من معالم شهر رمضان المبارك.. موائد الرحمن وتعد أبرز مظاهر التكافل الاجتماعي من خلال إقامتها في الأحياء الشعبية والراقية.. وقد قيل إن هارون الرشيد كان يقيم الموائد في قصره وكان يتجول متنكرا بين الناس يسأل عن جودة الطعام.. وفي مصر وتحديدا في عهد الليث بن سعد وقد كان فقيها وثريا وكان يقيم الموائد ويقدم فيها للصائمين الهريسة حتي عرفت باسمه.. ويعيد آخرين موائد الإفطار إلي الأمير أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية فقد جمع التجار والأعيان علي مائدة حافلة بالطعام في أول أيام شهر رمضان وخطب فيهم "اني جامعكم حول تلك الأسمطة لأعلمكم طريق البر بالناس" ثم كان الخليفة المعز لدين الله الفاطمي والذي كان يخرج من بيته 1100 قدر من جميع أنواع الطعام المختلفة لتوزع علي الفقراء والمساكين..
وقد تراجعت الموائد في العصرين المملوكي والعثماني بسبب الحروب التي اشتعلت.. ثم ازدهرت مرة أخري في بداية السبعينيات وان تغير شكلها.. صحيح انها في مراحلها المختلفة كان روادها من الفقراء والمساكين وعابري السبيل إلا أنها في السنوات الأخيرة انحرفت عن أهدافها فقد أصبح روادها في الغالب الأعم من محترفي التسول ومن يمتلكون مقومات التزاحم.. شيء جميل أن تنتشر موائد الرحمن.. ولكن الأجمل والأصوب أن يبحث أصحاب هذه الموائد عن الفقراء ومن يفتقرون إلي الزاد وأين يقطنون.. فتوجه اليهم الأطعمة والأشربة دون مذلة أو مهانة.. وإذا كان ولابد من اقامتها فلا داعي للبهرجة والمباهاة.. إذ يكفي لقيمات قليلة وعدد من حبات التمر توزع علي المارة.. وهنا ينال بالتأكيد أصحابها الحسنات والثواب.. علي أن توجه الأموال التي كانت تنفق علي الموائد إلي الفقراء وذوي الحاجات في بيوتهم..
ربما كانت موائد الرحمن التي تقام علي الطرق العامة أكثر نفعا وفائدة لأن روادها في الغالب ممن تقطعت بهم السبل.. هذه الموائد التي تقام بمعرفة الوجهاء والأعيان ربما أتت بثمارها المرجوة إذا وصلت إلي المستحقين فعلا.. فقد أمرنا بالبحث عن هؤلاء الذين سدت في وجوههم سبل الرزق وافتقروا إلي الزاد.. انهم من لا يسألون الناس إلحافا.. وليس بمقدورهم التزاحم أو التسكع علي هذه الموائد.البطون الخاويه لن تزاحم ولايمكن ان تقف في طوابير متعددة الاشكال والالوان .. دعوة ربما تجد أذانا صاغية...