بصوتٍ لاهث، يصرخ أكرم سلامة المسؤول عن الأسرى الفلسطينيين في سجن الرملة الإسرائيلي، وهو يحمل صديقه الأسير المريض جمعة إسماعيل، "هيّا بسرعة افتحوا البوابة.. لا وقتَ لدينا.. إنّ جسده يتهاوى، علينا أن نسرعَ ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً لننقذ حياته". ونشرت وكالة أنباء "الأناضول" فى نسختها العربية على موقعها الإلكترونى اليوم الأربعاء، أن ضابطٌا يرد عليه من مصلحة السجون الإسرائيلية بلغة عربية ركيكة بدلاً عن العبريّة "ألا تعرف أنك لم تجتز سوى بوابتين إلكترونيتين، من أصل 26 يتحتّم عليكَ أن تجتازها كلّها، حتّى تخرجَ من هذا المكان". فيصرخ سلامة ب"العبرية" حتّى يسمعه الحارس "هيا افتح البوابة لنا الأحقية بالعبور، إن ذاك الضابط الذي يعوق فتح البوابات بسبب مروره، ليس أهم من هذا المريض". فما هي إلا ثوانٍ معدودات، حتى يشعرَ سلامة بثقلٍ بين يديه، يجعله عاجزاً عن الاستمرار في حمل الأسير المريض إسماعيل، ليكتشف بعدما وضعه أرضاً، أنّه فارق الحياة أثناء انتظاره فتح البوابة الإلكترونية "الثالثة" في سجن الرملة. المشهد السابق، سرده لمراسلة وكالة الأناضول للأنباء أكرم سلامة، الأسير المحرر في صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، حول ملابسات وفاة الأسير "جمعة إسماعيل" بين يديه في ديسمبر/كانون أول 2008. وأبرمت حماس في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011 صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل برعاية مصرية، أطلقت عليها اسم "وفاء الأحرار"، أفرجت بموجبها عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي أسرته في يونيو/حزيران 2006 خلال عملية عسكرية جنوب قطاع غزة، مقابل إطلاق سراح 1027 أسيرًا فلسطينيًّا من السجون الإسرائيلية معظمهم من أصحاب الأحكام العالية. سلامة البالغ من العمر 40 عاماً، قضى 22 عاماً من عمره في السجون الإسرائيلية من أصل 30 عاماً هي مدة محكوميته، وكان يعمل ممرضا قبيل أسره، واشتهر بلقب "خادم الأسرى"، كونه كان مسؤولا عن الأسرى في سجن الرملة. وأنشئ سجن الرملة عام 1934، إبان الانتداب البريطاني على فلسطين، وبعد إعلان دولة إسرائيل عام 1948، بناء على قرار تقسيم فلسطين الذي أصدرته ألأمم المتحدة في العام نفسه، تحول إلى مركز للجيش الإسرائيلي، وفي عام 1953 تم تخصيص جزء من السجن ك"معتقل" ل"الأسرى الفلسطينيين"، قبل أن يتحول أحد أقسامه إلى مستشفى خاص بالأسرى، يطلق عليه "قسم مستشفى سجن الرملة"، ويعرف بالعبرية باسم "مراش". وأوضح سلامة أن قسم "مراش" يقع في الطابق الثالث من سجن الرملة، بحيث يتكون من "ثماني" غرف، تحتوي الغرف على 48 سريرًا. ولفت سلامة إلى أن مستشفى سجن الرملة يربطه مع البوابة الخارجية للسجن 26 بوابة إلكترونية، تعمل وفق نظام دقيق "لا يفتح بابين في نفس اللحظة"، بحيث يمرّ الأسير عليها جميعها في حال اضطر للخروج من المستشفى إلى مستشفى خارجي. وأضاف "نطلق على المستشفى اسم مسلخ( سلخانة) وليس مشفى، وذلك نظراً لتدني مستوى النظافة، فالنوافذ إما مغطاة بشبكة من الأسلاك مغبّرة جداً، يضرّ بصحة المرضى، أو بقطع حديد تمنع دخول الهواء وأشعة الشمس إلى الداخل، عدا عن الروائح التي تنتشر بسبب سوء التهوية، والحشرات الصغيرة التي تحطّ على الجروح وأطعمة الأسرى". في العادة، تختار أيّ مستشفى طبيبها وفقاً لنجاحه بالاختبار المهنيّ، والعلمي، بشكلٍ يدلل على أن الطبيب أهلٌ للعمل في مهنته، إلا في سجن الرملة، فهي تقبل الأطباء الذين "يفشلون" في الاختبارات التي تقدمها المستشفيات الخارجية، على حد قول سلامة. ولفت إلى أن الطبيب العام يجب أن يكون "عسكرياً"، بحيث يشاهده المرضى أحياناً بالزيّ الأمني الأزرق، وفي أحيان أخرى يرونه بالزيّ الأبيض ك"طبيب". وبالنسبة لتعامل الطبيب العام مع الأسرى المرضى، قال سلامة "هو تعاملٌ عسكريّ بالغالب، بحيث لا يمارس الطبيب وظيفته بمهنية وشفافية، فأحياناً يعاقب المريض لدرجة أن يعزله بسجنٍ انفرادي داخل المشفى كأنه سجان وليس طبيبا". وتعرّض الأسير مراد أبو زقوت المريض بسرطان الرئتين للعزل الانفرادي، كنوع من العقاب الصادر عن طبيبه بعدما نشب خلاف بينهما حول توفير "مروحة" نظيفة للأسير، فقوبل طلبه بالرفض، مع العلم أنه كان بحاجةٍ إلى هواء نظيف نظراً لمرضه، كما أنه موصول بجهاز التنفس الاصطناعيّ لمدة 24 ساعة يومياً، لكنّه رغم مرضه، تعرض للعقاب والعزل، وتوفي بعد فترةٍ بسيطة نتيجة الإهمال، بحسب سلامة. وذكر سلامة أن الأسرى المرضى داخل السجون يعانون من المماطلة الإسرائيلية في نقلهم للمستشفيات، أو المماطلة في علاجهم وإعطائهم الدواء، مؤكداً أن هناك الكثير من الأسرى الذين قُتلوا نتيجةً للمماطلة الإسرائيلية. وكان للأسير المتوفي نضال شاهين من قطاع غزة، قصةٌ مع المماطلة الإسرائيلية في نقله لمستشفى الرملة، حيث كان يعاني من مرض "السكري"، وتردد على مستشفى الرملة حوالي 19 مرة كي يجري موازنة لعملية السكر في الجسم، فكان يعاني من تأجيل مواعيد زيارته للمستشفى في كل مرة. وأكد سلامة أن الأسرى المرضى داخل السجون والذين يصعب علاجهم في مستشفى "الرملة" نظراً لتدني مستواها الصحي، ينتظرون قرابة ال10 أيام حتّى يحصلون على الموافقة للعلاج بالمستشفيات الخارجية. ووصف سلامة حال الأسير الذي يعالج بالمستشفيات الخارجية، كمن ينقل نفسه من أسرٍ إلى أسر "أشدُّ"، قائلاً:" الأسرى في السجون الخارجية، يتعرضون لأنواع صعبة من الرقابة والتشديد، بحيث يجلسونَ في غرفة بها 4 حراس إسرائيليين، مدججون بالسلاح". وأشار إلى أن الأسير المريض والذي يتم علاجه بالمستشفى الخارجي، عندما يتنقل من غرفةٍ إلى أخرى، يتم تقييد يديه وقدميه بالإضافة إلى وضع سلسلةٍ حديد على خصره، بشكلٍ يمنعهُ من التحرك بسهولة. وذكر سلامة أن التعامل الأمني مع الأسرى خارج مستشفى الرملة "مشدد" جداً، حيث خروج الأسير إلى المرافق العامة لقضاء حاجته، تطلب إذناً وتصريحاً رسمياً من الضابط عبر الهاتف، بحيث يأخذ الحصول على الموافقة وقتاً طويلاً يتجاوز الساعة الكاملة. ونظراً لصعوبة الظروف التي يمرّ بها الأسير المريض في المستشفيات الخارجية، يرفض معظم الأسرى الذهاب للعلاج بالخارج، ويوقّعون على "ورقةٍ" يُذكر فيها رفضهم الخروج للعلاج، حسب سلامة. وتستغل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية هذه التواقيع في المحاكم العسكرية، بعد تعرض أي أسير مريض للموت، فتشهر توقيعَه أمام المحكمة وتقول إنه "رفض الخروج للعلاج"، دون إبداء أسباب الرفض المتمثل بالمعاملة القاسية. وأوضح سلامة أن إدارة مصلحة السجون، والعيادة الطبية بالمستشفى، تتعمدان إعطاء الأسرى المرضى الأدوية التي تعطي نوعاً من "الإدمان" وتشكل سموماً ثقيلة على الجسم، مؤكداً على أنهم يفرطون في إعطاء الأسرى تلك الأدوية. وذكر أن الطبيب العام يكون مسئولاً عن 200-300 أسير، بحيث يجد في تلك "الأدوية" السبيل في معالجة جميع الأسرى الذين يتوجهون إليه. وأشار سلامة إلى أن تلكَ الأدوية يفترض أن تقدم للمرضى ذوي الحالات الصعبة جداً لتسكين آلامهم، إلا أن مصلحة السجون تقدمها لجميع الأسرى بشكلٍ مفرط. ولفت إلى أن مصلحة السجون تؤخر عملية تقديم الدواء للأسرى بعد "إدمانهم" عليها، كنوعٍ من العقاب والإذلال، حتّى يصل المريض "المدمن" إلى درجة إيذاء نفسه ك" خبط رأسه بالحائط أو بالسرير الحديدي، أو جرح يديه". وحسب تقرير لوزارة الأسرى والمحررين في الحكومة المقالة في غزة، فإن عدد الأسرى المرضى في السجون الإسرائيلية يزيد على 1200أسير "يتعرضون يومياً للموت البطئ، بسبب الإهمال الطبي المتعمد، من قبل إدارة السجون، وكان أحدثها الأسير ميسرة أبو حمدية، نتيجة إصابته بمرض السرطان". وحسب التقرير "فهناك 170 أسيرًا يعانون من أمراض خطيرة، منهم 25 أسيرًا مصابين بالسرطان، فيما يواجه غالبية الأسرى مشكلة في أوضاعهم الصحية نظراً لتردي ظروف احتجازهم في السجون ذات المقومات الصحية المتدنية". ومن أكثر فئات الأسرى الذين يقع عليهم "ظلم" السجان الإسرائيلي، هم ذوي الحاجات الخاصة خاصة "المقعدين". وفي هذا السياق، قال سلامة: "يتواجد في السجن من 12-14 أسيرًا مقعدًا، يحتاجون إلى رعاية وأدوات ومستلزمات خاصة، غير موجودة في سجن الرملة، كما أنهم يحتاجون إلى وجود الممرضات بشكلٍ مستمر، كذلك فهذا البند غير موجود". وأوضح سلامة أن الأسير المقعد يحتاج إلى "فرشة" طبيّة، تلائم إعاقته، كي لا يُصاب بتقرحاتٍ جلدية. كما يعاني الأسرى المقعدون داخل السجون من عدم توفّر الكراسي المتحركة الخاصة بالمرافق العامة، بحيث في سجن الرملة 14 أسيرًا مقعدًا، يستخدمون "كرسيّين" متحركين خاصين بالمرافق العامة. ولفت سلامة إلى أن إدارة مصلحة السجون تتعامل ب"استهتار" مع طلبات الأسرى ذوي الاحتياجات الخاصة وتؤجل تنفيذ طلباتهم. وعلى سبيل المماطلة في تنفيذ طلبات الأسرى، ذكر سلامة أن مصلحة السجون استغرقت مدة 5 سنوات، لإدخال "خرطوم مياه" متحركة يستخدمها الأسرى المقعدون عند الاستحمام. وسرد سلامة طريقة تعامل إدارة السجون مع الأسرى المضربين عن الطعام. وذكر أن إدارة السجون - في حالة الإضراب الفردي - تنقل الأسير المضرب في يومه الأول، وبعد إبلاغه للإدارة بإضرابه، إلى غرفة العزل الإنفرادي، وتقدم له الوجبات بمواعيدها المحددة. ولفت سلامة إلى أنه في أول أيام الإضراب لا تتدخل إدارة السجون بالأسير المضرب، إنما تتدخل ب"القوة" عندما تتغير ملامح وجهه من التعب، أو يظهر عليه علامات الإرهاق، كضعف الوجه واسوداد ما تحت العينيين.