مدير تعليم الجيزة في متابعة ميدانية لإدارتي العجوزة وشمال التعليمية    استقرار سعر الدولار الأمريكي أمام الجنية خلال ختام الجمعة 20 سبتمبر    الجناح المصري في معرض Leisure السياحي بموسكو يحصل على جائزة «الأفضل»    جريمة شيطانية    هل يسمح الغرب لأوكرانيا بضرب العمق الروسى؟    نتنياهو يؤجل زيارته للولايات المتحدة بسبب الأوضاع في الشرق الأوسط    جوميز يعلن تشكيل الزمالك للقاء الشرطة الكيني .. الزناري أساسياً    بين حر الصيف ونسائم الخريف.. تعرف على الموعد المرتقب لانقلاب الفصول    افتتاح الدورة الثانية لمهرجان الغردقة السينمائي على موسيقى تصويرية لأفلام رومانسية    إطلاق الإعلان التشويقي لفيلم الخيال والكوميديا دراكو رع    إعلام فلسطيني: 13 شهيدا فى غارة إسرائيلية على منزلين برفح الفلسطينية    قصائد دينية.. احتفالات «ثقافة الأقصر» بالمولد النبوي    بداية جديدة.. جامعة المنيا تطلق ثانى قوافلها المتكاملة لتقديم خدماتها لأهالى قرية 5 بمركز العدوة    تفاصيل التحقيق مع صلاح الدين التيجاني حول اتهامه بالتحرش    إقبال ضخم على البرامج المتميزة والجديدة بجامعة القاهرة    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    الجيزة تحتفل بعيدها القومي    على رأسهم صلاح.. أفضل 11 لاعبا للجولة الخامسة من فانتازي الدوري الإنجليزي    "اعتذار عن اجتماع وغضب هؤلاء".. القصة الكاملة لانقسام مجلس الإسماعيلي بسبب طولان    مصر للطيران تكشف حقيقة وجود حالات اختناق بين الركاب على رحلة القاهرة - نيوجيرسي    صدور العدد الجديد من جريدة مسرحنا الإلكترونية وملف خاص عن الفنانة عايدة علام    تشييع جثامين ثلاثة شهداء فلسطينيين ارتقوا خلال عدوان الاحتلال على قباطية بالضفة الغربية    الكرملين يؤكد اهتمام أجهزة الأمن الروسية بالانفجارات في لبنان    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    واقف قلقان.. نجل الشيخ التيجاني يساند والده أمام النيابة خلال التحقيق معه (صور)    بعد الموجة الحارة.. موعد انخفاض الحرارة وتحسن الأحوال الجوية    نجم ليفربول يرغب في شراء نادي نانت الفرنسي    جمعية الخبراء: نؤيد وزير الاستثمار في إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة    وزير الأوقاف يشهد احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي.. والشريف يهديه درع النقابة    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    خلال ساعات.. قطع المياه عن مناطق بالجيزة    طريقة عمل بيتزا صحية بمكونات بسيطة واقتصادية    هذا ما يحدث للسكري والقلب والدماغ عند تناول القهوة    "بداية".. قافلة طبية تفحص 526 مواطنًا بالمجان في الإسكندرية- صور    نشوب حريق هائل في مخزن للبلاستيك بالمنوفية    البيت الأبيض: الجهود الأمريكية مستمرة للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار    مفتي الجمهورية يشارك في أعمال المنتدى الإسلامي العالمي بموسكو    سهر الصايغ تشارك في مهرجان الإسكندرية بدورته ال 40 بفيلم "لعل الله يراني"    البورصة المصرية تربح 22 مليار جنيه خلال أسبوع    بتكلفة 7.5 مليون جنيه: افتتاح 3 مساجد بناصر وسمسطا وبني سويف بعد إحلالها وتجديدها    الزراعة: جمع وتدوير مليون طن قش أرز بالدقهلية    لجنة "كوبرا" بالحكومة البريطانية تبحث تطورات الوضع فى لبنان    ضبط شخصين قاما بغسل 80 مليون جنيه من تجارتهما في النقد الاجنبى    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    سوء معاملة والدته السبب.. طالب ينهي حياته شنقًا في بولاق الدكرور    رئيس جهاز العبور الجديدة يتفقد مشروعات المرافق والطرق والكهرباء بمنطقة ال2600 فدان بالمدينة    الأنبا رافائيل: الألحان القبطية مرتبطة بجوانب روحية كثيرة للكنيسة الأرثوذكسية    أزهري يحسم حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    مستشفى قنا العام تستضيف يوما علميا لجراحة المناظير المتقدمة    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    استطلاع رأي: ترامب وهاريس متعادلان في الولايات المتأرجحة    تراجع طفيف في أسعار الحديد اليوم الجمعة 20-9-2024 بالأسواق    رابط خطوات مرحلة تقليل الاغتراب 2024..    معلق مباراة النصر والاتفاق في الدوري السعودي اليوم.. والقنوات الناقلة    نجم الزمالك السابق يتعجب من عدم وجود بديل ل أحمد فتوح في المنتخب    حبس سائق ميكروباص تسبب في مصرع طالبة بعد دهسها في أبو النمرس    ليس كأس مصر فقط.. قرار محتمل من الأهلي بالاعتذار عن بطولة أخرى    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمة فى الخليج.. البحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه
نشر في الأهرام العربي يوم 03 - 06 - 2019

فى الأزمات الكبرى غالبا ما تختلط المواقف والتصريحات والاختيارات والاحتمالات. وفى التطورات الأخيرة للتوتر بين الولايات المتحدة وإيران يبرز توجه مهم لاحتواء التصعيد العسكرى والتمهيد لنوع من الاتصالات بين طرفى الأزمة، برغم غموض المؤشرات الفعلية. تصريحات الرئيس ترامب تجسد هذا التداخل والاختلاط بين مؤشرات متضاربة، حيث مزجت بين تهديد إيران بأن تدفع ثمنا عاليا إذا ما هاجمت المصالح الأمريكية فى المنطقة، وبين التأكيد على أمرين متلازمين؛ وهما عدم نية واشنطن إسقاط النظام الإيرانى، وعدم النية لبدء حرب، مع تأكيد بأن كل الضغوط الاقتصادية التى تمارسها بلاده ضد إيران هى بهدف كبح أنشطتها الخارجية ومنعها من امتلاك أسلحة نووية. وأخيرا أضاف الرئيس ترامب فى المؤتمر الصحفى مع إمبراطور اليابان الجديد فى طوكيو الاثنين الماضى، قناعته بأن أمريكا تريد التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق جديد، وأنه مستعد لمثل هذه المفاوضات، والتى ستجعل إيران بلدا جيدا حسب وصفه.
النيات الأمريكية بشأن الاستعداد لمفاوضات مع إيران ليست جديدة فى حد ذاتها، فقبل عشرة أشهر، وفى خطاب شهير لوزير الخارجية الأمريكى بومبيو، حدد الأهداف الرئيسية التى دفعت الرئيس ترامب للخروج من الاتفاق النووى الإيرانى للعام 2015، بأنها لغرض إعادة التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق جديد يسد أوجه النقص والعوار القائمة فى الاتفاق النووى، الذى تم التوصل إليه فى عهد الرئيس السابق أوباما، وهى ثلاثة رئيسية، الأول أن يتضمن الاتفاق الجديد التزامات إيرانية دائمة بالتخلى عن الأنشطة النووية، وتقييد خطوط تخصيب اليورانيوم لديها، والثانى أن يعالج الاتفاق الجديد مخزون وصناعة الصواريخ الباليستية التى تمتلكها إيران بهدف التخلص من هذه الترسانة الصاروخية، والثالث أن تقبل إيران التزامات واضحة بالتخلى عن أذرعها وامتداداتها النشطة فى عدة بلدان عربية كلبنان والعراق واليمن، وألا تمارس أية أنشطة تقلق حقوق الجيران فى الأمن والسلام.
هذه الأهداف الأمريكية الكبرى لم تكن لتمر إلا إذا أجُبرت طهران على الجلوس مع الطرف الأمريكى. وهو ما تتصور إدارة ترامب أنه لن يحدث إلا فى ظل ضغوط اقتصادية وعسكرية عاتية، تزيد من حدة الأزمة الداخلية فى إيران، بحيث تدفع قيادتها إلى التفاوض على المطالب الأمريكية إما من أجل توقيع اتفاق جديد أكثر شمولا، أو إحداث تعديلات فى نص اتفاق 2015، بإضافة ملاحق تتضمن القضايا الجديدة. وفى كثير من تغريدات وتصريحات الرئيس ترامب ما يكشف عن قناعته بأن العقوبات الاقتصادية التى فرضها على إيران، وأصابت فى العمق الاقتصاد الإيرانى، تستهدف الوصول بالصادرات النفطية الإيرانية إلى حد الصفر، وما تشكله من صعوبات حياتية للشعب الإيرانى وأيضا لمنظومة الحكم، وكذلك تصنيف الحرس الثورى الإيرانى كمنظمة إرهابية، قد بدأت تؤتى أكلها، على الأقل فى الحد من بعض الأنشطة الخارجية التى تمولها إيران، وبالتالى فليس أمام طهران سوى الجلوس مع المفاوضين الأمريكيين.
فى الجانب الإيرانى، يمكن رصد اتجاهات عدة تتكامل أحيانا وتتقاطع أحيانا أخرى. والموقف الجامع، حدده المرشد الأعلى خامنئى بأن بلاده لن تحارب وأيضا لن تفاوض، وليس لديها سوى المقاومة والصمود أمام الضغوط الأمريكية. محللون إيرانيون يرون أن إيران طوال العام الماضى، وبعد أن ألغى الرئيس ترامب الاتفاق النووى بصورة أحادية، اتبعت سياسة “الصبر الإستراتيجى”، بمعنى الاعتماد على قدرات الشعب الإيرانى فى التحمل والصمود، إلى أن يمر الزمن وتتراجع الضغوط الأمريكية. لكن ما حدث هو أن الضغوط الأمريكية ارتفعت وتيرتها بين فترة وأخرى، وإذا استمرت بهذه الوتيرة فسيتطلب الأمر من النظام الإيرانى تعديل جذرى أو تغيير سياسة “الصبر الإستراتيجى”، استنادا إلى أن هناك سقفا معينا من الضغوط الحياتية يمكن للشعب الإيرانى تحمله، وبعد ذلك يتطلب الأمر نهجا جديدا. أو التعرض للانهيار وسقوط النظام من الداخل، وإن كان هذا الاحتمال يبدو متعذرا فى ظل الظروف الراهنة.
التأكيد الإيرانى على نية عدم البدء بالحرب، التى تتطابق مع تصريحات الرئيس ترامب، يضع الأزمة برمتها على مسار سياسى لكنه يظل متوترا، وفى حال أزمة تبحث عن مخرج. مع ملاحظة أن الإيرانيين يمارسون عملية توزيع الأدوار، فإلى جانب سياسة لا حرب ولا تفاوض، التى أكد عليها المرشد الأعلى، وكررها الرئيس حسن روحانى، تستمر تصريحات وتهديدات القادة العسكريين وقادة الحرس الثورى وقوامها، أن لديهم إمكانات تستطيع أن تدمر القطع البحرية الأمريكية فى الخليج، كما تستطيع أن تغلق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية، لا سيما صادرات النفط من الدول المطلة على الخليج. والرسالة هنا مزدوجة، شقها الأول مُوجه إلى الرأى العام الإيرانى بهدف رفع المعنويات والتأكيد على جاهزية قواته المسلحة لرد أى عدوان وحماية البلاد، والشق الثانى باتجاه الولايات المتحدة، بأن أى عمل عسكرى ستكون له نتائج وخيمة على القطع البحرية الأمريكية، وبما يقنع القادة الأمريكيين بأن الأسلم لهم عدم التفكير فى عمل عسكرى بأى حال. وبين الحين والآخر يخرج مسئول عسكرى ويرفض إمكانية التفاوض مع الإدارة الأمريكية، لأن لا فائدة منها ولا ثمرة، حسب قول على فدوى، نائب قائد الحرس الثورى.
وفى جانب ثانى تتخذ حكومة حسن روحانى خطوة ذات دلالة، حيث تخففت من بعض الالتزامات الواردة فى الاتفاق النووى، تتعلق برفع نسبة تخصيب اليورانيوم وعدم تصدير المخزون إلى الخارج. وهى رسالة إلى الدول التى لا تزال تتمسك بالاتفاق النووى برغم الموقف الأمريكى الأحادى المناهض له، خصوصا الأوروبية، بهدف حثها على تقديم ضمانات أكبر جدية للالتفاف على العقوبات الأمريكية حتى تستمر طهران ملتزمة بالبنود الأخرى.
ومن جانب ثالث تنشط الدبلوماسية الإيرانية فى اتجاه دول رئيسية فى المنطقة كالكويت والعراق وقطر وعمان، وعواصم كبرى كطوكيو وموسكو وبكين وإسلام أباد ونيودلهى، بهدف بحث مواقف تلك الدول وحدود تضامنها مع إيران لمواجهة الضغوط الأمريكية، وبما يجعل التزام إيران بالاتفاق النووى له تداعياته الإيجابية على قدرة إيران فى احتواء الضغوط الأمريكية. وفى الآن نفسه اكتشاف إمكانية تنشيط قنوات اتصال غير مباشرة مع الجانب الأمريكى لفتح ثغرة فى جدار الأزمة تحفظ ماء الوجه الإيرانى.إضافة إلى تمرير رسائل بأن إيران منفتحة على اقتراحات الحوار وخفض التوتر، وفقا لتصريحات جواد ظريف فى بغداد الاثنين الماضى. وفى تلك الزيارة أكد قادة العراق استعدادهم للعب دور وساطة من أجل إبعاد شبح الحرب وإنهاء التوتر، مدفوعين بأن احتمال الحرب ستكون له انعكاسات دامية على العراق ذاته، نظرا لحقائق الوضع الداخلى حيث ينتشر النفوذان - الإيرانى والأمريكى - على مجمل الساحة العراقية.
وبالرغم من نفى الخارجية الإيرانية وجود أى اتصالات مباشرة أو غير مباشرة مع الجانب الأمريكى، فإن التحركات الدبلوماسية الإيرانية كشفت عن أمرين مهمين؛ أولهما أن طهران يمكن أن تقبل التفاوض، لكن بعد تخفيف العقوبات الاقتصادية وحدوث تحسن نسبى فى الوضع المعيشى للإيرانيين. والثانى اقتراح توقيع معاهدة عدم اعتداء مع الدول الجارة فى الخليج، بهدف إثبات حسن النوايا الإيرانية، وتكوين علاقات بناءة مع جميع دول الجوار وفقا لتعبير جواد ظريف فى بغداد.
الأمران يعنيان نوعا من البحث عن مخرج لحفظ ماء الوجه، إذ فى حالة قيام الولايات بتخفيف العقوبات كخطوة تسبق مفاوضات يتفق عليها مبدئيا عبر الوسطاء أو من خلال تمرير رسائل عبر أطراف ثالثة، سيكون من اليسير إقناع الرأى العام الإيرانى بأن المفاوضات وتقديم بعض التنازلات، هى المسار الأفضل لتجنيب البلاد مصيرا مضطربا. أما فى حالة قبول الدول المجاورة مبدأ البحث فى معاهدات عدم اعتداء، فسيعنى ذلك تغييرا فى توازنات المنطقة المناهضة للسياسة الإيرانية، وتخفيفا للضغوط عليها. بيد أن العقدة الرئيسية تكمن فى فقدان الثقة فى السياسة الإيرانية بمجملها، ما يمنع أخذ اقتراح توقيع معاهدات عدم اعتداء بالجدية اللازمة التى تحوله إلى واقع لاحقا. ولذا سيظل على إيران أن تتخذ خطوات ملموسة تجسد نيات حقيقية فى عدم الإضرار مباشرة أو عبر وسطاء بأمن الدول المجاورة. وفى تصورى أن موقفا إيرانيا ضاغطا على جماعة الحوثى الإنقلابية فى اليمن لتطبيق قرارات الأمم المتحدة، وإنهاء الهجمات الصاروخية أو بالطائرات المسيرة على الأراضى السعودية، والكف عن التدخل فى شئون البحرين الداخلية، والكف عن توجيه التهديدات المباشرة أو المبطنة، وإنهاء الازدواجية فى الخطاب السياسى الإيرانى، يمكن اعتباره دليل حسن نية أولى قد يسمح لاحقا بالبحث الجدى فى أى اقتراحات لتطبيع العلاقات الإيرانية الخليجية. وإلى أن يحدث كل أو بعض هذه العناصر الرئيسية، سيظل التوتر هو السمة الغالبة فى الأفق الإستراتيجى لمنطقة الخليج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.