عماد حجاب لعبت 5 شخصيات عامة دورا مؤثرا فى اختيار التشكيل الجديد للمجلس القومى لحقوق الإنسان الذى يعد الثالث على التوالى فى أقل من عامين ونصف العام، منذ قيام ثورة 25 يناير، وأصدره الدكتور حازم الببلاوى، رئيس مجلس الوزراء خلال دورته الثالثة. فقد قام الدكتور أحمد البرعى، وزير التضامن الاجتماعى والمستشار، محمد أمين المهدى وزير العدالة الانتقالية والدكتور عبدالغفار شكر، نائب رئيس المجلس، وجورج إسحاق، عضو مؤسس بحركة كفاية ومحمد فائق رئيس المجلس بدور رئيسى فى اختيار وترشيح غالبية أعضاء المجلس فى تشكيله الجديد. ويرى محللون أن سبب اهتمام الرأى العام بالمجلس دون باقى المجالس المعنية بحقوق المواطنين، وعددها خمسة مجالس بمصر تعود للمكانة المعنوية والسياسية التى صنعتها وسائل الإعلام والرموز السياسية والحكومية التى شاركت بدوراته منذ تأسيسه عام 2004 فى إضفاء قيمة أدبية له برغم عدم قيامه بدور فاعل فى الدفاع عن حقوق المواطنين والتصدى للانتهاكات والتجاوزات التى يتعرضون لها والتى كانت سببا رئيسيا فى قيام ثورة يناير. واكتفى المجلس طوال 9 سنوات متتالية بدور باهت وضعيف فى نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعامل برفق وتردد زائد مع الأجهزة الحكومية، وعجز عن توجيه انتقادات عنيفة لها وقصر دوره فى تقديم استشارات ونصائح لرئيس الحكومة فى قضايا حقوق الإنسان لكى يأخذ بها من عدمه، وهو ما جعله لا يأخذ بها فى النهاية. وأرجع الخبراء السبب الرئيسى لضعف أداء مجلس حقوق الإنسان فى كل دوراته إلى التدخل الدائم للحكومة فى اختيار الأعضاء بكل تشكيل، مما جعل المجلس يرتبط بها ويخشى من عدائها، وقد زادت مقومات انهياره فى عهد حكومة الإخوان، حيث حول المجلس وجهته لأداء دور سياسى وليس حقوقيا فى الدفاع عن كل تصرفات الحكومة وجماعة الإخوان والتغاضى تماما عن التصدى لأية انتهاكات تحدث لحقوق المواطنين والأحداث الكبرى للمظاهرات أمام الاتحادية ومقتل محمد الجندى، وسحل حمادة المصرى، وإصدار رئيس الجمهورية السابق محمد مرسى لعدد من الإعلانات الدستورية المتتالية، وهو ما دفع 9 أعضاء لتقديم استقالتهم بسبب الصراعات السياسية داخله وانصرافه عن العمل الحقوقى إلى مساندة الحكومة وليس المواطن، مما جعل الأممالمتحدة واللجنة الدولية لمجالس حقوق الإنسان تلجأ لإعادة تقييم موقفها منه منذ 6 أشهر، وتراجعه فى تصنيفه الدولى، فاضطر الأمين العام وقتها، السفير عبدالله الأشعل للقول : إنه لا يهمه وضع المجلس دوليا. ومن خلال قراءة أولية للتشكيل الجديد، يشهد المجلس عودة 10 وجوه قديمة و15 عضوا جديدا لأول مرة، وبتحليل أعمار أعضاء المجلس فى تشكيله الجديد الذى يضم 25 عضوا يتبين أن منهم 14 عضوا فوق سن الستين و3 أعضاء فى سن الثلاثين، وباقى الأعضاء تتراوح أعمارهم بين سن الأربعين والخمسين. فقد عادت وجوه ورموز قديمة شاركت فى عضويته خلال فترة الحزب الوطنى المنحل منها منى ذو الفقار والسفير أحمد حجاج، والسفير محمود كارم وحافظ أبوسعدة، بينما حصل على العضوية به لأول مرة رجائى عطية ، المحامى السابق للرئيس حسنى مبارك، كما ضم 3 شخصيات تنتمى للتيار الدينى وجماعة الإخوان والجماعة الإسلامية، وهم كمال الهلباوى وناجح إبراهيم ومختار نوح، فضلا عن محمد عبدالقدوس الذى رشحته نقابة الصحفيين، بينما رشحت وزارة الإعلام الخبير الإعلامى المستقل ياسر عبدالعزيز، لكى يضم المجلس 3 صحفيين للمرة الثانية فى تشكيله منذ تأسيسه. وفى المقابل تم اختيار 3 شخصيات قبطية هم سمير مرقص وجورج إسحاق ومنصف نجيب سليمان، مستشار الكنيسة القانونى، فى حين رشح التيار الشعبى الصحفى جمال فهمى، والعمالى كمال عباس، ورشح وزير العدالة الانتقالية الحقوقيين حافظ أبوسعدة ونجاد البرعى، وناصر أمين، ورشح جورج إسحاق ومحمد فائق كلا من حسام بهجت وشاهندة مقلد، ونيفين مسعد ومنال الطيبى وراجية عمران. ودافع عدد من المسئولين عن اختيار المجلس الجديد بأنهم حرصوا أن يضم خبرات متنوعة لأعضاء بين الحقوق العمالية والاجتماعية والاقتصادية وحقوق أهل النوبة والفئات المهمشة والعدالة الانتقالية والإعلام وحقوق الإنسان. وجاءت كبرى المفاجآت فى اعتذار الدكتور ناجح إبراهيم عن عضويته لأنه لم تتم استشارته قبلها، وأنه يفضل عدم خلط الدعوة بالدولة، وكذلك استمرار تردد الدكتور كمال الهلباوى فى قبول عضويته لنفس السبب لأكثر من يومين، حتى حسم أمره فى عدم رفض المشاركة، وجاء تعبير منال الطيبى أكثر دقة فى أنها مفاجأة لم تتوقعها لكنها تقبل العضوية، وهو الموقف الذى تكرر مع أكثر من ثلثى المجلس بعدم معرفتهم بترشيحهم. بينما اعتبرت غادة شهبندر أن المجلس معبر عن أجيال مختلفة وبه تمثيل مقبول للمرأة وللصحفيين والحقوقيين وغير المسيسين، خصوصا الشباب راجية عمران المحامية من أجل المعتقلين، ومنال الطيبى المهتمة بحقوق السكن وحسام بهجت المهتم بالحقوق الفردية والصحية ويحظون بقبول مجتمعى مناسب. وقد ظهرت بعد أقل من ساعتين عقب التشكيل سلسلة من الانتقادات والاعتراضات من عدة منظمات، لأن الحكومة لم تراع المعايير الحقوقية فى تشكيله والتى حددتها مبادئ باريس لتشكيل مجالس حقوق الإنسان الوطنية، وتدخل الحكومة الدائم فى اختيار الأعضاء وعدم تركها لترشيحات جهات مدنية، فضلا عن رغبة منظمات المجتمع المدنى فى أن يتم انتخاب أعضائه أسوة بما يحدث فى انتخابات الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، كما أنه يحظى بتهافت إعلامى عليه يضره فى العمل، وأن تطلعات المواطنين أكبر من قدراته ، وأنه لم يؤد دورا جادا فى حماية حقوق الإنسان المصرى طوال 9 سنوات منذ تأسيسه ويعد أكبر جهة فى مصر تحصل على تمويل أجنبى لعملها. واعتبرت داليا زيادة المدير التنفيذى لابن خلدون بأنه تشكيل ناقص وغير مكتمل لأنه لم يحتوى على اسم الدكتور سعدالدين إبراهيم، أحد مؤسسى المركز وحركة المجتمع المدنى فى مصر، ووصفه محمد عبدالنعيم، رئيس الاتحاد الوطنى لحقوق الإنسان بأنه مجلس «العار» وأنه شكل من الطابور الخامس، وأن الحكومة تركت النشطاء والمنظمات الحقوقية المستقلة وأهملت مشاركتهم به ، وأنه يعتزم مع 150 منظمة مقاطعته وتشكيل مجلس قومى مواز له. وهو نفس الموقف الذى اتخذته منظمة اتحاد المحامين للدراسات القانونية والديمقراطية، ورأت أن تشكيله شمل 4 حقوقيين فقط، وجاءت باقى قائمة المعينين من أسماء لا علاقة لها بحقوق الإنسان، وبالتالى لم يأخذ رئيس الوزراء بقاعدة الكفاءة والتخصص، مما يزيد من الشكوك حول أسباب تعيينهم، وغلب على اختيارهم الانتماء السياسى وليس لديهم خبرات فى حقوق الإنسان، وليسوا من دعاة حقوق الإنسان، بل بعضهم من معارضيها، مما سيجعل المجلس يمارس دورا سياسيا وليس حقوقيا، فى الوقت الذى رأى حزب الوفد أن تشكيله متوازن ويضم ممثلين عن تيار الإسلام السياسى، بينما اعترض حزب مصر القوية على التشكيل وتحفظ على عدة أسماء به. لييبقى السؤال وسط موجة الاعتراضات، هل يستطيع المجلس بتركيبته الحالية فى إكمال دورته التى تعد أقل دورة مدتها الزمنية والتى لا تتعدى 8 أشهر باعتباره مجلسا مؤقتا لحين انتخاب البرلمان القادم لكى يتم تشكيله من جديد، فقد أكمل من قبل دورته الأولى والثانية فقط حتى 2011، برئاسة الدكتور بطرس غالى، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بينما تعرض التشكيل ثلاث مرات منها لعدم الاستمرار، إحداها للاستقالة بالإجماع فى اجتماع عاصف بالنادى النهرى الدبلوماسى بعد احتراق مقره على كورنيش النيل فى أحداث ثورة 25 يناير، وتمت إقالته بعدها مرتين، ولم يكمل أى تشكيل مدته، وهذه هى أكبر التحديات التى تواجه محمد فايق، رئيس المجلس الجديد وله رأى فيها، حيث يقول إنه بغض النظر عن تشكيل المجلس الجديد فإنه على الأقل يتناسب مع متطلبات المرحلة، وأن أمامه تحديات ضخمة خلال الفترة المقبلة فى مقدمتها استعادة الثقة فى المجلس بعد تراجعها خلال فترة الإخوان، وتشكيل لجان تقصى حقائق فى الأحداث التى مرت بها مصر خلال تلك الفترة. وقال محمد فائق إنه خلال لقائه برئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوى الاتفاق على تفعيل دور المجلس فى كل لجان تقصى الحقائق مستقلة بأحداث فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة وانتهاكات حقوق الإنسان خلال فترة الرئيس السابق محمد مرسى، وكذلك الأعمال الإجرامية التى قامت بها جماعات العنف المسلح ضد المنشآت العامة والجيش والشرطة والكنائس والمتاحف وأقسام الشرطة ، وقتل المواطنين الأبرياء وإصدار تقارير عنها للرأى العام المصرى والدولى وتقديمها للأمم المتحدة والمنظمات الدولية. وأضاف أنه تم الاتفاق مع رئيس الوزراء على إيجاد تعاون بين الحكومة والمجلس فى إعداد مشروعات القوانين وحل شكاوى المواطنين التى تقدم للمجلس وترسل للحكومة وتقوية دوره فى متابعة الانتخابات مع اللجنة العليا والمجتمع المدنى. أما الدكتور عبدالغفار شكر، نائب رئيس المجلس، فيرى أن التحدى الأكبر هو عدم تسييس قرارات المجلس واستقلاليته بعيدا عن الحكومة التى اختارته.