ما رأى أتباع أردوغان الآن؟ ما رأيهم فى تهديد الخليفة لمنطقة شرق المتوسط بحلف الناتو؟ حلف الناتو لمن لا يعرف، هو حلف غربى يضم أمريكا ودول أوروبا، بالإضافة إلى تركيا، ظهر عام 1949 فى مواجهة حلف وارسو، بزعامة الاتحاد السوفيتى أثناء الحرب الباردة بين الطرفين، انتهى حلف وارسو وبقى حلف الناتو، ولعبت فيه تركيا دور الدولة الحاجز بين الشرق والغرب، انتهت الجمهورية العلمانية وجاءت فكرة الخلافة الجديدة، ولا شيء تغير فى الدور والموقف والحلف.
أردوغان يهاجم حكومات دول حلف الناتو ليل نهار فى وسائل الإعلام، ويصفق له الأتباع المغفلون، بينما هو فى السر يقاتل معهم كتفا بكتف فى ليبيا وسورياوالعراق، ودول عربية أخرى، ويعترف الآن دون مواربة بأنه يحتمى بمن يهاجمهم، ويكشف أنه بيدق فى الفوضى الدائرة.
اكتشف أردوغان نهاية اللعبة، وأدرك هزيمة أدواته فى دول الإقليم العربي، دولة وراء أخرى، من مصر إلى السودان إلى ليبيا إلى سوريا إلى اليمن إلى العراق إلى الجزائر، فأخرج من جيبه ورقة قديمة مهترئة، يعتقد أنها عصا الساحر أو عصا موسى، بها يشعل شرق المتوسط بحرب يرتب لها مع أتباعه المستعربين، فيكشف نفسه دون أن يدري، ويكشف أتباعه دون عناء، فها هو الخليفة يدعو حلف الناتو لتهديد دول عربية وأوروبية، مصر، واليونان وقبرص، والشركات العابرة للحدود العاملة فى مجال الغاز والنفط، من إينى الإيطالية إلى توتال الفرنسية، إلى بريتش بتروليم البريطانية، ويا لذكاء أردوغان المفرط، فهذه الشركات وغيرها تعود إلى دول هى أعضاء فى حلف الناتو الذى يريده أردوغان أن يدافع عن مصالح أنقرة.
كان أردوغان يبدو فى أعين المغفلين خليفة جديدا قادرا على حماية المقدسات الإسلامية، فهو يرفع راية القدس فى التليفزيون بينما يحتل سوريا بداعش، ورجاله من الانكشارية، ويرتدى الكوفية الفلسطينية، ويرسل سفينة مساعدات تليفزيونية إلى غزة، بينما هو الشريك الكامل لإسرائيل المحتلة لفلسطين العربية، والشريك التجارى الأول لها، وطيران إسرائيل يتدرب فى الأجواء التركية، ويا لها من ملهاة عندما يقول: إن حلف الناتو لن يتأخر عن حماية حقوق أنقرة، ويطالبه بالتدخل، وحلف الناتو ليس لعبة مسرحية، بل هو حلف عسكرى، يتسلح بأحدث ما فى ترسانات الغرب العسكرية، والتدخل يعنى الحرب بالنيابة عن أحلام السلطان العائم.
والقصة تبدأ بإرسال أردوغان لسفينة تنقيب عن الغاز والنفط إلى غرب قبرص، ضاربا بعرض الحائط القوانين الدولية، ومخترقا الحدود البحرية للدول شرق المتوسط، بحثا عن غاز ونفط، يدعى حقوقا فيه، لا يحترم الجيران، إلا إذا اعتبر أنه لا يزال سلطان السلاطين العثماني، وأنه لا يزال جاثما على العرش قبل توقيع اتفاقية لوزان.
ولوزان اتفاقية تم توقيعها عام 1923، أنهت الحالة العثمانية من منطقة الشرق الأوسط، ويعتقد أردوغان أن الاتفاقية شارفت على الانتهاء، وأنه سيعود إلى احتلال دول الإقليم العربي، وأجزاء من أوروبا واليونان وقبرص، وأنه سيكون الخليفة الفاتح لشمال إفريقيا.
رسالة أردوغان وصلت إلى الجميع، أولا إلى أتباعه المغفلين بأن البطل الهمام بيدق صغير فى حلف غربي، ولا علاقة له بحماية مقدسات المنطقة، وأن مصالح السلطانية المزعومة أهم من شعوب المنطقة، وعلى أتباعه من هذه الشعوب أن يتواروا خجلا بعد اعتراف زعيمهم بأنه يحتمى بمن يسمونهم فى أدبياتهم السياسية أعداء.
أردوغان أثبت بلعبته الأخيرة أنه وفىٌّ لأستاذه من جماعة المستعربين، فأستاذه يوسف القرضاوى طالب أمريكا بغزو سوريا، ودعا من على المنابر لحلف الناتو وهو يقصف ليبيا، ووصفه بأنه كالطير الأبابيل، قبل أن يقوم بطمأنة الغرب على إسرائيل فى حال استحوذت جماعة المستعربين على الحكم فى المنطقة العربية.