إلهامي المليجي قرأت في إحدى الصحف أن الكاتبة فتحية العسال دخلت غرفة العناية المركزة إثر تعرضها لمضاعفات حادة نتيجة إصابتها بالتهاب رئوي حاد وخلل في وظائف الكبد الأمر الذي أدي إلي دخولها في غيبوبة، منع الأطباء عن الكاتبة الكبيرة زيارات أقاربها وأصدقائها وتلاميذها في الوسط الفني والادبي حتي تستقر حالتها.. ومن الجملة الاخيرة ادركت ان الزيارة صعبة، ما العمل؟ وعزمت على الكتابة عنها وهي الكتابة تدرك اهمية ان تكتب عنها بعض مما لا يعلمه الكثيرين. بدأت معرفتي بها في العام 1976 في بدايات حزب التجمع التقدمي الاولى حيث رأيتها في مقر التجمع المركزي في القاهرة ولفت انتباهي قوة شخصيتها، وجاءت زيارتها لبيروت في صحبة الفنانة نادية لطفى والمناضل ابو العز الحريري كسرا لحصار الصهاينه لبيروت لتمثل بداية لعلاقة صداقة عميقة استمرت حتى الان، اكتشفت خلالها شخصية مصرية ندر مثيلها، تمثل المرأة المصرية ( بنت البلد الجدعه ) والمناضلة الصلبة والمثقفة العميقة والانسانه البسيطة الودودة المحبة الواضحه الصديقة الصدوقة والام الحنون ، وندر ما تجتمع هذه الصفات في شخص مثلما اجتمعت في فتحية العسال. واظن ان المسلسل الذي كتبته بعنوان هي والمستحيل يمثل بعضا من سيرتها الذاتية ، حيث انها لم تنل اي شهادة أكاديمية ولا حتى شهادة ابتدائية، ولم يساهم أحد في تعليمها ، ولكنها الارادة التي تحدت الواقع الذي تمثل في اخراجها من المدرسة وهي لم تتجاوز بعد العشر سنوات فقررت ان تتتعلم بالاعتماد على ذاتها، الى ان جاءت اول قصصها ضمن رسالة غرام لحبيبها الذي اصبح زوجها الكاتب والصحفي عبد الله الطوخي ، و حاولت ان تلتحق بالمدرسة لتعويض ما فاتها لكنها عدلت عن الفكرة، معتبرة ان العلم في الكتب ويمكنها التعلم ذاتيا دون الحاجة لمدرسة او جامعة ، فقرأت عن عالم الحيوان والنبات وي القانون. وتذكر ان اول كتاب قرأته واسهم في تشكيل وعيها كان "عقلي وعقلك" لسلامة موسى، ثم جبران خليل جبران وابتدأت الحكاية. ان حياة فتحية العسال ليست حياة عادية، بل حياة حافلة على المستويين: الخاص والعام، حياة عاصرت فيها المظاهرات الشعبية ضد الاستعمار الانجليزي وانضوت في صفوف العمل السري وطورت من ادواتها الثقافية حتى اضحت واحدة من ابرز الكاتبات. ان فتحية العسال المتسقة دوما مع ذاتها ، ولم تحد قط عن المسار التي اختارته فكانت منحازة للبسطاء والمظلومين من هذا الوطن . ولان المرأة البسيطه تنال القسط الاكبر من الاضطهاد فكانت في بؤرة اهتمام العسال ولم يتزعزع ايمانها بقوة الارادة الكامنة في نفوس هؤلاء النساء، فكتبت «هي والمستحيل». ان نساء فتحية العسال لا يعرفن المستحيل ولا يستسلمن له، وقدر ما تشبه نساءها فهن يشبهنها، حتى اصبحن هي وهن والمستحيل. لذلك فانا يقينا لا يفارقني منذ قرأت الخبر بان فتحية العسال ستقهر مرضها وتعود لتكمل مسيرة نضالها في وسط البسطاء الذين ارتبطتوا بها بقدر ارتباطها بهم، لانها تعي جيدا ان الوطن مازال بحاجة لجهودها ولكتاباتها ولنضالتها .