قنابل الغاز المثيرة للدموع أصبحت أحد معالم الشارع المصري منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير, فالاحتجاجات المتلاحقة والأحداث المتعاقبة وحالة الضيق. والإحباط التي تلازم المصريين وتدفع بهم إلي الشوارع دفعا, كانت سببا في مواجهات بين المتظاهرين والداخلية التي تستخدم فيها الشرطة المصرية الغاز المسيل للدموع بكثافة لتفريقهم وتنطلق الأقاويل بين حين وآخر حول نوع قنابل الغاز المستخدمة ومطابقتها للمواصفات وتأثيرها, كما أن هناك اتهامات للداخلية باستخدام قنابل مسيلة للدموع منتهية الصلاحية, بعضها يرجع تاريخ إنتاجه إلي سنة.1987 أحمد كمال نشر علي صفحة كلنا خالد سعيد عقب أحداث يومي28 و29 يونيو2011 بحثا تضمن صور بعض القنابل المسيلة للدموع التي استخدمت في قمع تلك التظاهرات, وذكر فيه أن القنابل المسيلة للدموع المستخدمة منتهية الصلاحية منذ سنة2008, وحسب البحث الذي اعتمد علي بيانات الشركة المنشورة علي الإنترنت, فإن القنابل المستخدمة صلاحيتها5 سنوات, وكان متظاهرون قد نشروا صورا لفوارغ المقذوفات بعضها يعود تاريخ إنتاجه إلي2003, بينما نشر آخرون فوارغ تاريخ إنتاجها يعود لعام.1987 وحسب التقرير فإن استخدام قنابل غاز منتهية الصلاحية, يزيد نسبة الغاز السام, ويؤدي للإصابة بالسرطان, كما يؤثر علي القلب والكبد, ويسبب أضرارا شديدة للجهاز التنفسي. وحسب صور الفوارغ, فإن الشركة الأمريكية المصنعة, كتبت علي القنابل تحذيرات مهمة حول إطلاق هذه القذائف ضد الأشخاص مما يسبب جراحا خطيرة أو الوفاة. ونشر النشطاء صورا لما قالوا إنه مقر شركة كومانيد سيستيمز المصنعة للقنابل من طرازCSSMOK التي استخدمت ضد المتظاهرين, ومن هنا كان دافعنا أن نبحث وأن نسأل لنعرف الحقيقة ونعد ملفا كاملا عن قنابل الغاز أنواعها حسب تأثيراتها المتفاوته, تأثيرها وآلية عملها, أعراضها والنصائح المقترحة لتخفيف آثارها. تاريخيا تشير بعض المصادر الي ان استخدام الغاز المسيل للدموع يعود إلي نحو ألف سنة مضت, حيث كان للصينيين السبق في هذا المجال بإفقاد أعدائهم الرؤية بقذفهم بالفلفل المطحون المغلف بأوراق قش الأرز, لذا فهي من الوسائل القديمة المستخدمة في السيطرة علي الاحتجاجات المدنية وفض التجمعات الاحتجاجية, وإنهاء أعمال الشغب. وتصنع قنابل الغاز المسيل للدموع المستخدمة في فض الاحتجاجات السياسية, في الغالب من جسم خارجي من الألومنيوم بأعلاه خمسة ثقوب وأسفله ثقب واحد, مغطاة كلها بطبقة من الشمع اللاصق, ويؤدي إطلاق القنبلة المسيلة للدموع إلي ذوبان طبقة الشمع اللاصق وخروج الغاز من القنبلة. وتتراوح آثار الغازات المسيلة للدموع وغيرها من المواد المستخدمة في مكافحة الشغب بين الإدماع البسيط وبين القيء الفوري والانهيار الجسدي. وأشهر تلك الكيماويات وأكثرها استخداما هما سي إس وسي آر, برغم أن هناك نحو15 نوعا مختلفا من الغازات المسيلة للدموع( مثل الأدامسايت أو البروموأسيتون, والسي إن بي, والسي إن سي). ولكن استخدام السي إس حظي بانتشار أكبر نظرا لآثاره القوية مع انخفاض سميته بالمقارنة بغيره من المواد الكيماوية المماثلة. وسنستعرض فيما يلي بعض المعلومات عن أشهر ثلاثة أنواع من الغازات المسيلة للدموع.. غاز سي إس(CS) غاز سي إس(CS) الاسم الشائع لمادة كلوروبنزليدين مالونونيتريل, وهو غاز مسيل للدموع يستخدم في تفريق المظاهرات. وهو في الحقيقة ليس غازا, بل يوجد علي شكل رذاذ لمادة مذيبة متطايرة مضاف إليها مادة سي إس وهي مادة صلبة في درجة حرارة الغرفة. ويعتبر غاز سي إس مادة غير قاتلة, وقد اكتشفه أمريكيان هما بن كورسون وروجر ستوتون في كلية ميدلبيري سنة1928, واشتق اسمه الشائع سي إس من الحرفين الأولين من اسمي عائلتي مكتشفيه. يعتمد تأثير السي إس علي كونه في صورة محلول أو علي شكل رذاذ, إذ يعتبر حجم قطرات المحلول أو جزيئات الرذاذ من العوامل المحددة لمدي تأثيره علي الجسم البشري. تتفاعل المادة مع الرطوبة الموجودة علي الجلد وفي العينين, مسببة الشعور بالحرقان وإغلاق العينين علي الفور بقوة. وتشمل الآثار عادة سيلان الدموع من العينين والمخاط من الأنف, والسعال, والشعور بحرقان في الأنف والحلق, وفقدان التركيز, والدوار, وصعوبة التنفس. كما يحدث السي إس حروقا في الجلد في المناطق المرطبة بالعرق أو في حالة التعرض للشمس الحارقة. وقد يتسبب في حدوث سعال شديد وقيء في حالة استخدامه بجرعات عالية التركيز. وتنتهي جميع الأعراض تقريبا في ظرف دقائق من التعرض له. طورت مادة سي إس وأجريت عليها التجارب سرا في بورتون داون في ويلتشير بإنجلترا- وهو حقل تجارب استخدمه الجيش البريطاني في تجربة الأسلحة الكيماوية- في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين, واستخدم في البداية علي الحيوانات, ثم علي متطوعين من جنود الجيش البريطاني, ولوحظ أن تأثير سي إس علي الحيوانات محدود نظرا لقنواتها الدمعية الأقل تطورا ولأن وجود الفراء يشكل نوعا من الحماية. ولم تتغير طريقة إنتاج المادة منذ اكتشفها كورسون وستوتون, إلا أن البعض اقترحوا مواد مغايرة وطرقا تخلو من استخدام المذيبات ووسائل للتحفيز باستخدام الموجات فائقة القصر لتحسين إنتاج المادة, وقد وصف الكيميائيان اللذان اكتشفا المادة سنة1928 خواصها الفسيولوجية بالقول أنها تسبب أنواعا معينة من هذه المركبات ثنائية النيتريل في آثار مشابهة لآثار الغازات المثيرة للعطس والغازات المسيلة للدموع, وهي لا تسبب أضرارا عند الإمساك بها في حال كونها رطبة, إلا أن آثار المسحوق الجاف كارثية. وقد استخدم السي إس في بعض النزاعات العسكرية سنة1979 مذابا في مادة ثنائي الكلوروميثان- وهي مذيب عضوي يعرف أيضا باسم كلوريد الميثيلين-, وكان المحلول يطلق كرذاذ بفعل القوة التفجيرية التي ينجم عنها تبخر مادة ثنائي كلوريد الميثيلين شديدة التطاير وانتشار بلورات السي إس في الجو علي شكل حبيبات متناهية في الصغر. وبرغم أن السي إس يصنف كسلاح غير مميت يستخدم لتفريق الجموع, إلا أن العديد من الدراسات أثارت الشكوك حول هذا التصنيف, فبالإضافة إلي أنه قد يتسبب في أذي شديد للرئتين, فقد يؤثر أيضا تأثيرات بالغة علي القلب والكبد. في28 سبتمبر2000, نشر البروفيسور أوفي هاينريش دراسة أجراها جون دانفورث من مكتب الاستشارات الخاصة الأمريكي, حوله- وخلصت الدراسة إلي أن هناك عاملين يحددان إمكان حدوث الوفاة نتيجة لاستخدام هذا الغاز هما: استخدام أقنعة الغاز من عدمه, وما إذا كان من يتعرضون للهجوم بالغاز موجودين في منطقة مفتوحة أم مكان مغلق. واستنتج أنه عند عدم استخدام قناع غاز, وفي حالة وجود المهاجمين في مكان مغلق فإن هناك احتمالا واضحا يساهم مثل هذا التعرض لغاز سي إس في إحداث الوفاة, بل يمكن أن يتسبب فيها بشكل مباشر. كما تربط العديد من الدراسات بين التعرض لغاز سي إس وبين حدوث الإجهاض وهو ما يتفق مع ما ورد في تقارير سابقة عن تسببه في إحداث خلل في كروموسومات الخلايا عند الثدييات. يؤدي أيضا السي إس داخل الجسم إلي تكون مادة السيانيد. ويذكر تقرير أصدره مركز الجيش الأمريكي لتحسين الصحة والطب الوقائي أن غاز السي إس يطلق أبخرة شديدة السمية عندما يسخن إلي حد التحلل, وأن هذا الغاز في تركيزات عالية يمثل خطرا عاجلا علي الحياة والصحة. كما ذكر التقرير أيضا أنه يجب تقديم العلاج الطبي بشكل فوري لمن يتعرض لهذا الغاز أما عن استخدام السي إس في الحروب فهو محظور بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية لعام1997( وقعت معظم الدول علي هذه المعاهدة سنة1993, وفي الفترة بين1994 و1997 كانت جميع دول العالم قد وقعت عليها باستثناء خمس دول). ويرجع حظر السي إس إلي سبب براجماتي في الأساس, هو أن استخدامه بواسطة أحد الطرفين المتنازعين قد يؤدي إلي رد فعل انتقامي قد تستخدم فيه أسلحة كيماوية أكثر سمية كغاز الأعصاب. والدول الخمس التي لم توقع علي هذه الاتفاقية( وبالتالي فهي غير ملزمة ببنودها) هي أنجولا وسوريا والصومال وكوريا الشمالية ومصر. وعلي النقيض فإن الاستخدام الداخلي لغاز سي إس مشروع في دول عديدة, وذلك لأن اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية تحظر استخدامه في الحروب فقط. غاز سي إن(CN) أما غاز سي إن(CN) وهو اختصار لمادة كلوريد الفيناسايل(Phenacylchloride) وهو مادة ذات أهمية في الكيمياء العضوية باعتبارها هيكلا بنائيا لجزيئات أخري مشتقة. يتكون كلوريد الفيناسايل من جزيء أسيتافينون معدل, وقد استخدم تاريخيا في مكافحة الشغب تحت اسم غاز سي إن. وقد جرت تجربته في أثناء الحربين العالميتين الأولي والثانية, لكنه لم يستخدم فعليا آنذاك بسبب سميته العالية.قبل ان يصبح الغاز المسيل للدموع المستخدم حاليا علي نطاق واسع ويتشابه السي إن في تأثيره مع السي إس في أنه يتسبب في تهييج الأغشية المخاطية للفم والأنف والملتحمة والقصبة الهوائية والشعب الهوائية. وفي بعض الأحيان يتسبب في حدوث آثار عامة كالإغماء وفقدان التوازن مؤقتا والارتباك كما لوحظ في حالات نادرة حدوث تهيج جلدي وإكزيما تلامس مستديمة. وفي التركيزات العالية يحدث السي إن تلفا في أنسجة القرنية, كما سجلت خمس وفيات علي الأقل بسبب استخدامه بسبب التلف الرئوي أو الأسفكسيا أو كليهما. غاز سي آر(CR) النوع الثالث هو غاز سي آر(CR) وهو اختصار لمادة ثنائي البنزوكسازيبين(dibenzoxazepine) وهو مادة مسيلة للدموع ومسببة للشلل المؤقت, طورت بواسطة وزارة الدفاع البريطانية لتستخدم في تفريق المظاهرات في أواخر خمسينيات القرن العشرين وبداية الستينيات من ذلك القرن. ومادة سي آر هي مادة بلورية صلبة رائحتها شبيهة برائحة الفلفل وهي ضعيفة الذوبان في الماء ولا ينحل فيه. يوجد عادة علي شكل حبيبات متناهية في الصغر علي شكل معلق في سائل أساسه مادة البروبيلين جليكول. وعلي عكس ما يبدو من الاسم, فغاز السي آر ليس في الواقع غازا, بل هو مادة صلبة في درجة حرارة الغرفة. د.أحمد محمد ظهير استشاري الجراحة العامة والأوعية الدموية والمناظير بشير من ناحيته إلي أن قنابل الغاز إن كانت مطابقة للمواصفات وتستخدم وفق الطرق السليمة وفي الهواء الطلق فإن تأثيراتها لن تتعدي التأثير الوقتي فالغازات المسيلة للدموع تعمل علي تهييج الأغشية المخاطية في العين والأنف والفم والرئتين, مما يسبب البكاء والعطس والسعال وصعوبة التنفس, وتؤدي أحيانا للإصابة بحروق أو بالعمي المؤقت.