارتفاع معدل التكلفة اللأزمة لدعم زيادة المحتوى المحلى فى ضوء محدودية الطلب وعدم توافر الأطر التنظيمية اللازمة لدعم تنافسية المنتجات عالية الجودة فى مقابل المكونات المستوردة ضعيفة الجودة، مشيرا إلى أن صناعة السيارات فى مصر تواجه حاليا الكثير من التحديات المرتبطة باتفاقيات مصر التجارية الدولية مثل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبى، والتى تؤدى إلى انخفاض القدرة التنافسية محليا وغلق المصانع المحلية، حيث تقتضى اتفاقية الشراكة الأوروبية بالتخفيض التدريجى للتعريفة الجمركية حتى الوصول صفر بحلول عام 2019 ولم يكن هذا الاتفاق ليمنح حرية وصول العلامات التجارية الأوروبية إلى السوق المصرية فقط، بل فتح الباب أيضا أمام العلامات التجارية غير الأوروبية التى يتم إنتاجها فى أوروبا، ووفقا للمخطط الضريبى الحالى سوف تفقد مصر قدرتها التنافسية بحلول عام 2015 ولن تتمكن الشركات المصرية بالاستمرار فى المنافسة لأنها لن تتمكن من تحقيق اقتصاديات الحجم .. وهناك اتفاقية أغادير بين مصر والأردن والمغرب وتونس والتى تم توقيعها فى 2011 وتجعل من هذه الدول منطقة حرة للتجارة فيما بينها بدءا من 2005 .. وأشار إلى أن هناك تأثيرات مباشرة لهذه التهديدات على صناعة السيارات وتتبلور فى ثلاثة محاور تضم الصناعة والعمالة، والدولة ولن تستطيع أغلبية شركات السيارات الاستمرار فى المنافسة مع غياب برنامج لمساندة المصنعين المحليين ومن المتوقع أن ينخفض عدد المصنعين من 7 مصنعين إلى اثنين فقط ولن تحظى شركات الصناعات المغذية بمعدلات الطلب الكافية التى تمكنها من مواصلة المنافسة، فضلا عن خسارة 43 ألف وظيفة مرتبطة بشكل مباشر بصناعة السيارات ويليها وظائف أخرى غير مباشرة بحلول عام 2020، كما تمثل واردات السيارات ومكوناتها ثانى أكبر بند فى واردات مصر، ومن المتوقع أن تزيد مع انكماش حجم الصناعة لتصل إلى 9، 8 مليار دولار بحلول عام 2020. ومن جانبه يرى الدكتور وليد الحداد الخبير الاقتصادى أن مصر فى الماضى كانت تعمل بسياسة إنتاجية مختلفة عن الوقت الحاضر، حيث كان الإنتاج يتم بناء على توجهات الدولة و الإرادة السياسية التى تحتاج لها الصناعة كما أن توجهات الدولة كانت لا تحكمها قواعد الربح والخسارة، بخلاف العصر الحالى الذى تحكمه عوامل كثيرة ومتداخلة ومعقدة فى ظل نظام السوق المفتوح وجزء كبير منها يخضع لحسابات الربح والخسارة والعائد على الإستثمار من مصنع عملاق لصناعة المحركات، مشيرا إلى أنه لابد أن يكون هناك حد أدنى من عدد السيارات المنتجة حتى يتم الاستثمار فى مصنع لصناعة المحركات وإلى الآن لم نصل لهذا الحجم والسوق المصرية لا تستطيع استيعاب هذا العدد من السيارات مع المنافسة الشديدة من السيارات المستوردة، فضلا عن عدم الثقة فى المنتج المصري. وأشار إلى أنه يتم الآن فى مصر تجميع السيارات وليس تصنيعها، كما أن الاستثمار فى مصنع للمحركات يحتاج إلى جهد ضخم وتنسيق جهود لمنتجى السيارات ومنتجى الصناعات المغذية ورفع كفاءة العامل المصرى وفتح أسواق جديدة للسيارة المصرية، وفتح قنوات اتصال فاعلة مع مراكز البحوث العاملة فى هذا المجال للتطوير والتحسين المستمر للمنتج ورفع كفاءته وتخفيض تكلفة إنتاجه موضحا أنه توجد لدينا مشكلة متشابهة فى صناعة الأجهزة المنزلية، وإلى الآن لم تصنع مصر «كمبروسور» الثلاجة بعد أن كان هناك مشروع فى الماضى أيام الريان، عندما اتحد مع السعد ليقوما بإنشاء مصنع لصناعة موتور الثلاجة لكن لم يتفق مصنعو الثلاجات فى مصر على الاستثمار فى مصنع مجمع لصنع موتور الثلاجة يخدم كل المصانع الموجودة فى مصر، لأن هذا المشروع يحتاج إلى استثمارات ضخمة ولا يصل لحجمه الاقتصادى إلا إذا كان حجم الإنتاج كبير جدا. وحول دخول شركات أجنبية فى تصنع السيارات فى مصر، أكد الدكتور الحداد أن هذه المصانع لا تقضى على الصناعة الوطنية ولكنها تفيد السوق المصرى بإدخال أحدث المنتجات، وهناك شركات كبيرة تنتج منتجات من فئة معينة لا يستطيع أن يتعامل معها مصنعو السيارات فى مصر .