محمد زكي تشهد المنطقة العربية فى الوقت الحالى الكثير من الأزمات الإقليمية، ربما يعتبر الوضع السورى هو أهمها حاليا، خصوصا بعد الحديث عن ضربة عسكرية أمريكية وشيكة للنظام السورى، وهو ما ينذر بتغيير جذرى فى خريطة التوازنات فى المنطقة. أما الوضع فى مصر فليس أقل خطورة، فسقوط النظام فى الثلاثين من يونيو الماضى أثار الكثير من التساؤلات حول العملية السياسية فى المرحلة المقبلة، وكذلك إمكانية تنفيذ خريطة الطريق للعبور من الأزمة الحالية. لا شك أن القضيتين المصرية والسورية قد ألقتا بظلالهما على القضية الفلسطينية، فلم تعد هى القضية الجوهرية، واستبدل الحديث عن الوضع الفلسطينى بالحديث عن الوضع المصرى والسوري. «الأهرام العربى» التقت الخبير الإستراتيجى محمد مجاهد الزيات رئيس المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط للحديث حول القضايا المحورية الآن فى المنطقة . بدايةً كيف تقيم الوضع الحالى فى سوريا، خصوصا أن هناك أقاويل تتحدث عن ضربة أمريكية موجهة لسوريا؟ دعنا فى البداية نتحدث عن توصيف الوضع فى سوريا، الوضع الميدانى العسكرى أصبح مختلا لصالح النظام، فالنظام السورى نجح بعد معارك القصير وكذلك تحرير معظم أجزاء حمص فى السيطرة على الوضع لصالحه، فقبل المعارك التى دخل فيها حزب الله مسانداً للنظام كان الموقف متوازنا، وكان هناك حديث عن مفاوضات، ولكن تغير توجه النظام بعد هذه المعارك وبدأ يتحدث عن حتمية الحل عسكرياً وليس سياسياً، والأسابيع الأخيرة شهدت محاولة من النظام لعملية عسكرية كبيرة لكسر الطوق المفروض على العاصمة، ومن هنا بدأ الحديث استخدم عن السلاح الكيماوي، وسواء تم استخدامه أم لم يستخدم كان من الضرورى إعادة التوازن إلى وضع طبيعى حتى تسير العملية السياسية ويذهب الطرفان إلى مائدة التفاوض. هل يعنى هذا أن الإدارة الأمريكية كانت تعد لضربة عسكرية سواء استخدم سلاحا كيماويا أو لم يستخدم؟ الإدارة الأمريكية والدول الغربية المساندة لها كانت أمام خيارين، إما أن تفى بوعودها لتسليح المعارضة ولكن عندما رفض الاتحاد الأوروبى تسليح المعارضة وترك حرية التسليح لكل دولة توقفت الدول الأوربية لأنها تعمل تحت المظلة الأمريكية، حيث رفضت الولاياتالمتحدة التسليح بالسلاح الهجومى لأنها أدركت قوة وجود التنظيمات الجهادية داخل ائتلاف المعارضة، فخشيت أن تذهب هذه الأسلحة فى النهاية إلى هذه التنظيمات بما يهدد أمن إسرائيل بالدرجة الأولى، وبالتالى كان الخيار الثانى هو ضرب القدرة العسكرية للنظام لإحداث توازن بين الطرفين وهذا هو الخيار المأمون لها. وما توقعاتك بشأن الضربة المتوقعة على سوريا؟ الضربة العسكرية فى تقديرى لن تشبه ما حدث فى العراق، بمعنى التدخل العسكرى على الأرض لأن هذا يحتاج إلى تدخل وانخراط أمريكى أكبر ليس من إستراتيجية الإدارة الحالية، ولكن استهداف عدد من المواقع العسكرية الإستراتيجة وبعض المواقع التى تشهد هيمنة للنظام، وبالتالى يعود التوازن العسكرى إلى الميدان فيذهب الجميع إلى الحل السياسى.. فرغم الضربة العسكرية فإن الولاياتالمتحدة مقتنعة بأن الحل العسكرى لن يحسم الأزمة لكن لابد من حل سياسى وأعتقد أنه فى النهاية سيكون برحيل الأسد وقيادات النظام الكبرى مع بقاء النظام ليحقق مصالح أطراف عديدة تستطيع أن تساعد على الحل. وماذا تقصد برحيل الأسد والقيادات الكبرى مع بقاء النظام؟ الضربة لن تسقط النظام كله لكن ستدعو إلى تأديبه وشل بعض قدراته، وربما يستثمرها النظام داخلياً فيدافع عن بقاء الدولة، فما يفعله أوباما حتى الآن هو البحث عن غطاء أخلاقى للعملية العسكرية، لأنه أعلن أنه جاء بإستراتيجية تختلف عن تلك المتبعة فى نظام بوش والتى كانت تقدم الحل العسكرى، فطرح أوباما الحل السياسى أو الدبلوماسى، واليوم يعود أوباما لنفس نهج إدارة بوش، وبالتالى فهو يحتاج إلى غطاء أخلاقى يبرر هذه العودة. كان هناك نوع من التحالف بين بعض الدول مثل ألمانياوفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، فبما تفسر انسحاب معظم هذه الدول؟ الانسحاب البريطانى جاء على غير هوى الحكومة البريطانية لأنه جاء بدافع من مجلس العموم، فرنسا حاولت منذ فترة طويلة، وألمانيا أيدت العملية العسكرية لكنها لن تشارك فيها، لأن هناك انتخابات مقبلة وتخشى أن يؤثر قرار المشاركة على الحزب ومصيره، وبالتالى يمكن القول إن التجربة الليبية غير مرشحة للتكرار فى سوريا على الإطلاق، فسقوط النظام فى ليبيا لم يكن ليؤثر على دول الجوار بعكس الوضع فى سوريا، كما أن سقوط النظام فى سوريا إذا ما كانت الضربة قوية سيؤدى بالنظام إلى خلط الأوراق فيمكن إطلاق صواريخ على إسرائيل. هل تعتقد أن النظام السورى لديه الإمكانية لضرب أهداف فى إسرائيل؟ شمال إسرائيل تقع على بعد 40 كم من دمشق وهى مسافة بسيطة تحتاج إلى صواريخ مداها 100كم فقط لتسقط داخل إسرائيل، وهذا ما دفع إسرائيل لرفع حالة الطوارئ بدرجة غير عادية واستعدت لحرب مباشرة معها، كما أن هناك عاملا مهما فى الأزمة السورية وهو دخول حزب الله كمساند للنظام السورى بدوافع ذاتية لحزب الله الذى يرى أن سقوط النظام السورى يعد سقوطاً للداعم الرئيسى له وهو ما يفسر الانخراط الكبير بين قوات الأسد وقوات حزب الله وهو ما حقق الكثير للنظام السورى، حيث رفع عن كاهله معارك الشوارع وحرب العصابات التى لا يجيدها النظام، وأرى أن هذا الانخراط لم يجد رفضاً كبيراً لدى الإدارة الأمريكية أو إسرائيل، لأن فى هذا استنزافا لقوات حزب الله داخل سوريا، فالهدف الإستراتيجى لأمريكا وإسرائيل والقوى الغربية ليس نزيف الدم السورى ولكن استنزاف جميع الأطراف. ألا ترى أن هناك خطورة على المنطقة لهذه الضربة إذا ما استهدفت مواقع للسلاح الكيماوى بسوريا؟ أرى أن أحد الأهداف الأساسية لهذه الضربة هى بعض مواقع مخزون السلاح الكيماوى لتدميره، ولكن أعتقد أنه سيتم ضرب المواقع التى لا تشهد كثافة سكانية مرتفعة، لكن سيكون أحد الأهداف الرئيسية لضمان أمن وتفوق إسرائيل، فامتلاك أى دولة بالمنطقة لسلاح كيماوى يعتبر توازنا مع إسرائيل وهو ما يخالف الاستراتيجة الأمريكية التى تسعى لإخلال هذا التوازن لصالح إسرائيل. هل ترى أن رحيل نظام بشار سيحدث نوعاً من الاستقرار فى سوريا؟ أعتقد أن النظام السورى مازال يحتفظ بتوازن قوته العسكرية بدرجة كبيرة وكذلك أجهزته الأمنية وعناصر الحزب، وبالتالى فالحديث عن رحيل النظام يعتبر سابقاً لأوانه، ربما يتم خلال جولات التفاوض إذا وافقت روسيا أن ترحل قيادة النظام ويحدث التغيير من داخل النظام تحقيقاً للاستقرار والوصول إلى حلول وسط مع بقاء النفوذ الروسى قائماً فى سوريا. هل تقصد أن بشار لن يرحل إلا بموافقة روسيا؟ بالتأكيد.. فالحوار سيكون أمريكياً - روسياً بالدرجة الأولى. هل ترى أن فى الضربة المحتملة على سوريا رسالة ضمنية لمصر؟ لا أرى أنها رسالة لمصر ولكن أرى أنها توريطا للولايات المتحدة وإرباكاً لسياساتها الإقليمية، لأن الرئيس الأمريكى عاجز عن اتخاذ قرار، وما يحدث الآن هو عجز ومحاولة للحصول على تفويض حتى يتحمل الكونجرس المسئولية معه، لأن الأزمة السورية ستكون معياراً للانتخابات الأمريكية المقبلة، التى إما أن تطيح بالحزب الديمقراطى إذا ما فشلت وإما أن تساعده حال نجاحها، كذلك فالموقف الأوروبى لم يكن كما كان يتوقع أوباما. الارتباك الأمريكى فى التعامل مع الأزمة السورية هو استمرار للارتباك الأمريكى فى التعامل مع مصر ومع الإقليم بصورة كبيرة، وأعتقد أن التعامل الأمريكى مع الأزمة السورية غير قابل للتكرار فى مصر، ولا تملك الولاياتالمتحدة أن تهدد الأمن القومى فى مصر بصورة مباشرة لأنه ليس من مصلحتها ذلك .