حوار – أسامة الألفى عرفتها من خلال قصائدها الرصينة ومشاركاتها المتنوعة في المحافل الثقافية المغربية والعربية، وجدت فيها شاعرة استطاعت بعفوية وفطرة سليمة أن تحقق معادلة التوازن بين اللفظ والمعنى، وبين الأصالة والمعاصرة، بين الحلم وما هو متاح على أرض الواقع. فاطمة الزهراء بلمختار شاعرة مغربية تجاوزت إطار المحلية الضيق إلى سماء العروبة الأرحب عبر قصائدها، معبرة عن أحلام وآمال المرأة العربية وتطلعاتها، وعلى امتداد ساعات طويلة دار حوار معها حول قضايا الشعر المغربي خاصة والثقافة المغربية عامة، وجدلية البعد الثقافي والفكري بين مشرق العالم العربي ومغربه، وقضايا أخرى، استهللنا حوارنا معها بسؤالها ما الذي تجسده أشعارك، قالت: هي ببساطة وليدة أفكاري وجدتها تلازم وعيي ومدى احتكاكه بالدوافع المختلفة، وكتاباتي دائما نتيجة لحدث ما، ولكن لا تنحصر بفترة زمنية، لأن المواقف تتغير حسب "نسبة" إعجابي بشيء ما أو كرهي له، وسواء كانت الصور إيجابية أم سلبية عن أشخاص أم أماكن وأزمنة وأحداث، فإنها تخلق في وعيي واللاوعي عندي موقفا تجاه الشيء نفسه، أو ما يسمى "بالاستجابة الإدراكية" فهي تقويم إدراكي للشيء، الأغرب أنه يمكن لنا أن نتناقض ونتصارع تجاه موضوع معين، ممايعنى أن الناس يمتلكون اتجاهات إيجابية أو سلبية نحو هذا الموضوع في نفس الوقت، والتلقائية الشعرية التي بداخلي تأخذني بإصرار والتزام. وماذا تقولين عن قصيدة النثر؟ أتساءل أحيانًا: ماذا يضيرنا إن كتبنا تحت النص غير الموزون "نثرًا "وتحت كل ماهو موزن "قصيدة "؟ وكيف يعقل أن أسقط الوزن ولا أكتفي بهذا بل أسقط التفعيلة المفردة كما هو الأمر في الشعر الحر، وربما اقتضت الضرورة أن ألغي القافية بما أنها غير ملزمة بالنثر، ثم أطلق على ما كتبته قصيدة؟ القصيدة في مفهومي هو الشعر الذي احتوت بنية بيته على صدر وعجز، ويحتكم إلى أحد أوزان البحورالعروضية، وعلى حد تعبير ابن رشيق : الشعر يتركب من أربعة أشياء : اللفظ والمعنى والوزن والقافية. لاحظت وجود مشاركات واضحة لك في العديد من المؤتمرات والندوات الأدبية عبر الوطن العربي وخارجه.. فهل استطاعت هذه الفاعليات تقديم إيجاد علاقة بين الأديب والمتلقي؟ المهرجانات تعكس ثقافة الأمة وهويتها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، والأديب ملزم بمبارحة برجه العالي المسيج بالخيال أحيانا، والكتّاب الآن لم يعودوا تلك النخبة المعزولة في فضائهم المخملي ليصدروا من خلاله خطابا غامضا غير مدروس للمتلقي، فثمة إشكالية ينبغي أن نستوعبها في معزل عن كل المؤثرات حولنا سياسية كانت أو فكرية أو شخصانية وهي سبب التأزيم بين المتلقي والأديب، نحن ملزمون بإنتاج خطاب تفهمه كل الشرائح الاجتماعية، عبر لأحتكاك المباشر بالمجتمع دون إهمال العودة بين الفينة والأخرى إلى ثقافته الإسلامية العريقة، لكن هناك مشكلا آخر ربما يكون خارج نطاق السؤال، فالمهرجانات الثقافية مازالت مهضومة الحقوق هنا بالمغرب، مقارنة مع تلك التى تهتم بالسياسة والفن والرقص والغناء، التي يخصص لها دعم مادي يقدر بالملايين ينفق على إقامتها وتنظيمها والإشراف عليها وأجرة الفنانين والفنانات تستفيد منها فرق موسيقية وفنانون من خارج الوطن، في الوقت الذي يعاني أبناء الوطن من البطالة والفقر والحرمان، ملايين تضيع في ملتقيات يحضر أكثر مشاركيها لتمضية فترة نقاهة واسترخاء، مما يجعلها ملتقيات تفسد ولا تفيد. يرى بعض النقاد أن الشعر المغربي لم يكتسب مفهومه الفني إلا أواخر ستينيات القرن الماضي، فما سبب ذلك في تقديرك؟ إن كنتم تقصدون "بالفني" المفهوم الحديث أو التجديدي فمن باب التقدير لا يمكنني أن أدلف لهذه النقطة دون ذكر الرواد الأوائل، أي المدرسة الكلاسيكية للشعر المغربي: عبد القادر حسن، عبد المالك البلغيثي، محمد بن علي الوكيلي، محمد بن إبراهيم، إبراهيم الالغي، علي الصقلي، محمد الحلوي، وغيرهم كثير من رواد الشعر العربي القديم الذين حاكوا أروع القصائد منها "مولديات علال" و"وطنيات السوسي" "وبدائع بن موسى"، إلخ. القصيدة المعاصرة أو الشعر الحداثي بدأت تباشره الأولى في نهاية الخمسينيات وليس بالستينيات، في الستينيات كانت القصيدة تعيش انقباضات رحمية بسبب الأوضاع السياسية والاجتماعية، وحسب المعطيات فظاهرة الشعر المغربي الحديث بمعناها الحقيقي طفت على الساحة عام 1964م، وهذه المرحلة عرفت انتعاشا ملموسا في حركة التأليف والنشر تزايدت قوته في السبعينيات على يد التيارات الشعرية الطلائعية، إلا أن القصيدة الستينية حققت مجموعة من المكتسبات الإيجابية، من بينها استقلاليتها وبروز ملامحها لأنها تمردت على التقليد وليس على الأصل بواسطة: الجوماري وأحمد صبري وبنسالم الدمناتي الذي أقر أنه كتب القصيدة في 1960م، أيضا لا ننسى السيد محمد السرغيني وعبدالكريم الطبال وآخرين، عكس شعراء السبعينيات الذين وصفهم الرواد بكونهم مجرد استنساخ لتنظيرات أدونيس المأخوذة من جماعة شعر الفرنسية، وبالتالي وجدوا أنفسهم أسرى الجيل الذي سبقهم وجزءا لا يتجزءا منه. يعتقد كثيرون أن قامة النقد والرواية في المغرب أعلى من قامة الشعر، فباستثناء الشاعر الكبير محمد بنيس لانعرف في المشرق كثيرا عن الشعراء المغاربة، فيما تتداول كتابات الناقد محمد برادة والروائيين الطاهر بن جلون ومحمد شكري، فما تعليلك؟ للحديث عن هذا الجانب يجب الرجوع للحصيلة التي من خلالها يمكننا الحكم بحيادية وتقول الخلاصات الجلية عن سنة 2012 م على سبيل المثال، نشر الكتّاب المغاربة 271 عملا أدبيا ونقديا وزعت كما يلي: في الإبداع: 223 عملا تمثلت في 104 مجموعات شعرية، 47 مجموعة قصصية قصيرة، 39 رواية، 26 مجموعة زجلية، 7 نصوص مسرحية، 48 عملاً نقديًا، منها 17 تتعلق بنقد الشعر و12 في مجال النقد العام، و9 في النقد الروائي، و5 في النقد القصصي، و5 في النقد المسرحي، بالنسبة للشق الثاني من السؤال فأكيد هناك أسماء شعرية جديدة عدم وصول صوتها للمشرق لا ينفي وجودها. هناك شيء من الانفصال بين المغرب والمشرق العربي في الفكر والأدب والثقافة، إلى ماذا نرده وكيف نعالجه؟ تعدد وتزاخم الثقافات هو سنة ربانية واستجابة لضرورة اجتماعية تمت تحت وصاية التاريخ، وإذا كنا نعترف بالتعددية داخل البلد الواحد فمن باب أولى الاعتراف به داخل الأمة الواحدة، لابد لنا تقبل هذا الواقع الغني بكل مرجعياته الإيديولوجية ومعتقداته واختلافاته واعتباره أمرا طبيعيا، من حقنا أن تكون لنا هوية مغاربية خاصة بنا، ننميها ونبلورها نحترمها لأنها جزء منا من تراثنا، هذا التراث الذي ربما لو تحاورنا سنجده في الأخير أرضا خصبة تتشاركها جميع الدول. أعترف أن جدلية البعد الثقافي والبعد الفكري بين المغرب والمشرق مسألة حديثة، وليدة لعدة عوامل معروفة منها الاستعمار والخلافات العربية، وسأغض الطرف عن عامل البعد الجغرافي الذي لم يكن قط عائقًا أمام ذاك الإثنوغرافي الأصيل الذي سمي بالرحالة العربي، الذي استطاع بترحاله الدائم أن ينمي ثقافة التواصل بين المغرب والمشرق، ولو ذهبنا لمنبع الشريعة نسأل آيات القرآن الكريم لوجدنا الكثير منها يؤكد بإلحاح ضرورة التعاون بين الأمة الواحدة لا لشىء، سوى صون للحياة وتفعيل لسعادة الإنسان، كما أكد الرسول صلى عليه وسلم ضرورة التعاون والتواصل، في المعاهدات التي أجراها مع جيرانه، وعلى سيرته الخلفاء الراشدون ساروا حين ركزوا على تنظيم العلاقات بين الأجناس والطوائف، وفعلا نجدها قد اجتمعت تحت لواء الإسلام بفضل الحوار الحضاري. وإلى أي تصنيف نصنف الأدب المكتوب بالفرنسية وموضوعه عربي؟ في سنة 1953م كتب إدريس الشرايبي أول رواية مغربية بالفرنسية خلال مرحلة حاسمة في تاريخ المغرب - آنذاك - سميت بمرحلة المقاومة، هذه الجرأة من الكاتب خلقت نوعا من الخيبة بالنسبة للطرفين، اتجاه الأدب المغربي التقليدي بوصفه يخجل من مسايرة الركب المعاصر، وأيضا خيبة المجتمع تجاه الكاتب الذي وصف بالخيانة لكونه صبأ عن دين الرواد، وكتب بلغة يمكنها أن تفضح كل المسكوت عنه أمام المستعمر الفرنسي، وتبعه كثير مثل: الطاهر بن جلون ومصطفى النيسابوري وعبد اللطيف اللعبي، والراحل محمد خيرالدين، وفاطمة المرنيسي، وبرغم أن أدب هؤلاء الرواد اختار أن ينهض على أسس متشابهة، تجسدت في مجموعة من المفاهيم كالنضال وكونه مرحلة مبدئية، وأيضا الهوية والانتماء، والأنا والآخر، والشمال والجنوب، والاغتراب، إلا أن بعدهم جاء جيل آخر يناقش مفاهيم أخرى لها علاقة بالآخر، من خلال فتح نوافذ الحوار والإقرار بالاختلاف والحاجة للتعايش، مقدما أدبا منفتحا يحاول التماشى مع توجهات الأدب العالمي الجديد. الأدب المغربي الجديد المكتوب باللغة الفرنسية واقع يجب التعايش معه خصوصا في الفترة الراهنة لما وصل إليه من تطور، ووجود دراسات شاملة مهمة تجرى حوله في كل من أمريكا وكندا وفرنسا طبعا، وهذا شىء مهم، أيضا الصحف المغربية الناطقة باللغة الفرنسية، عديدة ومتنوعة تتابع جديدة وتقدم مقالات وحوارات يومية مع كتابه، كما أن هناك برامج إذاعية ثقافية جيدة تسايره وتدعمه، الخلاصة يجب أن يكون تقويمنا من خلال جودة النص وليس اللغة، فمادام الكاتب الفرانكفوني استطاع ملامسة القضايا الكونية دون التخلي عن جذوره الأصيلة، يستحق منا الدعم والتقدير. كيف تصفين المشهد الأدبي الراهن في المغرب؟ المشهد الثقافي بالمغرب "مُسَيَّسْ" إلى حد كبير، ومادامت السياسة (والأحزاب المؤسساتية) هي المهيمن الرئيسي على المشهد الأدبي فيستحيل عليه نيل مشروعيته، نقطة ضعفه افتقاده إستراتيجية خاصة، والدليل ما يعيشه المثقف المغربي الآن، جل المعالم الثقافية في مستوياتها الإيديولوجية والفكرية والأدبية خاصة، تبحث عن أرض غير مسيسة لتسيجها بسياج الخصوصة والتفرد، المشكل عميق يحتاج لمعجزة أو يد من حديد تستطيع تغيير التعاملات القبيحة التي شابت الوسط الثقافي، من محسوبية وزمالة وحزبية، قبل وبعد تغيير الحكومة مازلت أردد في جل الملتقيات والمنابر: نحن في أزمة وتلزمنا إستراتيجية واضحة، وتفعيل اقتراحات قوية ذات بعد قريب للدفع السريع بالآليات الجديدة، للرفع من وتيرة الإنتاج الفكري للكتاب، وزارة الثقافة وكل مسئولي الشأن الثقافي ملزمون بتفعيل شراكة "حقيقية" مع باقي الوزارات مثل السياحة والتربية الوطنية والتعليم العالي والصناعة، وكل القطاعات التي يمكنها أن تنعش المنتوج الثقافي بالمملكة، كل المشروعات الخاصة بالإنصاف والمصالحة التي خرجت أخيرا مثل (سلسلة الأعمال الكاملة، والكتاب الأول، ودعم الكتاب) لم تضف للمثقف المغربي إلا المزيد من القهر والحيف لما شابها من انعدام الشفافية وهضم حق الأقلام المغمورة والإبداعات المقصية والمهمشة، وربما يحمل الغد ردودا منطقية لتساؤلات لا تزال تحيرنا.