محمد عبد الحميد لا صوت يعلو فوق صوت الاستفتاء على التعديلات الدستورية.. تلك هى حال الشارع المصرى هذه الأيام فأينما وليت وجهك تجد من يدعوك للتصويت ب "نعم"أو" لا" ليس بالكلام فقط وإنما بلافتات الدعاية وملصقات الحائط .. وإعلانات الطرق ناهيك عن برامج التليفزيون.. وبين هذا وذاك تختلف الأسباب الدافعة لكل فريق فى انتظار أن يحسم الصندوق النتيجة، ليبدو الأمر أنه فصل جديد من المعارك السياسية التى تموج بها مصر على مدار السنوات الثلاث الماضية.. معركة لا تقتصر فقط على الأحزاب والنخبة السياسية والمثقفة وإنما امتدت أيضا إلى عامة المصريين كون أصواتهم هى التى ستحسم النتيجة النهائية لتلك المعركة وما سيترتب عليها من نتائج تؤثر بالقطع فى مستقبل مصر وهويتها خلال الفترة المقبلة . يخطىء من يعتقد أن نتيجة الاستفتاء المقرر إجراؤه فى شهر يناير 2014 قد حسمت مبكرا لصالح تيار سياسى بعينه، فالأمر هذه المرة يختلف كثيرا عن أى استفتاء أو انتخابات مرت بها مصر من قبل، فرجل الشارع العادى قبل الناشط السياسى يرى فيها معركة فاصلة تحسم بشكل كبير انتصار التيارات السياسية التى خرجت يوم 30 يونيو، وأطاحت بحكم الإخوان، ولهذا تدعو الرأى العام للتصويت بنعم كى تستكمل خارطة الطريق وتكون دليلا دامغا للمجتمع الدولى على أن 30 يونيو كانت ثورة خرجت الملايين تعلن رفض حكم الإخوان، وهذه المرة عبر صناديق الانتخابات لاستكمال خارطة الطريق، بينما الإخوان ومن معهم يحشدون الرأى العام لقول لا كى تكون نتيجة الاستفتاء برهانا بالغا عن أنهم لا يزالوا يحظون بالشعبية الكبيرة فى الشارع المصرى. بين الفريقين يقف فريق من المصريين حائرا لم يحسم أمره بعد، بينما اتخذوا القرار من منطلق قناعتهم السياسية تارة وبمواد الدستور تارة أخرى، ويقول هاشم مصطفى مدرس: إنه سيصوت بنعم على التعديلات الدستورية طلبا للاستقرار ولسرعة إتمام خارطة الطريق التى اتفقت عليها القوى السياسية عقب نجاح ثورة 30 يونيو وعزل محمد مرسى. مؤكدا أن الرفض من شأنه استمرار التجاذبات السياسية لفترة أطول وتردى أوضاع مصر اقتصاديا وزيادة معاناة الغلابة، وقال نادر عبد القادر، مندوب مبيعات، إنه متردد فى حسم قراره خصوصا بعدما تحول أمر الاستفتاء إلى صراع بين القوى السياسية كل يبحث عن دستور يفيده هو شخصيا دون النظر لمصلحة البلد ككل، مضيفا أن البعض يؤيد الدستور فقط، لأنه كاره للإخوان والبعض الآخر يرفضه لأنه متعاطف معهم . وفى المقابل قال أحمد عبد الله مهندس كمبيوتر، إنه يرفض هذه التعديلات التى ألغت نسبة 50 % للعمال والفلاحين فى البرلمان، مما سلب هذا القطاع العريض من المصريين حقوقهم التى نصت عليها ثورة 1952 ، كما أنه يرفض محاكمات المدنيين أمام القضاء العسكرى، ولهذا يرى أن التصويت ب «لا» من شأنه إعادة تقويم المسار لإنتاج دستور أفضل يراعى حقوق كل المصريين. .بينما الحاج محمود عبد المنعم فلاح قال بلهجته الريفية المميزة، إنه سيقول نعمين للدستور من أجل أن تستقر مصر مرددا: نثق فى الفريق السيسى وفى رعايته لخارطة الطريق، ولهذا فإنه كفلاح لم يهتم بإلغاء نسبة 50 % عمال وفلاحين فى البرلمان، فألاهم أن ننظر لمصلحة البلد وليس لمصالحنا الشخصية ..وبدورها قالت جميلة عبد الخالق التى تعمل محاسبة بشركة خاصة، إنها ستصوت بنعم. وبسؤالها عما استرعى انتباهها فى التعديلات الدستور قالت: إن كثيرا من المواد أفضل من التى وضعها الإخوان والموافقة عليه تعجل بالاستقرار وتفوت الفرصة على الجماعة المحظورة الإضرار بمصر وتخريب البلد . حالة الحيرة التى تسيطر على عامة المصريين انعكست هى الأخرى على الأحزاب والنخبة السياسية، فهناك أعلن موقف الرافض للدستور من منطلق رفضه لبعض ما جاء به من مواد انتقصت من حقوقهم، لاسيما نسبة 50 % الخاصة بتمثيل العمال والفلاحين فى البرلمان المقبل، فأعلن عبد الفتاح إبراهيم، رئيس اتحاد العمال، وعلى رجب نقيب الفلاحين، رفضهما لهذه التعديلات ودعوا العمال والفلاحين إلى قول «لا» وبررا ذلك بأن التعديلات الدستورية الجديدة لم تحقق العدالة الاجتماعية اللازمة التى قامت من أجلها ثورتا 25 يناير و30 يونيو وطالبوا بعودة نسبة 50 % للعدول عن رفضهم..أيضا أعلن د. عزازى على عزازى، القيادى بالتيار الشعبى والمحافظ الأسبق لمحافظة الشرقية، رفضه للدستور الجديد الذى حرم العمال والفلاحين من حق أصيل لهم منحته لهم ثورة 23 يوليو المجيدة. فى حين كان موقف حركة 6 إبريل الرافض للدستور نابعا من وجود مواد تسمح بمثول المدنيين أمام القضاء العسكرى، وقال المهندس أحمد ماهر، مؤسس الحركة شباب 6 إبريل، إن الحركة ترفض مثل تلك المواد التى تنتهك حق المواطن المصرى فى العدالة الاجتماعية، لافتا النظر إلى أن 6 إبريل لن تكتفى بالرفض فقط وإنما ستدشن حملة لتوعية الشعب المصرى بخطورة الموافقة على هذا الدستور وتدعو الجميع للتصويت ب " لا "لافتا النظر إلى أن حركة شباب 6 إبريل سبق ورفضت دستور 2012 الذى صاغه الإخوان، ودشنت حملة «دستوركم لا يمثلنا» لأنه لا يلبى طموحات الشعب المصرى، وكانت الحركة تتمنى أن تكون التعديلات الدستورية فى 2014 معبرة عن جميع طموحات المصريين فى التأسيس لدولة مدنية لا تعرف المحاكمات العسكرية لأبنائها. كما أعلن الناشط السياسى أحمد دومة، رفضه للدستور الجديد من منطلق رفضه للمحاكمات العسكرية للمدنيين، وأيضا أعلنت حركة "لا لمحاكمات العسكرية" رفضها الدستور الجديد بسبب مثول المدنيين للمحاكمات العسكرية، ووعد أعضاء تلك الحركة بتدشين حملات فى الشارع لحشد الناس على المشاركة وقول" لا ". .فى حين طالب تحالف دعم الإخوان أعضاءه بعدم المشاركة فى الاستفتاء كونه صادرا عن سلطة غير شرعية، والتصويت حتى بلا يعطى للسلطة الحالية شرعية وهو ما يرفضه التحالف..بينما أعلن أعضاء تدريس جامعة الأزهر، فى بيان لهم موافقتهم على التصويت بنعم على الدستور، ودعوا الشعب المصرى إلى التصويت بنعم أيضا. كما أعلنت بعض الأحزاب والقوى السياسية كالتجمع والمصريين الأحرار والمصرى الديمقراطى والوفد والكرامة وقيادات جبهة الإنقاذ والتيار الشعبى عن ارتياحها لغالبية مواد الدستور الجديد، وإن كانت ترفض إعلان موقفها النهائى لحين صدور مسودة الدستور فى صورتها النهائية كى يمكنها حشد أعضائها للتصويت، وهو ما يؤكده د. وحيد عبد المجيد، القيادى البارز بجبهة الإنقاذ لافتا النظر إلى أن الجبهة تنظر مسودة الدستور فى صياغتها النهائية لتعلن موقفها منه وفقا للمصلحة العليا للبلاد . وقال الدكتور محمد أبو الغار، رئيس الحزب المصرى الديمقراطى، إنه سيصوت بالموافقة على التعديلات الدستورية من منطلق قناعته بأنه أفضل المتاح حاليا للحفاظ على هوية مصر كدولة مدنية ديمقراطية، ويشير أبوالغار إلى أنه يتوقع مشاركة المصريين بكثافة كبيرة فى التصويت على الاستفتاء تفوق المشاركة الشعبية التى شهدها الدستور السابق، لافتا النظر إلى أن المواد المتعلقة بالحقوق والحريات فى الدستور الجديد تعد جيدة للغاية وتتفق مع ما سبق وطالبت بها القوى الوطنية المختلفة ونادت بها ثورتا 25 يناير و30 يونيو..بينما قال أبو العز الحريرى، القيادى بجبهة التحالف والمرشح السابق فى الانتخابات الرئاسية الماضية، إنه وبرغم وجود بعض الملاحظات على مواد التعديلات الدستورية فإنها وفى مجملها تعد جيدة للغاية وتؤسس لدولة مدنية حديثة بعيدا عن هيمنة الدولة الدينية، وأفضل بكثير من دستور الإخوان وأكد أبو العز إنه لابد من فترة كافية لحوار مجتمعى حول مواد الدستور وما يميزها وما عليها كى يتسنى للمواطنين المشاركة بكثافة يومى التصويت والتعبير عن وجهة نظرهم بحرية لتكون هذه هى بداية مصر كدولة ديمقراطية مدنية نتمناها..فيما دعت السفيرة ميرفت التلاوى، رئيس المجلس القومى للمرأة كل نساء مصر إلى التصويت بالموافقة على التعديلات الدستورية الجديدة، كونها تؤكد مدنية الدولة المصرية، وأشارت التلاوى إلى أنها ومن خلال متابعتها لمواد هذا الدستور تستطيع أن تجزم بأنه يؤسس لدولة ديمقراطية حقيقة ويوفر للمواطنين جميع الحقوق التى يتطلعون إليها فى مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو، وهو نفس ما ذهب إليه أعضاء المكتب، الاستشارى للأديب والناشط السياسى حجاج أدول ممثل منطقة النوبة فى لجنة الخمسين، من خلال إعلانهم دعم التصويت بنعم كون الدستور يحقق العدالة الاجتماعية ويساوى بين جميع المصريين فى الحقوق والواجبات دون إقصاء أو تهميش. وأعلن المكتب عن تدشين حملة "إيو" وهى كلمة نوبية مرادفة لكلمة "نعم" وذلك لحث أهل النوبة على المشاركة فى الاستفتاء والتصويت بالموافقة. .من جهته أعلن نجاد البرعى، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، أن حالة التجاذب والاختلاف فى الشارع المصرى حول الدستور الجديد تعد طيبة للغاية وتعكس وجود إرادة سياسية للمواطن البسيط وحقه أن يعرف ويلم بكل مواد الدستور كى يقول رأيه وفقا لقناعاته الشخصية، مؤكدا أن أى دستور فى العالم لم يحظ أبدا بنسبة موافقة 100 % ، فدوما هناك اختلاف حول مواد ولكن رأى الأغلبية فى النهاية هو من يحسم نتيجة الاستفتاء..واعتبر البرعى أن الدستور الجديد ليس الأفضل على الإطلاق لكنه الأفضل فى المرحلة الراهنة، لافتا النظر إلى وجود رغبة من قوى عديدة بعدم السماح لجماعة الإخوان المحظورة أو القوى المتحالفة معها بتحقيق مكاسب سياسية من أى نوع تعرقل مسار خارطة الطريق، وهو ما يجعله يتوقع مشاركة المصريين بكثافة يومى التصويت على الاستفتاء لتفويت الفرصة على دعوات المقاطعة التى تروج لها جماعة الإخوان وحلفاؤها.