كان على حق .. لكن أحدا لم يصدقه .. وبرغم براهينه فإن كثيرين ممن عرفوا الحقيقة تعمدوا ألا يصدقوها .. والواقع أنه لم ينتقد أحد أداء البرادعى سواء فى المشهد السياسى المصرى أم فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مثل الدكتور يسرى أبو شادى الذى عاصر فترة تولى البرادعى لهذا المنصب بوصفه كبير مفتشى هذه الوكالة.. وكان انتقاده طيلة الوقت يرتكز على أن البرادعى استغل هذا المنصب لخدمة أهداف وكالة المخابرات الأمريكية .. وقد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بالأدلة والبراهين.. لكن الطابور الذى كان يقوم بتضليل الرأى العام المصرى كان دائما له بالمرصاد .. حتى ولو كانت كلمات أبو شادى فى وضوح الشمس وحتى لو جاهر بها من على شاشات التليفزيون !! والدكتور يسرى أبوشادى هو كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيس قسم الضمانات بها سابقا وهو عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، وهو أيضا أستاذ زائر بكليه الهندسة بجامعة الإسكندرية.. واليوم وبعد أن هرب البرادعى من المشهد السياسى المصرى إلى بيئته الحاضنة له فى الغرب يعود الدكتور أبو شادى إلى الجذور التى تشكل الأساس لهذه التصرفات المريبة للبرادعى .. بداية من إشاراته المتناقضة أثناء الجدل الذى ثار بشأن فض اعتصامات رابعة والنهضة .. انتهاء باستقالته فى وقت عصيب ومريب وغريب .. من حيث الفعل ودلالاته .. سألنا الدكتور أبو شادى.. كيف تقرأ استقالة البرادعى المفاجئة وسفره إلى بروكسل عبر فيينا؟ أبدأ بالإشارة لمشاعرى الحزينة وأنا أرى اهتزاز دولة مصر الموحدة على مدى آلاف السنين والاقتتال الدامى بين اطراف من أطياف الشعب المصرى . وقد حذرت مما يحدث الآن منذ أكثر من 4 سنوات حينما تحدثت عن محمد البرادعى والدور الذى حدد له من قبل من يدين لهم بالولاء فى أمريكا والغرب، ولم يكن البعض يصدقنى لأنهم كانوا يرغبون فى تغيير نظام مبارك . ولكن بمجرد أن بدأ النظام الجديد حتى بدأ فى مسلسل الهدم. كيف كانت آليات البرادعى فى عملية الهدم ؟ لقد كان البرادعى هو من حاول أن يزج بالجيش المصرى فى صراعات داخلية وهو من كان يدعم هذه الفئات المشبوهة من حمله (يسقط حكم العسكر) حتى بدل اتجاهه لاسترضاء الجيش فى قلب حكم الإخوان. ولم يستجب الجيش إلا بعد أن طلبت الأغلبية الكبرى من الشعب المصرى ذلك. وبصراحة اندهشت من استدعاء الجيش لمحمد البرادعى للتشاور حول خريطة الطريق، وبها الكثير من التصادم مع التيار الإسلامى وكنت وقتها أتمنى على القيادة الجديدة أن تجرى استفتاء عاجلا على استمرار رئيس الجمهورية المنتخب والدستور الأخير وكان وجود البرادعى وآخرين هو ما أوصلنا للتصادم. كثيرون يرون أنه كان أكثر ميلا للتشدد ضد الإسلاميين وهناك من يرى عكس ذلك.. أين الحقيقة؟ هذا الدور المتشدد من جانبه ضد التيار الإسلامى الحاكم تحول خلال أيام إلى النقيض. فرغم اقتراحه بإقصاء التيار الدينى ورفض الاستفتاء تحول إلى رفض لإنهاء اعتصامات هذه التيارات. ثم بدا كنائب رئيس الجمهورية فى دعوة العديد من الشخصيات الغربية وإعطائهم دوراً وحجم أكبر منهم بالتدخل السافر فى شئون مصر الداخلية. وهو ما أدى لتعطيل أى إجراءات لحل مشكلة الاعتصامات سلميا أو بالقوة. وعندما اتخذ قرار فض الاعتصامات، وبدأ التنفيذ وبعد ساعات قليلة من البداية وفى أهم اللحظات فى العملية، فاجأ البرادعى الشعب والجيش المصرى بالاستقالة بسبب كما يدعى الاستخدام المفرط فى القوة حتى قبل أن تظهر نتيجة اليوم وأحداثه وخسائره وهو ما دل على تنفيذه لأوامر من ينتمى لهم فى الغرب. هناك الكثير من الشكوك فعلا فى مسألة تلقيه التعليمات من الغرب، لكن هل من براهين يمكنها أن تؤكد ذلك ؟ هنا أعود قليلا للذاكرة فى 2003 وحينما كتبت ككبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع آخرين تقريرنا الفنى عن اتهامات المخابرات الأمريكية للعراق بإحيائه لبرنامج التسلح النووى، بأننا كفنيين ننفى نفيا قاطعا جميع هذه الاتهامات الكاذبة، ولكن البرادعى حول تقريرنا الفنى النافى القاطع إلى تقرير فضفاض ومائع ويشمل جميع التفسيرات، فرغم أنه يقول إننا كمفتشى الوكالة لم نجد أدلة على إحياء العراق لبرنامجه النووى، فإننا لا نستطيع نفى الاتهامات الأمريكية ونريد عدة أشهر للتأكد من ذلك، بالإضافة لتصريحات البرادعى الشخصية المكررة عن عدم تعاون الجانب العراقى مع الوكالة وعدم ردهم المرضى عن بعض الأسئلة، وهى أمور كما عاصرتها فى هذه الفترة إما كاذبة أو لا تأثير عليها بأن البرنامج العراقى النووى وصل لمرحلة الصفر كما جاء فى تقاريرنا الفنية منذ 1998 ولكنه لم يعرض على مجلس الأمن لرفع العقوبات عن العراق إلا فى عام 2010 . تقصد هنا أن البرادعى كان هو الرجل الذى سلم العراق للاحتلال الأمريكى؟ مع علم البرادعى بنية أمريكا المؤكدة بضرب العراق، فإنه قدم لها السبب الدولى الوحيد لإدارة بوش لضرب العراق، مما تسبب عن قتل مليون شهيد عراقى ودمهم فى رقبة البرادعى، وبرغم كل هذا فإنه لم يستقل من الوكالة كمديرها العام بل ولم حتى يهدد بالاستقالة. ألا ترى أن عدم استقالته من الوكالة واستقالته من منصبه فى مصر يحمل دلالة معينة.. الرجل فى كل تاريخه لم يستقل من أى منصب مثلا ؟ اليوم استقالته فى مصر هى طعنة للشعب المصرى وإعطاء الفرصة للدول الخارجية أن تشكك فى الأحداث وتتخذ مواقف ضد الجيش المصرى والدولة المصرية. هذا هو البرادعى، ومن معه والذى حذرت منه منذ سنوات عديدة بل وصل بى الأمر أن اشتركت فى بلاغ رسمى للنائب العام فى يوليو 2011 بخمسة اتهامات محددة وبالأدلة المادية القاطعة عن دوره الهدام فى تهديد الأمن القومى المصرى . إذن الغرض هو استدعاء الغرب إلى المشهد المصرى ؟ الهجوم السافر لأمريكا وبعض الدول الغربية على الجيش والدولة فى مصر حدث بتشجيع من البرادعى، وأنا أقول لهم خصوصا لأمريكا أنتم لستم الملائكة الذين يدافعون عن التيار الإسلامى، وأنتم أول من وضع هذا التيار على قائمة الإرهاب الدولى، وأنتم من قتل عشرات ومئات الألوف من المسلمين فى العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا وغيرهم، وأنتم من خالف كل حقوق الإنسان بالقبض الهمجى على مئات المسلمين والزج بهم فى سجون جوانتانامو اللاإنسانية، وأنتم من ساند إسرائيل فى مجازرها ضد الفلسطينيين، وأنتم من استخدم طائرات بدون طيار فى اليمن لقتل من تقولون إنهم القاعدة ولا تهتمون إذا كان من قتلتموهم حقا من القاعدة أم من الشعب اليمنى المسالم، أما حلف الناتو فعليه تذكر جرائمه النكراء فى ضرب ليبيا وقتلهم بدم بارد وفى ليلة واحدة لأكثر من خمسين ألف ليبى مسالم فى طرابلس دون أسف، وأنتم من سحق الهنود الحمر وهم أصحاب البلد الأصليون. فلا تمثلوا الدور علينا وعلى شعوبكم.