هل يكفيها نوراً ووضاءة أن شهدت لحظات مقتل جدها سيد الشهداء الحسين بن على رضى الله عنه؟! .. أم هل تكفيها مقالتها الشجاعة أمام جبروت يزيد بن معاوية حين سباها ومعها أهل الحسين إلى قصره بالشام، حين صرخت فى وجهه والسيوف مشهرة على رقابهم «أبنات رسول الله سبايا عند يزيد»؟! أم لشرف ذلك الاسم النورانى الطاهر الذى تحمله تشبها بجدتها الزهراء البتول؟! … أم لأن جدها لأمها الصحابى الجليل «طلحة بن عبيد الله» حبيب رسول الله وأحد العشرة المبشرين بالجنة هذه هى السيدة فاطمة النبوية فى ضريحها الأنور الذى يرتاده المحبون وعشاق آل البيت، فيولون وجوههم شطر الدرب الأحمر، حيث سراج البركة وبقعة الطهر … ولحنانها وطيب سيرتها لقّبَها المصريون ب «أم اليتامى» . خلف الدرب الأحمر فى زقاق يعرف بزقاق السيدة فاطمة النبوية بالقاهرة، يقع الضريح والمسجد الأنور للسيدة فاطمة النبوية ذو القبة المرتفعة والمقصورة المصنوعة من النحاس الأصفر، ذلك المشهد الذى أنشأه الأمير عبد الرحمن كتخدا وجدده الخديو عباس باشا. جمال المسجد والضريح فى رائحة السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى عبق أبيها سيد الشهداء الحسين بن على رضى الله عنهما، ففيها الدم النبوى وتجرى فى عروقها البضعة الزهراء. وكل مريدى السيدة النبوية ورواد مسجدها يعرفون جيدا قيمة يوم الثلاثاء من كل أسبوع، حيث الحضرة الأسبوعية التى يتجمع فيها الفقراء والمساكين والمحبون على مائدة الذكر والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليأكلوا نصيبهم نفحاتهم المباركة من العسل الأسود والخبز والعدس. مسجد السيدة فاطمة النبوية كان أول مؤسسة خيرية لرعاية شهداء الحرب، ورعاية اليتامى والمساكين، حتى إن مقامها دفن بجواره معها الفتيات اليتامى السبعة اللاتى تكفلت بهن فى حياتها . الضريح يفصله عن المسجد الكبير ممر طويل يشبه المغارة، لذلك يطلقون عليه مغارة السيدة فاطمة الصغرى الذى ترقد فيها السيدة فاطمة النبوية، كما يقع بجانب مسجدها الكبير مسجد آخر مجهول ومهمل لابنها سيدى سعد الله الحسن بن سيدى عبد الله، وهو مسجد صغير لا يعرفه سوى من يسكن بجواره من أهل المنطقة. وللسيدة فاطمة النبوية مولد خاص يستمر لمدة 10 أيام يحضره محبو ومريدو الست، ويأكلون العدس والعسل الأسود، ويقيمون الحضرات وحلقات الذكر والزيارات للمقام.
مولدها الأغر السيدة فاطمة النبوية، هى بنت أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمى، أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وأحد المبشرين بالجنة (طلحة الخير)، كما كان يناديه الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم، وكانت السيدة أم إسحاق زوجة للإمام الحسن رضى الله عنه، وقبل وفاته وصى أخاه الحسين رضى الله عنه أن يتزوجها فتزوجها وأنجب منها السيدة فاطمة رضى الله عنها، وقد ولدت له (على) المشهور عام أربعين هجرية بالمدينة المنورة، وقد أنبتها الله عز شأنه أحسن نبات وزكاها أفضل تزكية، فى بيت أبيها الإمام الحسين رضى الله عنه، فورثت عنه الكرامة والشجاعة والفصاحة والعلم والكرم والسخاء، وقد تربت تربية محمدية متجللة بالجمال والكمال، مرتدية رداء العفة والحشمة فكانت شجرة مباركة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن الله. وقد ولدت السيدة فاطمة النبوية فى أوائل العقد الثالث من الهجرة بين ثلاث أخوات وستة إخوة من أبناء الإمام الحسين، فالذكور هم: “على الأكبر”، و”على الأوسط”، و”على الأصغر “ الملقب “بزين العابدين”، و”محمد “، و”عبد الله”، و”جعفر”، والإناث هن: “أم كلثوم”، و”زينب”، و”سكينة “، و”فاطمة” رضى الله عنهم أجمعين، وقد توفى كل الذكور فى حياة أبيهم وأكثرهم قد استشهد فى كربلاء معه، ولم يبق إلا الإمام زين العابدين، وهو الذى جعلت فيه ذرية الإمام الحسين إلى عصرنا، وبارك الله فيها وبسطها شرقاً وغرباً.
نشأتها وزواجها نشأت السيدة فاطمة النبوية رضى الله عنها نشأة حسنة بين أحضان أبويها تمرح فى ظلهما، متمتعة بشباب نضير، وما بلغت سن العشرين حتى كانت آية فى الجمال ومظهرا من مظاهر الكمال، قد أودع الله فى نفسها روحا طاهرة زكية وقلبا تقيا نقيا فى صدق بالغ وإخلاص عظيم، فرغب الناس فى تزويجها لينالوا شرف هذا النبل الكريم، فاختارها أبوها الحسين لابن عمها الحسن المثنى بن الحسن السبط قائلاً له: قد اخترت لك ابنتى فاطمة، إذ هى أكثر شبها بأمى فاطمة الزهراء رضى الله عنها. وبعد وفاة زوجها الحسن المثنى، تزوجت من عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان رضى الله عنهما، وقد استطاعت أن تسير معه بتلك السيرة المرضية.
محنة استشهاد جدها قدر للسيدة فاطمة النبوية أن تكون مع جدها الإمام الجليل ساعة استشهاده هو وأكثر أهل بيته وأولاده، ثم تؤخذ مع الرهط النبيل المفجوع إلى قصر يزيد، حيث ساءهم بغليظ كلامه والسيوف المشهرة حولهم والعيون الطامعة أو الشماتة، فصرخت فيه السيدة فاطمة فى استنكار : أبنات رسول الله سبايا يا يزيد؟! .. فخجل يزيد وقال: بل حرائر كرام وأدخلهن على أهله وبالغ فى التودد إليهن محاولا أن يصلح من وقع جريمته الشنعاء على قلوب المسلمين حتى قالت السيدة سكينة متهكمة على ما يفعله: ما رأيت رجلا كافرا بالله خيرا من يزيد بن معاوية! ومن دلائل جودها ما حدث منها فى رحلة الرجوع للمدينة من كربلاء، فقد كان يصحبها وأهلها رجل من أهل الشام بعثه يزيد لرفقتهم، فلم تنس السيدة فاطمة فى مثل موقفها العصيب وحزنها الدامى أن تهتم به، وأن تفكر فى مكافأته فأخذت من أختها سكينة سوارين ودملجين وبعثت بها إليه، إلا أن الرجل ردها قائلا إنه صنع ذلك لقرابتهما من الرسول. وفاتها توفيت السيدة فاطمة رضى الله عنها فى ربيع الأول سنة 110 ه ، وقد توفيت بعد أن عمرت حتى قاربت التسعين سنة.