يكمن السبب الجذري وراء مأساة الجوع وسوء التغذية المتفشية بين الملايين من البشر في الإهتمامات غير الصائبة وغير العادلة من قبل واضعي السياسات، لا في الكوارث الطبيعية أو نقص المواد الغذائية. هذا هو ما خلص إليه التقرير السنوي الصادر عن منظمة "الحق في الغذاء والتغذية" Right to Food and Nutrition Watch ، تحت عنوان "من يقرر بشأن الغذاء العالمية والتغذية: استراتيجيات لاستعادة السيطرة". ويصف التقرير الأهالي المهمشين -مثل الفلاحين والسكان الأصليين الذين ما زالوا يعانون الجوع على الرغم من الجهود التي يبذلونها لزراعة طعامهم- بأنهم "ضحايا المصالح الأنانية". كما يستعرض كيف يمكن للسياسات غير الفعالة المحيطة بقضايا الأمن الغذائي والزراعي التسبب في الجوع وسوء التغذية على الصعيد العالمي. وفي هذا الصدد، أكد مارتن فولبول-بوسين، مؤسس منظمة "ووتش" لوكالة إنتر بريس سيرفس أنه أصبح من الواضح أن هناك علاقة بين "الغذاء والسلطة"، وأنه طالما لا يتحقق تمكين الشعوب فستتضرر أكثرا فأكثر من الجوع وسوء التغذية. في هذا الصدد، أشار فولبول-بوسي -وهو منسق منظمة الحق في المساءلة في الحق في الغذاء لدي شبكة معلومات الأغذية والعمل أولا التي تصدر هذا التقرير السنوي العالمي- إلي أن أولئك الذين يحظون بالسلطة والنفوذ لا يعانون من الجوع أبدا، في حين أن أولئك المحرومين من أي صوت لهم في صنع القرار قد فقدوا السيادة الفردية على التغذية الخاصة بهم. ويعرف التقرير السيادة الغذائية بأنها "حق الشعوب في تحديد السياسات والاستراتيجيات الخاصة بها في مجال إنتاج وتوزيع وإستهلاك المواد الغذائية، مع احترام ثقافاتها الخاصة بها ونظمها في إدارة الموارد الطبيعية والمناطق الريفية، كشرط مسبق لتحقيق الأمن الغذائي". هذا ويجري التركيز حاليا على فكرة أن الجوع المزمن والاضطرابات الغذائية التي تتبع الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ ليست نتائج مباشرة لهذه الظواهر بقدر ما هي للفجوة الخطيرة القائمة بين صانعي القرار وتأثير قرارتهم على سبل العيش والاحتياجات اليومية للأهالي. والسبب الرئيسي لهذه الفجوة المتزايدة هو أن الحكومات والمنظمات المتعددة الأطراف أصبحت تعتمد الآن وبشكل أكبر من أي وقت مضى، على شراكات القطاعين العام- الخاص كأصحاب المصلحة في مسار القضاء على الجوع، بما في ذلك التحالف العالمي لتحسين التغذية، ومبادرة تصعيد التغذية. هذا الشراكات بين القطاعين العام والخاص تبحث عن الحلول من خلال استراتيجيات تدخل قصيرة المدي، على عكس النهج الشامل الهادف الى إستئصال جذور أسباب الجوع، وفقا للتقرير. في هذا الشأن، أعرب فولبول-بوسين في حديثه مع وكالة إنتر بريس سيرفس عن قلقه من دور الشراكات العامة-الخاصة. "لا يمكنك أن تتوقع أن يكون القطاع الخاص أفضل ممثل للصالح العام"، وفقا للخبير الذي شدد علي أن القطاع الخاص بطبيعته يعمل في خدمة الصالح الخاص. في هذا الصدد، يركز التقرير علي أنه على الرغم من أن الشراكات العامة-الخاصة غالبا ما تعتبر ضرورية لتمويل أنشطة التطوير، فإن تحليل أعمق لهذه الشراكات يكشف عن أجندات متناقضة، فنادرا ما تعالج الأسباب الكامنة وراء نقص التغذية في حين تستهدف برامج انتقائية جدا متجاوزة بذلك الأسباب والإحتياجات المستمدة محليا. وأوجز التقرير نتائج سبع دراسات حالة في كل دولة على حدة -واحدة من كل قارة- حيث ينتهك الحق في الغذاء والتغذية نظرا لعدم فعالية الهياكل القانونية. كما أقر صلة مباشرة بين هذه الانتهاكات و"المضبوطات غير الأخلاقية" المعمول بها في الدول لعمليات الإستيلاء علي الموارد الطبيعية والأراضي، كما يستدل عليه من خلال دراسات حالة المكسيك والربيع العربي، علي سبيل المثال.