يرى أحمد تركي الباحث فى مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط أن قضية مياه النيل باتت من أهم القضايا الاستراتيجية والأمنية التي لا تشغل فقط المسئولين الرسميين، بل تشغل بالقدر ذاته الرأي العام المصري خاصة والعربي على وجه العموم، ولذا تتدافع وتتسابق الرؤى والأفكار والأطروحات من قبل الأفراد والمؤسسات المصرية الرسمية وغير الرسمية والشعبية من أجل التوصل إلى حلول واقعية وفعلية لأزمة مياه النيل على خلفية سد النهضة الأثيوبي وما أثُير من تداعيات وأثار سلبية على مستقبل الأمن المائي المصري. ويقول أن بالنسبة للخيارات المصرية المطروحة إزاء التعامل مع دول حوض النيل بصفة عامة، ومع أثيوبيا ومشروعاتها المائية على مجرى نهر النيل بصفة خاصة، طرحت الدراسة الخيارات التالية: أولاً: الخيار القانوني: ارتكزت الساسة المصرية في تعاملها مع قضية مياه النيل على الاتفاقيات القانونية التي تحدد نصيبها من المياه والتي تقدر سنوياً 55.5 مليار متر مكعب من المياه، فضلاً عن تحديد الأطر التي يجري من خلالها الوصول إلى اتفاق على أي مشاريع مستقبلية بشأن تطوير النهر في أي من الدول، بحيث لا يتم تنفيذ هذه المشاريع دون موافقتها الصريحة. ثانياً: الخيار التعاوني: وفي هذا الشأن عليه مصر حينذاك، وفي حالة سد النهضة الأثيوبي فقد اتضح أنه لم يتم التشاور مع مصر والسودان هذه المرة، ومن هنا فمن حق مصر اللجوء إلى هذا الخيار، خاصة أن هناك اتفاقيات ل 300 نهر مشترك في أنحاء العالم عقدت جميعها في القرنين التاسع عشر والعشرين ومعظمها تم توقيعه إبان فترات الاستعمار مثلما حدث بالنسبة لنهر النيل. ثالثاً: خيار البعد عن الإثارة: نظراً لتشابك ملف المياه وأهميته بالنسبة لمصر، فإن التصعيد ربما يؤدي إلى تشدد الطرف الآخر، ولعل هذا الخيار بدا واضحاً في الرؤية المصرية في التعامل مع أزمة سد النهضة الأثيوبي. رابعاً: الخيار العسكري: على الرغم من إقرار فقهاء القانون الدولي العديد من القواعد القانونية لإدارة الموارد المائية الدولية، إبان وقت السلم، فإن حماية تلك الموارد خلال النزاعات المسلحة أمر لم يحظ بأهمية مماثلة، وبالتالي فإن حدوث نزاعات مسلحة حول المياه من شأنها أن تعرض الشعوب إلى نوع من الظمأ يكون أشد فتكاً من الأسلحة التقليدية. وبالنسبة لسد النهضة الأثيوبي، فإنه يعد محاولة من جانب أثيوبيا لتهديد نصيب مصر السنوي من المياه، وهو ما يمثل عملاً يمس الأمن القومي المصري مساً مباشراً ويعرضه للخطر، ومن ثم فإن البديل العسكري سوف يكون ضمن خيارات التعامل مع السد الأزمة، إن لم يكن في مقدمتها، وقد عبرت تصريحات المسئولين المصريين عن هذا صراحة. ناهيك عن ممارسة السياسة المصرية لكل أنواع الضغوط الدبلوماسية على الدول الممولة لبناء هذا السد الأزمة. وبالنسبة للمقترحات والأفكار المحورية يقول: أما المستوى الثاني من التعامل مع السد الأزمة،يتمثل في عدة مقترحات أو الخيارات الوطنية الداخلية الخالصة للتعامل مع قضية المياه بشكل عام على الأمد البعيد، وذلك من خلال الأطروحات التالية: أولاً: ضرورة تشكيل لجنة عليا لأزمة السد: مع التسليم بأهمية مؤسسات صنع وإدارة المياه، كما أنه لا تزال هناك حاجة ملحة لمؤسسة عليا تضم في عضويتها خبراء مصر في مجالات الموارد المائية والري، والسدود، والكهرباء والطاقة، والتحكيم الدولي، إلي جانب ممثلين لأجهزة الدولة المعنية بالأزمة بشكل مباشر وهي وزارتا الموارد المائية والخارجية وجهازا المخابرات العامة والمخابرات الحربية. . ثانياً: ضرورة إيجاد ثقافة مائية في المجتمع المصري وذلك بهدف المزيد من ترشيد المياه، والتأكيد على أن مصر سوف تدخل دائرة الفقر المائي، إذا ماستمرت الأوضاع الراهنة من تزايد الإفرط في استخدام المياه، وأن الأمن المائي المصري بات مهدداً بالخطر. ثالثاً: أهمية البعد عن الإثارة الإعلامية في معالجة قضايا المياه، فالأمثل أن يتم بحث الخلافات من خلال اللجان المشتركة سواء الثنائية أو الجماعية بين دول حوض النيل. رابعاً: ضرورة وحتمية إعادة النظر في العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول حوض النيل، سواء من خلال تفعيل الآليات القائمة، أو استحداث آليات جديدة. خامساً: إعادة النظر في سياسة مصر الخارجية تجاه الدائرة الأفريقية، بحيث تصبح أولاً في مقدمة دوائر السياسة الخارجية المصرية لارتباطها الوثيق بأمن مصر القومي، فضلاً عن التمييز داخل هذه الدائرة فتكون الأولوية لدول حوض النيل أو الدول المتشاطئة فيه. سادساً: أهمية قيام مصر بدور فعال في المرحلة القادمة في حل النزاعات السياسية في دول حوض النيل، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي داخل المنظمات المعنية، والوقوف في صف قضايا دول حوض النيل في المحافل الدولية. سابعاً: ضرورة تفعيل العلاقات الإعلامية والتعليمية والثقافية بين مصر ودول حوض النيل ومن ذلك زيادة عدد المنح للطلاب الأفارقة في مصر فضلاً عن إمكانية إنشاء ( كلية لمياه النيل) داخل الأراضي المصرية، وقد بدا ذلك واضحاً كذلك في تصريحات المسئولين بمصر مؤخراً. ثامناً: ضرورة إنشاء وزارة خاصة بمياه النيل، تكون مهمتها متابعة دقيقة لكل ما يصدر من دراسات وتقارير حول المشروعات الآنية والمستقبلية لدول حوض النيل على ممر نهر النيل من المنبع حتى المصب، ووضع استراتيجية للوجود المصري الفعال في هذه الدول على المستويات الاقتصادية والإعلامية. تاسعاً: ضرورة متابعة والاطلاع على كل ما يصدره البنك الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى بشأن مفاهيم خصخصة وتسعير المياه وبورصات المياه،حتي يتم التحسب لأي تطورات بشأن مستقبل الأمن المائي في مصر.