حسناء الجريسي كشفت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة عن تفاصيل أعمال الترميم والصيانة الجارية في قصر الحصن، المبنى التاريخي الأكثر أهمية في أبوظبي. وتهدف الهيئة من خلال هذا المشروع إلى استعادة التصاميم المعمارية للقصر، وشكله الأثري، لإبراز أصالة تاريخ أبوظبي، والتأكيد على مكانتها في الماضي وصولاً إلى ما هي عليه من تقدم ونهضة وعمران في وقتنا الحاضر. ويعد قصر الحصن، الذي بُني في منتصف القرن الثامن عشر ويخضع في الوقت الحالي لمشروع متكامل للتطوير والترميم والصيانة، رمزاً لنشأة أبوظبي، ومثالاً للشموخ والإباء، وأيقونة تاريخية تمثل الثقافة الإماراتية وتقاليدها العريقة. وقد اجتمع فريق يتضمن عدداً من أبرز المؤرخين والمهندسين المعماريين وخبراء الترميم للعمل في هذا المشروع، وذلك لإزالة الطبقة البيضاء السميكة المكونة من الجبس والإسمنت والتي أضيفت إلى جدران القصر في ثمانينيات القرن الماضي، لإبراز الأحجار المرجانية والبحرية والتي كانت من أهم مواد البناء التي كان يستخدمها الإماراتيون في الماضي. ومن ناحيته أكد معالي الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان، رئيس مجلس إدارة هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، على أهمية القصر التاريخية وضرورة إنجاز أعمال الترميم الجارية فيه، قائلاً: "تأتي أهمية قصر الحصن من كونه رمزاً يسهم في تعزيز الهوية الوطنية والتراث الإماراتي الأصيل. كما يعد القصر أيضاً المبنى المركزي في الوجهة الثقافية الجديدة في المنطقة، والذي تجري فيه أعمال الترميم حالياً وفق أعلى المعايير الدولية وأفضل الممارسات المعترف بها لإدارة مواقع التراث العالمي". وحول الدور الذي تقوم به هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في ترميم القصر، أضاف معاليه: "يقدم المشروع تجربة مختلفة للزوار تمكنهم من تكوين علاقة شخصية مع قصر الحصن، يتعرفون من خلالها على القيم التراثية الإماراتية العريقة وهويتها الوطنية". وتتجلى أهمية أعمال الترميم في منع الرطوبة من الوصول إلى سطح الحجر المرجاني الذي يقع تحت الطبقة البيضاء التي أضيفت قبل سنوات، خاصة وأن احتباس الرطوبة على سطح هذه الأحجار سيؤدي إلى تآكلها ويتسبب بآثار ضارة ومؤذية على بنية المبنى التاريخي. وسيحظى أبناء الإمارات والمقيمون على أرضها وزوارها أيضاً قريباً بفرصة للاطلاع عن كثب على أعمال الترميم الجارية في القصر، باعتبار أن بعض أقسامه بما في ذلك ردهة القصر ومبنى القلعة القديمة، ستكون مفتوحة للزوار من خلال جولات تعريفية وتثقيفية بمرافقة مرشدين أثناء انعقاد فعاليات مهرجان قصر الحصن السنوي الذي يقام تحت رعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وذلك من 20 فبراير إلى 1 مارس 2014. وسيتمكن زائرو المهرجان السنوي، الذي تتولى تنظيمه هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، من الاطلاع على أعمال الترميم التي يخضع لها المبنى. ويتولى مارك بويل كيفين، مدير قسم الهندسة المعمارية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، رئاسة المشروع منذ انطلاقته، وهو على دراية بالأهمية التاريخية التي يتمتع بها موقع قصر الحصن: "إن الطبقات الحديثة التي أضيفت إلى جدران القصر في ثمانينيات القرن الماضي تتسبب في خنق البنية التقليدية التي تتكون منها الجدران التاريخية. كما يتعرض المبنى منذ ذلك الوقت لتكييف داخلي يبرد المبنى إلى 24 درجة مئوية. ويساهم هذا المزيج من البرودة الداخلية والحرارة الخارجية في تشكيل طبقات تكاثف محتبسة داخل الجدران وعلى سطوح الحجر المرجاني". وكانت قبائل بني ياس في أبوظبي قد أنشأت قصر الحصن في منتصف القرن الثامن عشر ليكون برج مراقبة مبني من الحجارة البحرية والمرجانية، وليساهم في تأمين خطوط التجارة الساحلية، ولحماية المنطقة التي استقطبت الكثير من السكان الذين استقروا فيها حول مصادر المياه التي اكتشفتها القبائل في الجزيرة. أضحى قصر الحصن بعد ذلك مقراً لإقامة أجيال متعاقبة من أسرة آل نهيان الحاكمة. وأدرك الشيوخ الكرام الذين تولوا الحكم مدى الأهمية الاستراتيجية والرمزية التي تتمتع بها القلعة، حيث قاموا ببناء تحصينات منيعة وجدران خارجية ومبان إدارية ومساكن لإقامة الاسرة الحاكمة، لتتميز القلعة في نهاية الأمر بمظهرها الجميل الذي تبدو عليه الآن. وكان بيتر شيهان، مدير المباني التاريخية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، قد عمل على هذا المشروع منذ بدايته، حيث أجرى الأبحاث الأثرية التي تهدف إلى معرفة العواقب التي ستتعرض لها بنية القصر وتوفير المعلومات اللازمة عن أعمال الترميم والحفاظ على القصر. وقال بيتر: "إنها عملية منظمة وممنهجة، ونحن نعمل بتأنٍ كبير بقدر ما نستطيع، ونسعى إلى ضمان المحافظة على المبنى ووصوله إلى أعلى المعايير الممكنة ليكون فخراً للإماراتيين في الوقت الحالي ولأجيال المستقبل الذين سيتمكنون من الاطلاع على تاريخ القلعة والأهمية الثقافية التي تتمتع بها". وفي كل مرحلة من مراحل أعمال التوسعة التي نفذت خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، استخدم عمال البناء الأحجار المرجانية والبحرية والتي جمعوها من قاع الخليج والشعاب المرجانية. وقد ثبتت الأحجار مع بعضها بواسطة خليط مصنوع من المرجان المطحون والأصداف المكسرة. وسيساهم مشروع الترميم في إعادة إظهار الشكل الأصلي للمبنى بعد إزالة الطبقات التي تغطيه. ومن أبرز المظاهر البارعة التي يتميز بها البناء هو البارجيل، وهو نظام التكييف والتهوية التقليدي والفعال والذي يعد من أقدم الأساليب المتبعة لهذا الغرض. ويتكون النظام من أقواس متراجعة في الجدران الخارجية توجه النسائم البحرية من الخارج إلى داخل الغرف عن طريق ممرات ضيقة خاصة. ومن أبرز الأقسام التي ستتضمنها أعمال الترميم هو استعراض شبكة التهوية والتكييف هذه أمام الزائرين وتعريفهم على الأساليب الذكية والمميزة التي استخدمها سكان المنطقة في أعمال البناء في السابق. وبسبب تاريخ قصر الحصن وأهميته الكبيرة بالنسبة لأبوظبي، فقد توجب أن تتم أعمال الترميم بعناية وتأن إلى أقصى الحدود لتجنب أي ضرر قد تتعرض له بنية القصر الأصلية، وخاصة برج المراقبة الأقدم والذي يصفه بيتر شيهان بأنه "أكبر تحد بالنسبة للمهندسين المعمارين وخبراء الترميم" من أجل الحفاظ على البناء الأصلي وأسلوب العمارة المميز. وسيتمكن مواطنو دولة الإمارات والمقيمون فيها والزائرون من الاطلاع على أعمال الترميم خلال فعاليات مهرجان قصر الحصن الذي يقام تأكيداً على الأهمية التاريخية للمبنى واحتفاءً بالتراث والثقافة الإماراتية على مدى قرون من الزمن. يستمر المهرجان لمدة عشرة أيام من 20 فبراير وحتى 1 مارس.