شهدت العلاقات المصرية - الأمريكية فى الشهور القليلة الماضية بعد ثورة 25 يناير تغيرات متسارعة، وربما متصادمة، جعلت البعض يؤمون بأن واشنطن تريد مصر مثل الإسفنجة المليئة بالثقوب تطفو ولا تغرق. فالضغوط الأمريكية على مصر تتزايد والتلويح رسميا بوقف المساعدات العسكرية التى تبلغ 1.3 مليار دولار تتواصل فى تصريحات القادة الأمريكيين. ويذهب البعض هنا فى مصر إلى ما هو أبعد من ذلك ليؤكد أن الولاياتالمتحدة تمارس ضغوطا على دول خليجية ومؤسسات مالية دولية لعدم مساعدة مصر اقتصاديا، وهو الأمر الذى حرص كل المسئولين الأمريكيين الذين زاروا مصر الأسبوعين الماضيين على نفيه بشكل كبير، عندما سألتهم «الأهرام العربى» ومنهم جيفرى فيلتمان، مساعد وزير الخارجية وروبرت جيرماتس، وكيل الخارجية الأمريكية، كما حرص كل هؤلاء المسئولين أيضا على زيارة حزب الحرية والعدالة، ولقاء قادته بجانب زيارة الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر إلى نفس الحزب المنبثق من جماعة الإخوان المسلمين. وتعكس تلك الزيارات المتعاقبة مشاعر القلق الأمريكى من تطور الأحداث ونتائج الانتخابات فى مصر. لهذا جاءت الزيارات للاطمئنان على استمرار العلاقات الإستراتيجية المصرية - الأمريكية مع تغيير فى بعض جوانبها وضمان عدم معارضة الأجندة الأمريكية - الإسرائيلية فى المنطقة التى تقع على رأس أولويات المصالح الأمريكية وربما قبل مسألة نشر قيم الديمقراطية، والمشكلة أن واشنطن لديها حالياً ضبابية فى الأولويات تأتى فى المقدمة هل نشر الديمقراطية أولاً أم السلام أم استقرار المنطقة أم الحفاظ على العلاقات؟ وحول حجم التغييرات فى العلاقة الإستراتيجية المصرية - الأمريكية، يؤكد فرانك ويزنر، رجل الأعمال الحالى، وسفير الولاياتالمتحدة السابق فى مصر والفلبين وزامبيا والهند، أن العلاقات الإستراتيجية لم تتأثر بعد بثورة يناير، نظرا لأن واشنطن تتعامل مع مصر كأهم دولة فى العالم العربى، ولديها تأثير كبير على الأحداث فى المنطقة، لهذا فهى حريصة على العلاقات الإستراتيجية مع مصر حتى لو حدثت تغيرات فى نظام الحكم، فتبقى لواشنطن رؤيتها الأساسية للدور والتأثير المصرى والسلام فى المنطقة. ويضيف، أن السياسة عالم براجماتى، وبالتالى فإن الولاياتالمتحدة ستغير من سياستها لتواكب التغيرات التى تتم، وستتعامل مع التغيرات والحقائق الجديدة على الأرض، نظرا لاهتمامها بتطوير العلاقة مع مصر. ويشير إلى أنه من الصعب الحكم إذا ما كانت التغيرات التى تمت فى مصر ستؤثر بالسلب أو الإيجاب على العلاقات مع الولاياتالمتحدة، لأنها عملية معقدة ولابد من النظر إلى كل العوامل بعمق فى أى تغيير يتم فى العلاقات، لكن أساس العلاقة ثابت بين البلدين ولم يتغير. ومسألة فوز أحزاب إسلامية فى البرلمان تخضع لاختيار المصريين، لأن مستقبل مصر يحدده المصريون وليس الولاياتالمتحدة والتى يجب عليها أن تتعامل مع التغييرات والحقائق مثل ظهور حزب الحرية والعدالة الذى يتبع الإخوان المسلمين وظهور أحزاب تتبع التيار السلفى. والمسألة ليست مدى القلق من تلك الأحزاب، بل هى ضرورة التعامل معها كحقائق موجودة على الأرض بشكل واقعى، فالعلاقات بين القاهرةوواشنطن مهمة وتصب فى مصلحة الطرفين، ولابد من تعاونهما معا، لهذا فلابد من إحداث التغييرات المطلوبة ومد اليد لتلك الأحزاب والتعامل مع الحقائق الجديدة من أجل علاقات مستمرة وقوية. وحول ما إذا كانت الولاياتالمتحدة لا تهتم حقيقيا بالديمقراطية، لكن تركز على مصالحها والأجندة الأمريكية الإسرائيلية فى المنطقة يوضح ويزنر أن و اشنطن تهتم بالاثنين معا، فهى تريد السلام فى المنطقة، لأنه إذا حدث صدام بين إسرائيل وأى من جيرانها مثل مصر، فإن ذلك سيدمر المصالح الأمريكية، وبالتالى فواشنطن مهتمة بالحفاظ على السلام بين إسرائيل ومصر، وفى نفس الوقت فإنها تؤمن بأنها دولة صديقة للقيم الديمقراطية، التى يؤدى نشرها إلى تحقق مصالحها أيضا، و الدستور الأمريكى يتحدث عن تلك القيم منذ حوالى مائتى عام، وبالطبع فإن الولاياتالمتحدة تفضل التعامل مع حكومات مدنية منتخبة وليس مع حكومات عسكرية تحتفظ بالسلطة وترفض إقرار الديمقراطية، لكن ذلك لا يعنى أن الولاياتالمتحدة لا تتعامل مع حكومات عسكرية، لكنها لا تفضلها لأن الحكومات المدنية أكثر استقرارا. وحول رؤيته لما حدث بالنسبة للإجراءات ضد بعض المنظمات غير الحكومية المصرية - الأمريكية العاملة فى مصر، يشير ويزنر إلى أنه بعيد منذ فترة عن مصر وليست لديه معلومات كافية، لكنه يرى أنه إذا كانت تلك المنظمات قد احترمت القانون فلابد من إعطائها الحق فى العمل والنقطة الأساسية هى ضرورة أن تكون المنظمات مرحبة بها، وأن تحترم القانون. ويضيف أنه يشعر بالتفاؤل بالنسبة للمستقبل فى مصر التى تمتلك تاريخا وحضارة كبيرين، ولديه يقين بأن مصر ستنجح فى العبور من الحالة الحالية مع إدراكه بوجود مشاكل واضحة ومعقدة حاليا، لهذا فلابد من بناء مؤسسات سياسية جديدة والتعامل مع الأوضاع الجديدة ومحاولة إعادة بناء الاقتصاد الذى تأثر فى العام الماضى، وهو أمر ليس سهلا، نظرا للمشاكل التى يمر بها الاقتصاد العالمى فى الفترة الحالية، فالولاياتالمتحدة وأوروبا تعانيان الكساد وبحكم كونهما الشريك الأساسى لمصر، فإن التعافى الاقتصادى المصرى سيتأثر بالتعافى العالمى. ويعبر ويزنر عن إيمانه بأن الأحداث الأخيرة والثورة المصرية غيرتا صورة المستقبل فى مصر، وجعلت الشعب المصرى أكثر حرية مما سيتسح له الفرصة للوصول لأشياء أكبر والتقدم ثقافيا وسياسيا واقتصاديا ويعيد التأكيد أن كلاً من مصر والولاياتالمتحدة تحتاجان بعضهما، لهذا فإن العلاقات الإستراتيجية ستستمر حتى لو تغيرت بعض النقاط التكتيكية فى العلاقات. ويوضح مصدر أمريكى عمل لتحسين صورة مصر فى الولاياتالمتحدة ودعم العلاقات الثنائية ورفض الكشف عن اسمه أن العلاقات المصرية - الأمريكية كانت مبنية على الاستقرار لمدة طويلة، لكنها الآن تسير فى طريق المجهول، وفى نفس الوقت فإن الطرفين أصبحا حساسين للضغوط من القوى السياسية داخل البلدين فى علاقة كانت دائما تقوم من قبل على تعاملات الرؤساء والحكومات وليس الشعوب، مشيرا إلى أن منطقة الشرق الأوسط كلها تتغير دراماتيكيا حاليا، وبالتالى فإن هناك تغييرا فى قواعد العلاقات الثنائية المصرية - الأمريكية، وربما لهذا فإن البلدين يحاولان تحديد مصالحهما الإستراتيجية حاليا وكيفية الاستمرار فى التعاون والعمل معا فى المستقبل. وحول المخاوف الأمريكية من صعود التيار الإسلامى فى مصر ، يرى المصدر أن واشنطن ليست مستعدة بعد لحكومات منتخبة ديمقراطيا، لأنها حتى الآن لم تقبل بشكل كامل الإسلام السياسى وليس لديها تصور حول كيف سيؤثر ذلك الصعود للتيار الإسلامى على العلاقات الإستراتيجية بين البلدين؟ فالولاياتالمتحدة ضغطت من أجل نظام أكثر انفتاحا بدون أن تضع توقعاتها بشكل كامل حول النتائج وكيفية التعامل مع الأحزاب الإسلامية والقوى السياسية الأخرى التى تختلف أيديولوجيا مع واشنطن، وتدرك الولاياتالمتحدة الآن أن عصر قدرة الأنظمة العربية على تقرير السياسات بدون العودة للشعوب قد انتهى، ولابد أن تتواءم واشنطن مع ذلك. ويضيف أن الولاياتالمتحدة تسعى لإرضاء كل القوى فى مصر، لكنها لم تنجح حتى الآن فى الإرضاء الكامل لأى من تلك القوى السياسية، فواشنطن تتعامل مع المجلس العسكرى، الذى تعرفه على مدار 30 عاما، لكنها فى نفس الوقت تتعاون مع قوى أخرى وهو ما يعكس عدم تأكد واشنطن من نتائج التغييرات فى مصر على المدى القصير والطويل، لهذا ستظل تتابع ما إذا كانت الحكومات المنتخبة ديمقراطيا فى العالم العربى ومصر ستخدم المصالح الإستراتيجية الأمريكية، لكن المشكلة الآن أن الوضع ضبابى بالنسبة لواشنطن حول الأولويات داخل تلك المصالح الإستراتيجية، هل هى الديمقراطية أم السلام أم الاستقرار الإقليمى، لا أحد حقيقيا يعرف ذلك، وستحدد الفترة المقبلة الأولوية، وما إذا كانت واشنطن ستستطيع التعامل مع دولة مصرية ديمقراطية وكيف ستسير العملية فى مصر؟ ويشير المصدر إلى أن واشنطن تريد الآن تجنب العودة لحكومات تفتقد للشرعية على الرغم من أنها ساندت حكم مبارك حتى قرب النهاية عندما بدا واضحا أن تلك المساندة تمثل خطرا على الصورة الأمريكية فى عيون المصريين وعلى المصالح الإستراتيجية التى كانت العلاقات المصرية - الأمريكية تحميها، لهذا فتساند واشنطن فى الفترة المقبلة من يمتلك الشرعية الشعبية، بغض النظر عن خلفياته. وحول التضييق على بعض المنظمات فى مصر لحصولها على تمويل أجنبى غير قانونى يشير المصدر إلى أن توقيت وأسلوب هذا التضييق يمثل مشكلة سياسية وأدى لإثارة انتقادات كثيرة ضد المجلس العسكرى فى واشنطن والعواصم الأوروبية، لكن لا يجب إغفال حقيقة أن القاهرة حذرت واشنطن على مدى سنوات أن لديه الحق فى الاعتراض ووقف عمل وتمويل تلك المنظمات الأجنبية فى مصر التى يعمل بعضها بدون الحصول على موافقة السلطات المصرية، والحقيقة أن لكل دولة قوانين وقواعد تحدد وتقلص أو تمنع التمويل الأجنبى للحياة السياسية، لكن ذلك لم يمنع من تعرض المجلس العسكرى لحملة انتقادات فى الإعلام الأمريكى، ربما بسبب توقيت وأسلوب التضييق على المنظمات. مشيرا إلى أنه كانت هناك انتقادات أيضا لبعض التصرفات العنيفة ضد الأقباط حول ما قد ينشر أحيانا فى بعض الصحف الأمريكية عن فكرة إقامة دولة قبطية وتقسيم مصر. يشير المصدر إلى أنه أمر غير جاد وغير منطقى ولم يتم التطرق إليه من أى مسئول أو شخص لديه مصداقيته داخل الولاياتالمتحدة. وبالنسبة لمستقبل مصر فى السنوات المقبلة يشير إلى أنه من الصعب التكهن فى ظل الأوضاع الصعب والمتغيرة الحالية، لكن الشعب المصرى قوى ولا يجب التقليل من شأنه ومصر دولة كبيرة جدا، بل وأكبر من إمكانية لسقوط فى الفشل. من جانبها ترى الدكتورة منار الشوربجى، أستاذ مساعد العلوم السياسية، أن ما يهم الولاياتالمتحدة هو تنفيذ أجندتها فى المنطقة ولا يهمها إذا ما كان الحكم فى يد أحزاب ذات صبغة إسلامية مادامت لا تتصادم مع أجندتها، والدليل على ذلك أنها سبق أن تعاملت مع الرئيس الباكستانى ضياء الحق، وتتعامل كالسمن على العسل مع السعودية، وكذلك تتفاوض مع طالبان، وتعاملت مع المجاهدين الأفغان ودعمتهم لمحاربة الاحتلال السوفيتى، إذن فالأيديولوجيات لا تهم كما يتصور البعض مادام هناك قبول من الطرف الآخر بالأجندة الأمريكية ولا يشكل هذا الطرف مقاومة للمشروع الأمريكى - الإسرائيلى فى المنطقة . وبالنسبة للحديث الدائر فى بعض مراكز الأبحاث عن ضرورة التدخل لحماية الأقباط وإقامة دولة قبطية فى مصر تقول د. منار الشوربجى لو كانت الولاياتالمتحدة تحمى الأقباط لما كان مسيحيو العراق يعانون المأساة التى يعانون منها الآن، ولكانت على الأقل قد حمت المسيحيين فى فلسطين.