شهدت العاصمة الفرنسية باريس خلال يومي الثلاثاء والأربعاء الثاني عشر والثالث عشر من فبراير - شباط الجاري، انعقاد المؤتمر الدولي لدعم ليبيا في المرحلة الانتقالية، والذي يشارك فيه عدد من من الدول العربية والغربية، بهدف دعم ليبيا في المرحلة الانتقالية ومساعدتها في عملية التحول الديمقراطي وبناء مؤسساتها الأمنية والقضائية. المؤتمر الذي تشارك فيه ليبيا بوفد يضم عددا من الوزراء وأعضاء المؤتمر الوطني العام في ليبيا، يأتي قبيل أيام من الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 17 فبراير- شباط ، والتي يجري الإعداد لها في ليبيا وسط إجراءات أمنية مشددة، إضافة إلى تداعيات قضية مالي، التي جاءت الحرب عليها في مصلحة دول إفريقيا الشمالية، ومن بينها ليبيا التي بدأت جديًا التعاون مع المجتمع الدولي في مجال ضبط حدودها ومراقبتها. وبحسب مصادر فرنسية وليبية، فإن ليبيا هي التي طلبت من العاصمة الفرنسية استقبال وتنظيم هذا المؤتمر، والذي تشارك فيه كل من بريطانيا والولاياتالمتحدة والدانمارك وإيطاليا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الاتحاد الإفريقي وتركيا ومالطا، وألمانيا والأممالمتحدة والإمارات العربية المتحدة وقطر، واتحاد المغرب العربي والجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي. ووفقا لوكالة الأنباء الليبية (وال)، يهدف المؤتمر إلى اعتماد خطة وآلية عمل لمشاريع تنفيدية وفق جدول زمني، لترجمة أولويات ليبيا في مجالات الأمن والعدالة وسيادة القانون إلى واقع ملموس عبر الحصول على مزيد من الدعم والمشورة في مجالات التدريب والتأهيل وبناء القدرات والمؤسسات ونقل التقنية المتطورة ذات العلاقة. وتعليقا على اختيار العاصمة الفرنسية باريس لاستضافة هذا المؤتمر، قال المحلل السياسي الليبي أحمد العبود، ل «الأهرام العربي» إن اختيار باريس لعقد هذا المؤتمر يأتي لكون فرنسا هي أول من قدم الدعم والمساندة لثورة 17 فبراير في ليبيا وهي أول من اعترف بالثورة وبممثلها الشرعي في ذلك الوقت، المتمثل في المجلس الوطني الانتقالي وهي من حشدت التحالف الدولي لوقف كتائب القذافي عن قصف بنغازي وبقية المدن الليبية، إضافة إلى كونها منارة الثورة حسب تعبيره. وأضاف العبود أن هذا المؤتمر يندرج ضمن سلسلة مؤتمرات أصدقاء ليبيا التي عقدت إبان ثورة 17 فبراير في (باريس الدوحةلندنأنقرة أبو ظبي نيويورك باريس) وسيكون فرصة لدعم ليبيا والحكومة الانتقالية الجديدة التي يترأسها رئيس الورزاء علي زيدان وثورة 17 فبراير - شباط التي قاربت ليبيا على الاحتفال بالذكرى الثانية لها. مشيرا إلى أن الملف الأمني في ليبيا سيفرض نفسه بقوة على المؤتمر باريس نتيجة لما يحدث في دول الجوار المتازم وشمال مالي الذي تشارك فيه القوات الفرنسية الجيش المالي في تحرير الشمال من المتشددين الانفصاليين، والحدود الليبية المترامية التي تطلب الحكومة الليبية من المجتمع الدولي وحلفاءها الغربيين بتقديم المساعدة من أجل ضبطها وحمايتها والرقابة عليها. ومساعدتها في ملفات الهجرة غير الشرعية ومكافحة الجريمة المنظمة وضبط وجمع السلاح وهي ملفات تمثل لب الملف الأمني لليبيا. وأوضح العبود أن الأوروبيين لديهم استفهامات حول أوضاع حقوق الإنسان خصوصاً السجون التي تقع خارج سيطرة الدولة، والتي أشارت إليها تقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان مثل العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش. ومحاكمة رموز النظام السابق وقدرة القضاء الليبي على محاكمتهم في ظل مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بتسليمها كلا من عبد الله السنوسي وسيف الإسلام القذافي. وبرغم أن بعض الليبيين تساءلوا: لماذا يعقد المؤتمر في باريس وليس طرابلس؟ قال العبود إن فكرة انعقاد مثل هذا المؤتمر في داخل ليبيا ستكون أكثر قوة للداخل والخارج لأن هناك شركاء حقيقيين يقفون مع الشرعية ويعلنون دعمهم ومساندتهم للدولة الليبية الجديدة على عكس الرسالة التي تكون من الخارج والتي قد يفهم منها بأنها طلب ليبي للقوى الدولية لحسم معادلة داخلية، خصوصاً ان القرار 1973، مازال ساري المفعول. وتوقع العبود أن يقدم المؤتمر الدعم اللوجستي والمساندة للحكومة الليبية لمواجهة هذه الاستحقاقات الأمنية الكبيرة خصوصاً أن كلا من الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا كانت قد عرضت على ليبيا من خلال زيارات مسئوليها إلى طرابلس المساعدة في ذلك. كما أن هذا المؤتمر سيقدم رسالة دعم ومساندة قوية للمؤتمر الوطني العام وحكومة علي زيدان، خصوصاً بعد القرار الذي اتخذه المؤتمر الوطني العام في ليبيا بشأن انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور والمعروفة بلجنة الستين والتي ستكلف بوضع دستور جديد للبلاد، والتي سيتم انتخابها عن طريق الاقتراع السري المباشر من قبل الشعب وهو الاستحقاق الذي يراه العبود أنه سيضع ليبيا في خارطة التحول الديمقراطي الحقيقي. في مقابل ذلك قال الناشط السياسي الليبي فايز جبريل، ل «الأهرام العربي» إن هذا المؤتمر هو إجراء بروتوكولي متفق عليه مسبقا بين كل من الحكومة الليبية والفرنسية ولا يندرج ضمن سلسلة مؤتمرات أصدقاء ليبيا. وأضاف جبريل أن هذا المؤتمر غير ذي دلالة بالتوقيت الذي عقد قبل أيام من حلول الذكرى الثانية لثورة 17 فبراير، مرجحا أسباب انعقاد هذا المؤتمر إلى احتياجات ليبيا منذ البداية للدعم اللوجستي والمساندة الدفاعية والأمنية والاقتصادية ودعم مسار عملية التحول الديمقراطي التي تمر بها ليبيا خلال هذه المرحلة المهمة من تاريخها، إضافة إلى أن المشاركين في هذا المؤتمر هم الأصدقاء والحلفاء الرئيسيون لليبيا. وتوقع جبريل ألا يقدم رئيس الوزراء الليبي علي زيدان، خلال هذا المؤتمر على طلب رفع الحظر المفروض على بيع السلاح للجيش الليبي، نظرا لعدم اكتمال بناء المؤسسات الأمنية الليبية المتمثلة في جهاز الشرطة والجيش إضافة لعدم الانتهاء من برامج إعادة الهيكلة والبناء لهذه الأجهزة، لأنه يدرك تماما أن هناك متطلبات وتجهيزات لم يتم الانتهاء منها إلى الآن في ليبيا. كما توقع جبريل أيضا يقدم مؤتمر باريس دعمه الكبير لليبيا فيما يتعلق بعملية التحول الديمقراطي وأنه سيحث المسئولين الليبيين على المضي قدما والتسريع في قضايا العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان واستحقاقات المرحلة المقبلة. أما فيما يتعلق بقضية تسليم رئيس جهاز المخابرات الليبية السابق عبد الله السنوسي، ونجل العقيد القذافي سيف الإسلام، إلى المحكمة الدولية، قال جبريل إنه لا يتوقع من المؤتمر أن يطالب السلطات الليبية بتسليمهم خصوصاً أنهم إذا كانوا يريدون من ليبيا تسليم السنوسي لما قبلوا أن تسلمه السلطات الموريتانية لليبيا من قبل. وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش، المهنية بحقوق الإنسان اليوم الثلاثاء، إن على الاجتماع الوزاري الدولي المنعقد في باريس بشأن الوضع الأمني في ليبيا إدراج موضوع بناء نظام عدالة قوي كجزء لا يتجزأ من محادثاته. كما طالبت ببذل الجهود لدعم قوات الأمن الليبية، إضافة إلى ضرورة إيجاد آليات للتدقيق في اختيار أفرادها والإشراف عليها، مشيرة إلى أن للمحاكم المستقلة دورا أساسيا في ضمان محاسبة كل المتورطين في ارتكاب انتهاكات. وقالت باحثة هيومن رايتس ووتش، المعنية بليبيا حنان صلاح، يجب على السلطات الليبية وشركائها الدوليين تعزيز الأمن العام وبناء قوات أمن محترفة، ولكن الاعتقاد أن ذلك كفيل بتحقيق الأمن دون العمل في نفس الوقت على إنشاء محاكم تضمن مؤسسات قضائية مستقلة وتعزز آليات حماية الحقوق، فهذا خطأ فادح. وسيترأس وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، ووزير الخارجية والتعاون الدولي الليبي محمد عبد العزيز، هذا المؤتمر الذي سيشهد أيضا مشاركة لرئيس الوزراء الليبي علي زيدان، الذي يزور باريس في هذه الفترة ليتباحث مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، بشأن الأمن الإقليمي، كما سيجتمع مع رئيس الوزراء جان مارك أيرولت. وستعرض على المؤتمر وثيقتان أنجزتهما الأجهزة الأمنية الليبية المعنية بالجوانب الأمنية والعسكرية بالتعاون مع بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا خلال اجتماعات عقدت بمدينتي طرابلسولندن العام الماضي. وستطرح في المؤتمر مسألة التزويد بمعدات مراقبة وتدريب شرطة وقضاة. وفي مجال التدريب يجري الإعداد لمشاريع مع فرنسا بقي وضع اللمسات الأخيرة عليها. ومن المنتظر أن يطلق نداء لتسريع انتشار بعثة أوروبية لمراقبة الحدود البرية والبحرية مطلع يونيو المقبل