وفاء فراج - بحسبة بسيطة نكتشف أن ما ألقته وزارة الداخلية علي المصريين من قنابل دخان يكفي لحل جزء كبير من مشكلة البطالة في البلاد بسهولة، فالخبراء يؤكدون أن ما تم قذفه علي رؤوس المتظاهرين في العامين الماضيين تجاوز 10 ملايين قنبلة مستوردة من عدة دول هي أمريكا وإسرائيل وبريطانيا، وبلغ سعر القنبلة الواحدة 55 دولاراً أي ما يوازي راتب موظف حكومي شهرا كاملا. أضف إلى ذلك الخسائر الناتجة عن هذا الكم الهائل من الدخان المسمم من أمراض صدرية وإصابات تقوم وزارة الصحة بإنفاق جزء من ميزانيتها عليها، كل ذلك يهون.. أما الذي لا يغفر فهو استيراد الحكومة لنوعية من القنابل المحرمة دوليا ولا تستخدم إلا في الحروب بين الجيوش المدربة علي الحرب الكيماوية. وليس في مواجهة مدنيين « مواطنين». ولنا أن نعلم أن هناك معاهدة دولية تحظر استخدام قنابل «CS» المحرمة دوليا والتى تصيب من تلقى عليهم بالشلل والصرع والسرطان وفقدان لبصر، وقد وقعت عليها كل دول العالم إلا ست دول وهي: إسرائيل ومصر وسوريا وأنجولا والصومال وكوريا الشمالية، والمفاجأة المحزنة أن سياسة استخدام القنابل المحرمة دوليا القاتلة التى لا تستخدم إلا فى الحروب مازالت قائمة، برغم زوال النظام الفاسد واستبداله بنظام يؤكد صباح مساء أنه صاحب مشروع إسلامى يتقى الله فى أفراد الشعب. ولنعد إلى المشهد المتكرر عشرات أو مئات أو آلاف، حسب نوعية المظاهرات، الشباب يفرون هنا وهناك وتعلو سحابات دخان الشيطان الأبيض «القنابل المسمومة», ذلك المشهد المتكرر اعتاده المصريون فى كل المحافظات، حيث أصبحت قنابل الدخان لفض التظاهرات والاعتصامات هى التصرف الأول للداخلية وليس كما يحدث فى دول العالم المتقدم باستخدام خراطيم المياه أولا، ويأتى استخدام قنابل الدخان غير السامة فى نهاية المطاف. تلك القنابل التى ارتبط اسمها بفضائح فساد وجرائم دولية، حيث استخدمها صدام فى حربه مع الأكراد وأمريكا ضد فيتنام, فتحولت من أداة لفض الشغب إلى أداة لقتل للمتظاهرين وخنق سكان الميادين. فإن اثنين ونصف مليار من الجنيهات تنفقها الدولة سنويا بعد الثورة من أموال الشعب لشراء قنابل الغاز القاتل وأدوات فض الشغب هذا حسب تقرير لمنظمة العفو الدولية الذى صدر أخيرا فى نهاية ديسمبر 2011.. والذى يقول أيضا إنه بخلاف الصفقات المشبوهة التى كشفها الإعلام ومنظمات المجتمع المدنى حول استخدام قنابل منتهية الصلاحية وأخرى سامة ومحرمة دوليا، وأخرى لا تستخدم إلا فى المعارك الحربية، وآخر هذه الصفقات المشبوهة هى شراء 140 ألف قنبلة دخان من شركة أمريكية إسرائيلية بما يعادل 17 مليون جنيه مصري. وهذه ليست الصفقة الأولى مع تلك الشركة، فحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية تم استيراد نحو 105 أطنان من القنابل المسيلة للدموع شديدة السمية، والتى راح ضحيتها الكثير من الأرواح فى أحداث شارع محمد محمود، ومن قبلها كانت فضيحة القنابل المنتهية الصلاحية التى تم استيرادها من إنجلترا عام 1998، وتم استخدامها فى أحداث الثورة وما بعدها. ملف شائك حول قنابل فاسدة يمتد تأثيرها للإصابة بالشلل والعمى والأمراض السرطانية والصرع.. تفتحه مجلة «الأهرام العربي» أمام الرأى العام ليعلم أن الهواء الذى يستنشقه فى الميادين هو هواء سام وقاتل. حذر اللواء محمد ربيع الدويك، الخبير الأمنى والقانونى من خطورة عشوائية إلقاء القنابل والإفراط فى استخدامها قائلا : إنها مواد متفجرة ضارة تحاول معظم الدول الراقية الحد من استخدامها وأن تكون فى أضيق الحدود نظرا لسميتها وخطورتها على صحة الإنسان خصوصاً أنها فى الأعراف الدولية تستخدم لفض الشغب وليس المظاهرات السلمية وعادة تأتى كخطوة أخيرة لمواجهة المتظاهرين، أما فى مصر تستخدم كخطوة أولى وتستخدم بكثافة غير مبررة وبعشوائية تفوق النسب المسموح بها دولياً، وهو ما ينعكس على زيادة عدد الوفيات بسبب حالات الاختناق فقد يتم إلقاء ما يزيد على 500 قنبلة فى التظاهرة الواحدة وأحيانا أكثر. وأكد الدويك أن الدول النامية ومنها مصر تعتبر هى جهات تصريف الدول المتقدمة وصانعى السلاح لترسانتها من الأسلحة الكيمائية المنتهية الصلاحية, فى حين أن هذه الدول تقبل على مثل هذه الصفقات بسبب أسعارها الضئيلة، بل وتكون هدفاً أمام الفئات الفاسدة فى المجتمع وداخل الجهات السيادية لدرجة أنها يتم شراؤها على الورق الرسمى بنفس سعر الجديدة خصوصاً إذا عرفنا أن معاهدات وقوانين هيئة الأممالمتحدة وجدت فيها اتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيماوية لعام 1993، التى تمنع استخدام غاز ال «CS» المسيل للدموع فى الحروب، وقد وقعت عليها جميع دول العالم عدا ست دول هى مصر وإسرائيل وسوريا وأنجولا والصومال وكوريا الشمالية. ويقول الخبير الأمنى إنه فى الوقت الذى تعانى منه الدولة اقتصاديا تقوم بإنفاق المليارات على هذا النوع من الأسلحة والدليل الصفقة الأخيرة والتى تقدر بنحو 17 مليون جنيه مصرى لشراء 140 ألف قنبلة جديدة. مشيرا إلى تقرير منظمة العفو الدولية التى رصدت أن مصر تشترى ب 2.5 مليار جنيه معدات قمع وقنابل لتفريق المتظاهرين، وخوذات للجنود وخلافه. من ميزانية الداخلية التى تقدر ب17 مليار جنيه بعد الثورة. والتى من المحتمل زيادتها فى الميزانية المقبلة. أما د. محمد محيى الدين، أستاذ جراحة المخ والأعصاب بكلية طب قصر العيني.. يؤكد أن قنابل «CR و CS» الذين يتم استخدمهم بكثرة فى مصر قنابل محرمة دوليا وتستخدم للإبادة فالأولى لم تستخدم فى العالم كله إلا فى جنوب إفريقيا عندما كانت التفرقة العنصرية بين البيض والسود، كما استخدمتها، إنجلترا ضد إيرلندا وإسرائيل مع غزة.. وتم التوصل إلى وجود عبوات لغاز الأعصاب ونسبة تركيزه فى الغلاف الجوى 17.2 % وهو من الغازات التى تسبب السعال وصعوبة التنفس والشلل فى بعض الحالات. حيث تحتوى على مادة (البنزوكسازيين) وهى مادة شديدة السمية ومسيلة للدموع وتسبب شللاً مؤقتاً وحالات صرع وتلف فى الجهاز العصبي. وأضاف أن النوع الثانى “السى إس" المسيل للدموع فى حالة استخدامه بكثافة تفوق تركيز 20 مليجراما فى المتر المربع الواحد يؤدى للموت المحتوم لعدد 5 أشخاص من بين كل 500 إنسان سيصادف وجودهم داخل ذلك المتر المربع. بسبب احتوائه على مواد (الكلورينز) و(المالونونيتريل) وهى مواد شديدة الخطورة “وتصنع فى إسرائيل وتصدر من أمريكا" ويسبب الشلل المؤقت وإصابات خطيرة فى العين وصعوبة فى التنفس وحروقا فى الجلد وتلفا فى خلايا الكبد والقلب ومن الممكن أن يؤدى إلى الوفاة، مشيرا إلى أن النصوص الدولية تلزم الدول المستوردة للغاز المسيل للدموع من نوع “سى إس" بإنشاء وحدات لطب علاج سموم الغازات بكل معاهد ومستشفيات الدولة وهذا ما لم يتم خصوصاً أن هذا النوع من الأسلحة هو محرم دوليا. ومن ناحيته يؤكد محمود فؤاد المدير التنفيذى للمركز المصرى للحق فى الدواء أن مصر تأتى فى المرتبة الرابعة بين قائمة الدول المستوردة للقنابل المسيلة للدموع ومواد فض الشغب بعد كل من كوريا الشمالية وأنجولا وتليها فى القائمة مباشرة دولة سوريا، مشيرا إلى استيراد مصر نحو 15 نوعاً من قنابل الدخان التى يتراوح سعرها بين 55 دولاراً وأكثر، ولكن أكثرها خطورة على الإطلاق هو نوع «CS»، ذو السمية الشديدة، الذى يؤدى للإصابة بسرطان القولون، والموت لو تم إلقاؤه بكثافة ومباشرة، كما أنه محرم دوليا حسب معاهدة 1993، وقد استخدمه صدام حسين لضرب الأكراد فى التسعينيات، كما أن أمريكا استخدمته فى حربها مع فيتنام. وأضاف فؤاد أن المقابل الذى دفعته الحكومة المصرية لشراء 140 ألف قنبلة غاز مسيل للدموع ظهرت أخيرا كصفقة صغيرة أمام الصفقات المعتادة والتى تضم عادة من 400 ألف إلى 650 ألف قنبلة، تكفى لشراء أدوية للطوارئ فى (155) مستشفى كذلك شراء صفقة أنسولين لعلاج 8 آلاف مريض بالسكر أو شراء ألبان صناعية تكفى 200 ألف رضيع لمدة 3 أشهر, وكلها أدوية غير موجودة وأنفع للشعب المصرى من قنابل سامة تقتله. الدكتورة فادية أبو شهبة، أستاذ القانون الجنائى فى قسم بحوث المعاملة الجنائية بالمركز القومى للبحوث تقول: إن قنابل الغاز هى إحدى السبل المتفق عليها دوليا لفض الشغب، ولكن بمحاذير ومعايير محددة.. وإذا ثبت أن الجهة التى تستخدم تلك القنابل بشكل عشوائى وبقنابل غير مطابقة للمعايير السلامة العالمية مما قد يؤدى لأضرار بالغة، كما تؤكد لجان تقصى الحقائق والتقارير الحقوقية والمعملية يصبح الأمر قتلاً عمداًً مع سبق الإصرار والترصد وتجب محاكمة المسئولين عليه محاكمة جنائية عاجلة. وتؤكد الدكتورة أبو شهبة، أنه من حق السكان المقيمين فى المناطق المحيطة بمواقع إلقاء القنابل مثل المقيمين فى محيط ميدان التحرير والمحيطين بقصر الاتحادية أن يقيموا دعاوى تعويض ومحاكمة لقيادات الداخلية والحكومة للأضرار الصحية التى تصيبهم من هذه القنابل.. وهو أمر تحميه كل مواثيق حقوق الإنسان فى العالم. أما د. ميلاد وليم أحد أطباء المستشفيات الميدانية فى ميدان التحرير، وشاهد عيان، وأحد المتضررين بسبب تلك القنابل يقول: نستنشق دخاناً قاتلاً منذ سنتين وكثير منا فى الميدان سواء كانوا أطباء أم معتصمين أصبح يعانى من مشاكل فى التنفس والرئة لدرجة أن بعض المصابين قام بعمل أشعة على رئتيه فوجد أنها مليئة بالدخان الأسود الذى قد ينتج عند مدخن بشراهة للسجائر لمدة 50 عاماً، مما يؤكد حالات سرطان فى الرئة مبكرة للمتظاهرين والمقيمين فى محيط الميادين.. مشيرا إلى أن التحاليل التى تمت على بعض القنابل تؤكد أنها تحتوى على مواد مسرطنة نحو 7 آلاف من مليون وحدة، فى حين أن قنابل الدخان لفض الشغب مصرح فقط أن تحتوى على 1 من المليون. أما عما أصابه من ضرر مباشر من القنابل يقول د. ميلاد: بدأ الأمر منذ أشهر فى عينى بداية من الإصابة بالضبابية فى الرؤية، ثم تهتك فى شبكية العين ونزيف فى قاع العين وذلك بسبب تعرضى المباشر للدخان فى المستشفيات الميدانية القريبة من مواقع الضرب، وقد عملت حتى الآن 4 عمليات تنظيف عين ثم زرع قرنية.. مشيرا أن هناك طبيبة قد ماتت العام الماضى بسبب تعرضها المباشر للدخان فى أحداث شارع محمد محمود. وأضاف طبيب التحرير, أنه مع الوقت أصبحت لدى المتظاهرين خبرة وقدرة على تمييز أنواع قنابل الدخان من شكل العبوة ونوع الدخان وتأثيره، ومنها القنابل المحرمة دوليا وأخرى لا تستخدم سوى على الحيوانات المتوحشة وأخرى تستخدم فى الصراعات العسكرية، والأخيرة تستخدم الآن فى أحداث المنصورة، ولذلك كانت الحاجة أم الاختراع وأصبحنا نواجه كل نوع بما يناسبه من مواد تقلل من مفعوله ومنها على سبيل المثال «الخل والخميرة والمشروبات الغازية والبصل ومحلول الميكوجيل».