محمد عبد الحميد ماذا تفعل إذا ما اكتشفت أن هناك من يقابل تضحياتك بالجحود، ويتنكر لكل ما فعلت بل ويتجاهل حقك فى الصراخ والشكوى؟ أىاً ما كانت مشاعر الغضب التى تعتريك فهي أبدا لا تقارن بالحالة التى يعيشها الآن عدد من مصابي ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وما بينهما من أحداث، ناهيك عن عدد آخر من مصابي الشرطة حتى يومنا هذا، فكل منهم يشكو تجاهل المسئولين.. ممن بخلوا عليهم بحقهم فى استكمال علاجهم على نفقة الدولة التى ضحوا من أجلها، ورعايتهم رعاية صحية كاملة حتى يتم شفاؤهم، وبدلا من أن تستيقظ الضمائر الغافلة إذا بأصحابها يستنكرون حتى حقهم فى التظاهر والشكوى لعل هناك من لا يزال يمتلك قلبا يرق لحالهم ويستجيب لمطالبهم دون أن يجدوا أنفسهم مطالبين بترك أسرتهم بالمستشفيات، والاعتصام أمام باب رئيس الوزراء عله يمن عليهم بقرارات تضع حدا لمعاناتهم، خصوصا فى ظل عجز المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء ومصابي ثورة عن توفير الرعاية اللازمة لهم تارة لقلة الإمكانيات، أخرى لوجود خالد بدوى القيادي بجماعة الإخوان المحظورة على رأس هذا المجلس القومي، ومطالبة فريق من المصابين بضرورة عزله من منصبه وتكليف آخر ينتمى لثورة 30 يونيو ولا يفرق بين المصابين على أساس انتماءاتهم السياسية. بداية تأسس المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء ومصابي الثورة، عقب نجاح ثورة 25 يناير 2011، وذلك بقرار جمهوري من المجلس العسكري الذى كان يتولى مقاليد الحكم عقب تنحى مبارك، بهدف توفير جميع أوجه الرعاية لأسر الشهداء والمصابين الذين سقطوا أثناء وإعداد قاعدة بيانات لهم وتوفير العلاج المناسب لمصابي الثورة، وفقا لاحتياجات كل منهم، والتي تحددها التقارير الطبية من المؤسسات العلاجية المعتمدة، وتوفير التأهيل الطبي اللازم للمصابين وتقديم مساعدة لأهالي أسر الشهداء والمصابين بعد شفائهم بالحصول على فرصة عمل مناسبة وفقا لمؤهلاتهم، ودعم المصابين الذين خلفت الإصابة فيهم عجزا كليا أو جزئيا يمنعهم من العمل وفقا للتقارير الطبية من الجهات المختصة، والحصول على سكن ملائم فى حالة عدم وجود سكن آخر، وجاء ميلاد هذا المجلس مصحوبا بأمنيات وتطلعات كثيرة، لكن الواقع الذى عايشه المصابون على مدار ما يزيد على العامين أن القليل من تلك الطموحات تم تحقيقه، وأن فريق من المصابين بح صوته للمطالبة حقوقه دون جدوى، فمن واقع حكايات وآلام المصابين ممن التقتهم «الأهرام العربى»، فى المستشفيات وفى وقفاتهم الاحتجاجية أمام مجلس الوزراء، فإن حالة من الغضب والانقسام تسرى بين مصابي ثورتي يناير ويونيو وما بينهما من أحداث سواء فى القاهرة أم غيرها من محافظات مصر، وتنوعت إصاباتهم ونسبة العجز التى أصيبوا بها، ويقول إيهاب غباشى، منسق رابطة مصابي الثورة: تتلخص مطالبهم فى استكمال العلاج فى الداخل والخارج، إعادة هيكلة المركز القومي لمصابي الثورة، وتوفير وظائف لهم فى أماكن عمل بمؤسسات الدولة تتناسب مع طبيعة حالتهم الصحية، بجانب إنشاء مستشفى خاص لمصابي الثورة يكون على أعلى مستوى والعمل على إيجاد مشروعات بالتعاون مع بعض رجال الأعمال لتحسين مستوى مصابي الثورة، وأن تتحول المعاشات من استثنائي إلى معاش تضامني، لأن بعضهم عنده زوجة وأطفال والاستثنائي يتوقف بوفاة صاحبه بينما معاش الضمان يستمر للورثة، وكذلك سرعة تسليمهم الشقق التى سبق أن وعدت بها الحكومات المتعاقبة منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، وكذلك صرف باقي مستحقات المصابين بأكملها وحقوق الشهداء، مشيراً أن هناك شعوراً بالغضب يسرى بين قطاع كبير من مصابي الثورة كون الوعود التى قطعتها الدولة على نفسها بشأن رعايتهم وتكفلها بمصروفات علاجهم لم تتحقق، وأشار أنهم تقدموا بمقترحات للجنة المشكلة لتعديل الدستور، تتضمن عددا من المواد من بينها تكريم أسر الشهداء والمصابين والاعتراف بدورهم، والتأكيد على ضرورة وضع مصابي الثورة فى عين الاعتبار والاهتمام والعناية بهم وعلاجهم.وتوفير حياة كريمة لهم. وهناك حالة أحمد السيد 36 سنة، أصيب بطلق ناري فى عينه اليمنى، إلى جانب إصابات أخرى متعددة بأماكن متفرقة من الجسد خلال مواجهات ثورة يناير، ومع ذلك لم يحصل إلا على 15 ألف جنيه تم صرفها على العلاج، برغم أن من حق كل مصاب الحصول على مبلغ 50 ألف جنيه لمن أصيبوا بعجز أقل من 60 ٪، وتسليم شقق سكنية للمصابين بالعجز الكلى، بالإضافة إلى رحلات عمرة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، كما لم يستكمل باقي العلاج لعدم توافر الأموال، وذلك على حد قوله وأضاف: نعانى من قبلة الأدوية التى تصرف لنا ومن بطء إجراءات صرف المستحقات المالية التى قدرتها الدولة للمصابين وعجز المجلس القومي الذى تم تأسيسه لهذا الغرض عن توفير موارد مالية تسمح له بصرف جميع مستحقات المصابين فى موعدها، كما أن الكارنيهات التى تم استخراجها للمصابين من إدارة المجلس، والتي كان من المفترض أن تمنحهم امتيازات فى تلقى العلاج المجاني بأى من مستشفيات الدولة واستقلال المواصلات العامة مجانا، وأن تكون لهم الأولوية فى حجز الشقق وفى المصايف والأندية الرياضية، وكذلك المعاش الذى يصرف لنا بحاجة إلى زيادة كي يتماشى مع موجة غلاء الأسعار التى طالت كل شىء، لافتا النظر أن المعاش الاستثنائي هو معاش مؤقت ولا يمكن أن نحصل من خلاله على قرض، ولا يتم توريثه، لذا فمن الضروري أن يكون المعاش الخاص بالمصابين هو معاش دائم لأسرهم فيما بعد. وأردف قائلا: جميع الوعود التى منحت لنا من مسئولي الدولة صارت سرابا ويتساءل قائلا: لماذا صارت مصر تضن على من ضحوا بدمائهم من أجلها بأبسط مقومات الحياة والرعاية؟ وختم قائلا: متى يعاود المسئولون الاهتمام بمصابي الثورة لا نريد امتيازات فقط نريد حقوقنا فى استكمال العلاج وتوفير حياة كريمة. وهناك نموذج آخر لمعاناة مصابي الثورة يتجسد فى حالة رندا سامي المصابة بشلل رباعي، والتي تؤكد أن حالات المصابين وظروفهم المادية والصحية لا تسمح لهم بتلقي العلاج بعيدا عن مستشفيات الدولة، وأوضحت أن خروجهم منها سيسبب لهم ولذويهم، مشقة وأكدت أنها كغيرها من العاجزين عن الحركة إلا بالكرسي كما لم يحصلوا على الوحدات السكنية دور أرضي التي وعدتهم بها الحكومة حتى الآن مما يدل على مدى تجاهل الدولة لدور مصابي الثورة فى الحياة السياسية الذين ضحوا بحياتهم من أجل أن تسود الحرية البلاد، وأن تعم الديمقراطية، ووجهت راندا عتابها لكل من الرئيس المؤقت للبلاد المستشار عدلي منصور، ورئيس وزرائه لما يلاقيه مصابو مصر من تجاهل وإهمال وخاصة فى الفترة الحالية. وهناك صورة أخرى لمعاناة المصابين تتجلى بوضوح فى حالة شاب يدعى محمد حمدي 23 سنة تعرض لإصابات بالغة إثر تلقيه لست رصاصات بأماكن متفرقة من جسده إحداها بمقدمة الرأس، وذلك فى الحادث الإجرامى الشهير الذى وقع قرب مدينة رفح خلال شهر أغسطس الماضي والمعروف إعلاميا بمذبحة رفح الثانية والذي راح ضحيته 25 جنديا من قطاع الأمن المركزى بالعريش وأراد القدير أن ينجو محمد حمدي مع مجند آخر من الموت بأعجوبة. محمد أمضي أربعة أسابيع فقط يتلقى العلاج من الإصابات الخطيرة التى تعرض لها والتي أقعدته عن الحركة قبل أن تطالبه إدارة المستشفى بضرورة المغادرة وإلا فعليه تحمل تكاليف علاجه كمدني بعدما انتهت فترة تجنيده، وهو ما لا يقوى عليه محمد وأسرته الفقيرة، فراح يستغيث باللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية أن يساعده فى استكمال علاجه على نفقة الدولة وأن يوفر له كرسيا متحركا، لافتا النظر أنه وأسرته تقدموا بأكثر من طلب وشكوى واستغاثة لقيادات وزارة الداخلية ولبقية مسئولي الدولة دون أن يتلقى ردا، ولا تتوقف معاناة مصابي الثورة عند حد الشكوى، وإنما تجاوزت ذلك فى الأيام الأخيرة إلى حد رفع دعاوى قضائية للمطالبة بحقوقهم فى العلاج والرعاية، وهو ما يتضح فى الدعوى التى أقامها خالد على المحامى، وكيلاً عن نجاة صلاح الدين والدة معوض عادل معوض، الطالب بالفرقة الرابعة بكلية الصيدلة والذي أصيب برصاصتين فى أحداث محمد محمود الأولى، وعلى إثر ذلك أصيب بشلل كامل، ومنذ ذلك الحين وهو فى غيبوبة كاملة، وسافر المصاب إلى النمسا لإجراء الجراحة اللازمة على نفقة بعض رجال الأعمال والحكومة النمساوية، وقرر الأطباء حاجته لرعاية مكثفة فى مركز متخصص للعلاج والرعاية، ولكن رفضت الدولة وما زالت ترفض التكفل بكامل مصاريف علاج معوض تاركة إياه، مما أدى إلى عودته ليُترك فى مستشفى قصر العيني فى غيبوبة منذ عام ونصف العام بلا محاولة لعلاجه، طالبت الدعوى القضائية إلزام الدولة باعتماد المبالغ اللازمة لعلاجه بالخارج، طبقاً للتوصيات الصادرة من الأطباء المعالجين وتوصيات المستشار الطبي بلندن، وإنهاء جميع الإجراءات المتعلقة بعملية السفر والإقامة لاستكمال عملية العلاج. وهناك دعوى أخرى تطالب بحق مصابي الثورة فى نيل شقق سكنية مدعومة من الدولة فى الدعوى المنظورة حاليا أمام الدائرة الثانية أفراد بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، للمطالبة بإلزام الحكومة بتوفير مسكن ملائم لمصابي الثورة واختصمت الدعوى المقامة من على أيوب المحامى بصفته وكيلا عن طه محمود أحد مصابي ثورة يناير رئيس الجمهورية بصفته. من جهته طالب يوسف عبد الخالق، رئيس مؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الإنسان، الدكتور حازم الببلاوى، رئيس مجلس الوزراء بالتدخل لتحسين أسلوب التعامل مع من بذلوا دماءهم من أجل إنجاح الثورة المصرية، وإلى إعادة تشكيل المجلس القومي ليكون ثلثه من المصابين والثلث الآخر من منظمات المجتمع المدني، على أن يكون الثلث الأخير من الخبراء والوزراء المعنيين بمصابي الثورة. وكذلك إصدار قرارات عاجلة تقضى باستكمال علاج مصابي الثورة داخل مصر أو خارجها، وحل المشاكل التى تواجه المصابين فى المستشفيات العامة والمتخصصة والجامعية، وسداد المجلس للمستحقات المالية للمستشفيات لمنع قيامها بطردهم منها، واتخاذ الخطوات اللازمة لتسهيل الخدمة العلاجية لهم ولذويهم، وتحويل المعاشات من استثنائية إلى معاشات تضامن، وتسليمهم الوحدات السكنية.