يبدو أن صناع السينما العالمية يؤمنون بنظرية واشنطن التى أطلقتها فى عام 2004 تحت العنوان المثير للجدل “الفوضى الخلاقة"، لأنهم يقدمون أيضا الفوضى التى تصنع المصالح الهوليوودية! وهى بالتأكيد جملة ساخرة، فعالم الفن والقواعد فيه تعنى الجمود أحيانا، لذا هناك حب دائم للانطلاق والتحرر من القوالب، مما يختلف بالتأكيد عن عالم السياسة، لكن فى الولاياتالمتحدةالأمريكية تروج غالبا السينما للسياسة، وفى الأفلام الهوليوودية نلمس تعاطفا مع الأفكار الفوضوية! ظهر الفوضويون فى العصر الحديث أثناء الثورة البلشفية فى روسيا، وتعاونوا مع الشيوعيين، ثم ظهروا بعد ذلك فى ألمانيا، لكن لأنهم لا سلطويين، فهم يرفضون السلطة بكل أشكالها فلم يحاولوا الوصول للحكم.ثم عادت أفكارهم لتظهر مرة أخرى على السطح وربما بأشكال أخرى.. وأحدث الأفلام التى تروج للفوضوية هو الجزء الثانى من"شارلوك هولمز:لعبة الظلال" إنتاج أمريكى ومن من نوعية الغموض والحركة وتدور أحداثه فى نهاية القرن التاسع عشر بطولة النجمين الأمريكى روبرت داونى جونيور والإنجليزى جيود لو ومن إخراج الإنجليزى أيضا جاى ريتشى، الذى اشتهر بكونه الزوج السابق للمغنية مادونا أكثر من إخراجه لأعمال مميزة مثل “لكمة خطافية"، وهو أيضا الذى قدم الجزء الأول من شارلوك هولمز فى عام 2009. وهذه المرة يقوم المحقق الإنجليزى الشهير بفك الألغاز بمطاردة الفوضويين الذين يقومون بأعمال إرهابية ! لكن كعادة هوليوود فهى تتفنن فى تقديم الأشرار بحيث يقع المشاهد فى غرامهم، وتتجه أصابع الاتهام لمجموعة من الغجر، وندخل عالمهم السحرى، وتلعب الجميلة نومى راباس وهى ممثلة ولدت لأم سويدية وأب إسبانى، دور الغجرية التى تعمل بالتأكيد كعرافة آسرة واسمها مدام سيمزا، والتى تكشف له أن شقيقها تورط مع الشرير مورياتى وقام بهذه الجرائم متخفيا وراء أيديولوجية فى ظاهرها راديكالية وفى باطنها أناركية أو فوضوية ! لذا يسعى هولمز ومساعده الدكتور واطسن لإنقاذ العالم من اندلاع حرب عالمية، وذلك بمنع تفجير مؤتمر السلام الذى سيقام فى سويسرا! ولنعود قليلا بالذاكرة، فطالما قدمت السينما نموذج الشخص المتهم بالفوضوية كشخصية متميزة لكن لا تجد من يفهمها!مثل شخصية معد البرامج العبقرى الذى قام بدوره النجم الأمريكى آل باتشينو فى فيلم"الدخيل"إنتاج أمريكى لعام 1999.حيث يسعى دوما لطرح قضايا خطيرة فى برنامج “60 دقيقة"الإخبارى الشهير، ومنها قضية فضح شركات السجائر التى تستخدم مواد سامة فى صناعتها!فيتهمه رئيسه بأنه فوضوى! وفيلم"كوكو قبل شانيل" إنتاج فرنسى - بلجيكى مشترك لعام 2009 بطولة الممثلة الفرنسية أودرى توتوو، الذى يستعرض السيرة الذاتية لمصممة الأزياء الباريسية الشهيرة كوكو شانيل فى بداية القرن العشرين، التى تحدت المجتمع وقتها وقررت إقامة مشروعها الخاص، وهو أمر غريب فى عصر لم تكن المرأة تعمل فيه!كما أن خطوطها كانت تحمل جرأة كبيرة وقتها، أما الآن فهى تعتبر من أعمدة الأزياء الكلاسيكية مثل التايير الشهير الذى تقلده بيوت الزياء الأخرى! ووصفها الرجل الذى أراد الزواج به وحاول إثناؤها عن أفكارها الإبداعية، بأنها فوضوية! ولا يمكن الحديث عن الفوضى دون التطرق للفيلم الشهير"ثاء من ثاء"أو المعروف بين الشباب باسم فنديتا، والذى ترك أثرا كبيرا لدى الكثيرين بفضل فلسفته العميقة، وهو إنتاج أمريكى - بريطانى - ألمانى مشترك لعام 2005، بطولة الممثلين الإسرائيلية ناتالى بورتمان والأسترالى هيوجو ويفنج الذى لا نرى وجهه أبدا لأنه يخفى التشوهات التى حدثت له خلف قناعه، وقد شاهدناه قبل ذلك فى سلسلة أفلام"ماتريكس". ويتم طرح الأفكار الفوضوية بشكل أكبر فى فنديتا، فكثير من الشباب المتحمس يحب ارتداء قناع أو يفضل استخدام صورة القناع الشهير"فنديتا" الذى يرتديه البطل من خلال صورة البروفايل الشخصى فى المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعى على شبكة الإنترنت، وتحول إلى رمز للثورة المصرية أحيانا وشاهدناه أيضا فى أحداث وول ستريت مع قناع سلسلة أفلام “الصرخة".وفيلم فنديتا مستوح من القصة الشهيرة التى تتناول فكرة الانتقام “الكونت ديه مونت كريستو"للكاتب أليكسندر دوما، وتعود فكرة القناع لثائر فى التاريخ الإنجليزى اسمه جاى فوكس سعى لحرق البرلمان!!وفى المقابل سعى شباب متحمس آخر بالتهديد للرد على هؤلاء أنهم من الممكن أن يرتدوا قناع"سو"نسبة لبطل سلسلة أفلام الرعب البشعة “المنشار.لكن حرب الأقنعة توقفت..وانتصرت الواقعية فى هذه المرحلة!